الأمين العام لحزب الجبهة: موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية مصدر فخر    مصطفى بكري: «البرلمان الجاي لازم يكون عين الشعب وسيفه مش صدى صوت للحكومة»    سعر جرام الذهب مساء اليوم، عيار 21 وصل لهذا المستوى    الحفني: اتفاقية ياموسوكرو تمثل حجر الأساس لتحقيق السوق الإفريقية الموحدة للنقل الجوي    استقرار أسعار الحديد والأسمنت ومواد البناء في الأسواق اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025    الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض ضرائب على الطرود الصغيرة المستوردة بدءًا من مطلع 2026    خيارات عسكرية على طاولة ترامب لضرب أهداف في فنزويلا    هند الضاوي: قضية إبستين مليئة بعلامات الاستفهام وتحليلات تشير بتورط الموساد    بكري: إسرائيل تواصل غطرستها وانتهاكها الصارخ لاتفاق وقف النار في غزة(فيديو)    إسلام عفيفى يكتب: نتنياهو.. الخروج الأمريكى الآمن    اجتماع هام بين الاتحادين المصري والإماراتي لكرة اليد تمهيدًا لتوقيع بروتوكول تعاون شامل    عاجل | الأرصاد تحذر من موجة طقس غير مستقرة وأمطار رعدية غزيرة على شمال البلاد غدًا    ننشر صورة المهندس المقتول على يد زميله فى الإسكندرية    صناع "بينما نتنفس" على السجادة الحمراء ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي (صور)    «فارس أحلامي».. جواهر تعود لجمهورها بمفاجأة جديدة (فيديو)    عاجل- دعاء المطر في أوقات الاضطرابات الجوية.. رحمة من الله واختبار لصبر العباد    احتفالية مركز أبحاث طب عين شمس بمرور خمس سنوات علي إنشاءه    مسئول أممي: لا أحد بمنأى عن مخاطر تغير المناخ.. والشرق الأوسط من أكثر المناطق تأثرا    كيف تدعم وزارة التعليم العالي وبنك المعرفة الأئمة والدعاة لنشر القيم الصحيحة؟    القبض على 3 متهمين بواقعة إصابة طبيب نساء بطلق ناري في قنا    المشدد 10 سنوات ل3 محامين وعاطل فى تزوير محررات رسمية بالإسكندرية    مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية يستقبل وزير الدولة بالخارجية الألمانية    احذر.. جريمة الغش للحصول على بطاقة الائتمان تعرضك للحبس وغرامة مليون جنيه    خبير اقتصادي: افتتاح المتحف الكبير وجولة السيسي وماكرون رسائل طمأنة للعالم    «بيستخبوا زي الفيران».. 5 أبراج لا تستطيع المواجهة    خناقة بعد مباراة أبو قير للأسمدة وبروكسى فى دورى القسم الثانى    كرة سلة - الأهلي يفوز على سبورتنج ويتوج بدوري المرتبط للسيدات    مفوضية الانتخابات العراقية: لا شكاوى مؤثرة على نتائج الانتخابات النيابية حتى الآن    الإيجار القديم بالجيزة: اعرف تصنيف شقتك قبل تطبيق زيادات الإيجار    استقبله بالزي الصعيدي، شيخ الأزهر يلتقي بالمفكر العالمي جيفري ساكس بمنزله في الأقصر    وزيرة التنمية المحلية: ندعم جميع المبادرات لوضع الإنسان والإبداع فى صميم الاهتمام    مش هننساك.. أسرة إسماعيل الليثى تعلق صورته مع ابنه ضاضا أمام سرادق العزاء    الصحفيين الفلسطينيين: الاحتلال يمنع تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب    خالد الجندي: الله يباهي الملائكة بعباده المجتهدين في الطاعات(فيديو)    المصري يحدد ملعبه الثاني لمباريات كأس الكونفدرالية    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي تدريب الكوادر الطبية العراقية في مصر    مناقشة تطوير أداء وحدات الرعاية الأولية خلال مؤتمر السكان العالمي    الشيخ الجندي يكشف فضل انتظار الصلاة والتحضير لها(فيديو)    خالد مرتجي يتحرك قانونيًا ضد أسامة خليل بعد مقال زيزو وأخلاق البوتوكس    المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية استخدم الذكاء الاصطناعي للتخطيط وإخفاء الأدلة    تعليم القاهرة تعلن عن مقترح جداول امتحانات شهر نوفمبر    مصطفى حسني: تجربتي في لجنة تحكيم دولة التلاوة لا تُنسى.. ودوّر على النبي في حياتك    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    بعد القبض على قاتل مهندس الكيمياء النووية.. مصطفى بكري: وزير الداخلية يعمل في صمت    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    مدير تعليم الشرابية يشيد بمبادرة "بقِيمِنا تحلو أيّامُنا"    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    محمد عبد العزيز: ربما مستحقش تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي بالهرم الذهبي    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    نيويورك تايمز: أوكرانيا تواجه خيارا صعبا فى بوكروفسك    4 ديسمبر.. بدء تلقي طلبات الترشح لانتخابات نقابة الأطباء البيطريين وفرعية قنا لعام 2026    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    إجراء 1161 عملية جراحية متنوعة خلال شهر أكتوبر بالمنيا    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    باريس سان جيرمان يحدد 130 مليون يورو لرحيل فيتينيا    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغزو الرهني لمصر!!!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 14 - 01 - 2013

'هل تعرف كيف يُعطي الحصان أو الحمار 'حقنة' تحت الجلد، دون أن تنال منك قوائمه وحوافره، ودون أن يدخل في حالة ثورية من الهياج، فيطرحك أرضًا، ويطرح قيوده، ويهيم في البرية؟، تجري المسألة ببساطة علي النحو التالي: تقبض علي مقدمة فمه بكمّاشة حديدية، ثم تضغط بشدة فتُحدث له ألمًا موضعيًّا كبيرًا، بينما يتسلّل شخص آخر إلي مؤخرته، ويرشق الحقنة المدببة تحت جلده، ويفرغ محتوياتها بهدوء شديد، دون أن ينتابه أي إحساس بالوخز أو الألم، فالألم الأكبر يخفي دائمًا ما دونه من صنوف الآلام، لكنني لا أتحدث في الحقيقة عن درس عملي في الطب البيطري، وإنما عن نظرية مقابلة تطبّق في السياسة والاقتصاد، وتستخدم وفق المنهج والأدوات نفسها، في حقن الشعوب بما يراد حقنها به، مع تجنيبها الإحساس بالوخز أو الألم، تجنبّا لغضبها وهياجها، الذي يمكن أن يدخلها في حالة ثورية..!'.
لقد استرعي انتباهي ذلك التركيز الإعلامي الغربي علي الانتخابات البرلمانية المقبلة في مصر، حد اعتبارها من جانب أهم صحفه ووسائل إعلامه، ك 'الفورين بوليسي' و السي. أن. أن. 'المفصل الحقيقي الذي سيحدد لا مستقبل مصر فحسب، وإنما مستقبل الإقليم، فضلا عن مستقبل العالم، مع الحرص علي خلق حالة إغواء بالتركيز علي ذلك، بتأكيد أن التيارات الإسلامية تزداد تفتتًا، وأن جبهة الإنقاذ في وضع أكثر قوة، وأفضل فرصة، وإذا كانت الأوضاع المستجدة، التي يُدفع إليها الاقتصاد الوطني دفعا، بكل نتائجها الوخيمة، لا في الحيز الاقتصادي والاجتماعي وإنما السياسي والوطني، بل الاستراتيجي، يمثل الحقنة المدببة، التي ينبغي تمريرها تحت جلد الوطن، دون إحساس بالوخز أو الألم، تجنبا للهياج والثورة، فإن التركيز المجرد أو قل التجريدي، علي الانتخابات النيابية باعتبارها رافعة الإنقاذ الوطني والإقليمي في حد ذاتها، لا يخرج بها عن وظيفة الكماشة الحديدية، وفق النظرية السابقة.
'والحقيقة أن هذا ما يحدث في حيّز الواقع العملي، رغم أننا نتحدث عن برلمان مُقيّد، وعن قانون انتخابات موجّه، وعن بيئة مضطربة تزداد فيها وجوه صور الخلل في كل التوازنات، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، ومع ذلك فإن المعارضة التي تتقدم الصفوف، تبدو في خطابها العام مهمومة بمصيرها، أكثر ما هي مهمومة بالمصير الوطني كله، وكأنها لا تري وفق ما يبدو من هذا الخطاب، ما يتم نشره في قلب العملية الاقتصادية والاجتماعية من خراب، يصل إلي حد تبوير مصر، ووضع أصولها وهياكلها وأسواقها تحت سطوة ممتدة، لاحتكارات أجنبية متعددة'.
'المدهش حقًا، أن تلك الموجة العالية التي تضافرت فيها جهود مؤسسات التمويل والتقييم الدولية، ووسائل الإعلام الغربية، ووضعت مصر في صورة الدولة المقبلة علي الإفلاس، وروّجت أن الاقتصاد المصري يلفظ أنفاسه الأخيرة، قد هدأت، في أعقاب الزيارة الأخيرة لبعثة صندوق النقد الدولي، فلم يعد أحد يتحدث بصوت عال، عن تصنيف طويل الأمد لمصر، باعتبارها دولة عالية المخاطر، وفي طريقها إلي أن تصبح دولة متعثرة، ولم يعد أحد يكرر مقولات تخفيض التصنيف الائتماني للبنوك الرئيسية المملوكة للدولة، إلي مستوي متدن فوق منحني هابط، وكأن يد العناية الدولية، قد مرّت علي جبهة الاقتصاد المصري، وألقت بتعاويذها السحرية، فأخذت مظاهر الشفاء، تطرد علامات المرض'.
'لقد كانت مجلة 'فورين بوليسي' هي التي شاركت مع صندوق السلام الأمريكي للأبحاث، في بحث مشترك، انتهي إلي وضع مصر في المرتبة ال31 في قائمة مؤشر الدول الفاشلة، وإلي تصنيفها ضمن الدول التي تدخل مرحلة الخطر وعدم الاستقرار، بعد تقدمها في الفشل 14 درجة خلال عام واحد، فقد كان ترتيبها 45 في العام الماضي، وكانت المجلة نفسها هي التي شككت في تقديرات صندوق النقد الخاصة بتوقعه نموًا تدريجيًا في الناتج القومي في حدود نسبة 3% هذا العام، بل إنها نشرت صورة قاتمة للاقتصاد الوطني، كان من بين ملامحها، أن الجنيه المصري الذي فقد 12% من قيمته منذ عام 2009، سوف ينهار علي وجه السرعة، وأن حجم التراجع في الاقتصاد والتوظيف في مصر مثير للقلق، يضاعف منه عدم وجود قوة شرائية كافية لانتشاله، بل إنها قارنت بين فشل نظام مبارك ونظام مرسي، فوجدت أن فشل الأول تجلي في سوء توزيع الثروة، وهو ما أدي إلي سقوطه، أما الثاني فقد أضاف إلي الفشل السابق فشلا آخر، وهو أن المكاسب التي حققها الأول قد توقفت، واضعة نظام د. مرسي بين خيارين فقط، إما النجاح اقتصاديًا–وفق المنهج والشروط الغربية طبعا–وإما الاعتماد علي أنصاره لقمع المصرين، من أجل الحفاظ علي الحكم في يد الإسلاميين، والحقيقة أن تراجع مصر اقتصاديًا بشكل ملموس خلال العام الأخير وجد تعبيرات متعددة عنه في جميع البيانات التي صدرت عن مؤسسات التقييم الدولية، فمؤشر التنافسية العالمية الصادر عن تقرير المنتدي الاقتصادي العالمي '2012–2013' قد أكد أن مصر تراجعت 13 مركزًا دفعة واحدة خلال العام الأخير، لتحتل المركز 107 مقارنة بالمركز 94 في العام السابق، مرجعا ذلك إلي حالة عدم التيقن من الأوضاع السياسية، مع تراجع بيئة الاقتصاد الكلي، نتيجة اتساع العجز المالي، وارتفاع المديونية العامة، واستمرار الضغوط التضخمية، وذلك كله صحيح وبالتأكيد، لكن الشاهد في كل الأحوال أن هذه الموجة العالية التي سعت إلي تسكين الاقتصاد المصري في دائرة خطر مزمنة، ووضعت أقدامه في بركة الإفلاس، قد انحسرت وتوقف الإعلام الغربي عن الترويج لها تقريبًا، بعد الزيارة الأخيرة لبعثة الصندوق، وبعد عدد من التوجهات التي التزمت بها الحكومة، وأخذت في تطبيقها، كتعويم الجنيه، ورفع الدعم عن الطاقة، وفرض ضرائب جديدة.. إلخ؛ حيث احتلت مكان صورة مصر المفلسة، صورة مصر المقبلة علي انتخابات برلمانية، ستكون وحدها المحدد لمستقبل مصر، ومستقبل الإقليم، وهو تحوّل يستحق التدقيق والتفسير'.
'إن عملية الإدارة المنظمة لتعويم الجنيه المصري، وهي مسألة جوهرية في حسابات المستقبل الذي يتحدثون عنه، ما تزال تجري علي قدم وساق، فبعثة الصندوق نفسها، رغم أنها أبدت ارتياحها لتخفيض قيمة الجنيه بنسبة تصل إلي 9%، فإنها أشارت علي موقعها الرسمي، إلي أن هذه النسبة ليست كافية، وأن المطلوب في المدي القريب أن تكتمل عملية التعويم، علي النحو الذي تري أنه يمثل قيمة الجنيه الحقيقية، من وجهة نظرها، وهو ما يري البعض أنه يعني تخفيضًا إضافيًا لقيمة الجنيه، لا تقل عن نسبة التخفيض التي تحققت بالفعل'.
'نحن–إذن–أمام قرار بتعويم العملة الوطنية يمكن إنكاره سياسيًا، ويمكن وضعه تحت مسمي آخر إعلاميًا، ولكنه واقع حقيقي، لكنه ليس قرارًا اقتصاديًا بحتًا، وإن بدا كذلك، لأنه قرار استراتيجي بالمعني الشامل لكلمة الاستراتيجية، بل إنه واحد من أخطر القرارات الاستراتيجية، التي صدرت علي امتداد أكثر من عقد من الزمن، ذلك أن نتائجه لا تصب في حقل السياسة النقدية أو المالية، وإنما في نهر الاقتصاد الوطني كله، وهي لا تنصب في نهر الاقتصاد الوطني فحسب، ولكنها تنصب في الفضاء السياسي والاجتماعي للوطن كله، أكثر من ذلك فإن نتائج تفاعلاته المفتوحة تنصب في الدور الإقليمي وفي المكانة الدولية، لأنها تنعكس علي نحو مباشر علي قوة الدولة المصرية الشاملة، ولهذا فإن القرار لا يحيط بمستقبل أو مصير العملة الوطنية أو الاقتصاد الوطني، ولكنه يحيط بمستقبل المصير الوطني كله، إنني لا أتحدث بالطبع عن الحسابات الاقتصادية للقرار، ولكنني أتحدث قبلها عن الحسابات السياسية والاجتماعية والدفاعية والأمنية والمستقبلية، وهي حسابات ينبغي أن تكون مدروسة ومفصّلة، وسابقة علي اتخاذ القرار، لكن هذه الحسابات كلها، لم تكن قائمة ولا منظورة ولا واردة، فضلا عن أن تكون الحسابات الاقتصادية ذاتها، قد خضعت لتقويم موضوعي كامل، فليس ثمة إجابة عملية مدروسة عن الأسئلة الرئيسة المعلقة، حتي في الحيّز الاقتصادي المغلق كتأثير القرار علي معدلات النمو، أو علي الدين الخارجي، أو علي العجز في الميزان التجاري، أو علي تعاملات الدولة مع قطاع العالم الخارجي، أو علي العجز في الموازنة، أو علي الإنفاق الجاري أو الاستثماري والتحويلات الرأسمالية بموازنة الدولة، وما هو أثره المباشر علي الركود، الذي يغطي وجه السوق كأنه سرب من النحل البرّي؟ ما أثره المباشر علي الضرائب، والجمارك التي تتآكل عوائدها؟ ما أثره المباشر علي السلع والخدمات؟ ما أثره المباشر علي البطالة؟ أما في الحيّز الاجتماعي فإن الأسئلة تطول أوضاع المجتمع كله، الطبقة المتوسطة التي تترنح سقوطا إلي صفوف القاعدة الاجتماعية، والقنابل الموقوتة في صفوف العمال والفلاحين، والثروة البشرية التي ستتعرض لضغوط انفجارية.. إلخ.. إلخ.. أما الأسئلة التي تطول الحيّز الدفاعي والأمني، فمن الأفضل أن تتركها معلقة في الفضاء'!
'أليست هناك عوائد إيجابية لتعويم العملة الوطنية، علي هذا النحو؟'
'نعم هناك عوائد إيجابية، ولكنها ليست علي غرار ما يشاع عن ترشيد الاستيراد، أو ضبط الأسواق، أو تنمية الصادرات، أو غير ذلك مما يدخل في صلب الدعاية المبتذلة، لأن قطف ثمار هذه العوائد، لن يكون إلا وقفًا علي صنفين من الناس'.
'الأول: الشرائح الاجتماعية العليا من رجال المال، الذين يكتنزون ثرواتهم بالعملات الأجنبية، سواء تلك الأموال التي تم الفرار بها إلي الخارج، أو التي مازالت تتحيّن الفرصة داخل أوعية إدخارية محلية، حيث تتاح لهذه الشرائح تنمية ثرواتها مقومة بالعملة الوطنية، دون جهد أو عناء، ودون عمل، وهو ما يعني أن جانبا من القرار، ينصرف إلي خدمة أعلي الشرائح وأكثرها تضخما، في أعلي السلم الاجتماعي، وإلي تمكينها من حل مشكلاتها الاقتصادية المترتبة علي اتساع مديونيتها، وإنفاقها الذاتي الترفي، علي حساب مجمل طبقات المجتمع وقواه الاجتماعية، مما يعني أن أضعف الطبقات الاجتماعية المصرية، وأرقها حالا، وأصعبها ظروفًا، هي التي سيتم نقل الجانب الأكبر من خسائر وديون أحسن الطبقات حالا في المجتمع إليها، فهي التي ستدفع ثمن تكلفتها من كدّها ولقمة خبزها، مثلما أن شريحة أخري من هذه الشرائح الاجتماعية العليا، ستتمكن من تقوية مراكزها المالية، ومضاعفة ثرواتها، خصما من عوائد مجمل الطبقات الاجتماعية، التي ستزداد أوضاعها صعوبة، وبؤسا، فبقدر نجاح أغني الأغنياء، في الإفلات من الأزمة والخسائر والديون، بقدر سقوط أفقر الفقراء، تحت أكثر حلقات الأزمة استحكامًا وضغطًا'.
'الثاني: رءوس الأموال الأجنبية المتعددة الجنسيات، أو المجهولة الجنسية، التي سيفتح أمامها الباب علي مصراعيه، لشراء الأصول الوطنية، بأبخس الأسعار، والتي سيقتضي مسلسل الأزمات التالية طرحها للبيع، وإذا كان الأجانب قد تمكنوا من الاستحواذ علي ثلثي الأصول الوطنية التي تم بيعها، سواء من أنصبة القطاع العام، أو من أنصبة القطاع الخاص، فسوف تكون شهيتهم أكثر انفتاحا علي ما تبقي من هذه الأصول، كما ستكون قدرتهم أعلي علي إحداث ضغوط أشد لخلخلة الأوضاع الاقتصادية حول المؤسسات أو المصانع أو الشركات أو أطر التجارة الداخلية، التي يرغبون في الاستحواذ عليها.
والحال كذلك، فإن القرار قد وضع الأصول الوطنية كلها، فوق منحدر شديد الوعورة، ينتهي به دون أدني قوة دافعة إضافية، بين أحضان ملكيات أجنبية، قد تكون معروفة أو مجهولة المصدر'.
'غير أن الأهم في تجربة فقدان الأصول الوطنية، هو انعكاسات ذلك المباشرة علي مضاعفة عوامل تآكل السيادة الوطنية، إضافة إلي تأثيره المباشر في أوضاع الدولة الوطنية، التي تنحدر تلقائيًا إلي مستوي شديد التقزم، يفقدها القدرة علي ممارسة وظائفها الحيوية الأساسية علي المستوي الداخلي، فضلا عن إضعاف قدرتها علي التأثير في محيطها الإقليمي، وهو ما يؤدي تلقائيا إلي تخفيض المكانة الدولية، علي اعتبار أن الدور الإقليمي، هو المفتاح الحقيقي للمكانة الدولية'
والحقيقة أن هذا هو الهدف المباشر والأساسي، لضغوط منظمات التمويل الدولية، في اتجاه تعويم العملة الوطنية: تقوية مراكز الشرائح الاجتماعية، عند قمة الهرم الاجتماعي، وارتهان الأصول الوطنية بسعر بخس لدي الشركات الأجنبية، وتقزيم الدولة الوطنية، وهو ما أطلق عليه رأسمالي وطني مثقف قبل أكثر من ثلاثة أرباع القرن، هو 'صبحي وحيدة' تعبيرًا دقيقًا موحيًا، هو 'الغزو الرهني' أي باختصار شديد، تحويل احتكار الدولة، إلي احتكار القلة، وتطويع أوضاع المجتمع من خلال القلة المحتكرة في الداخل، لصالح القلة المحتكرة علي المستوي الدولي'.
'إذا كان تعميق احتكار القوة في الداخل، وتوسيع دائرة ' الغزو الرهني' من الخارج، هما أهم العوائد الإيجابية من منظور أصحابها، فما هي العوائد السلبية، من المنظور الوطني؟'.
'أولا: في وضع ركود مستحكم، فإن حلقات الركود سوف تزداد استحكامًا، لماذا؟ لأن تخفيض قيمة العملة الوطنية وليس عرض النقود هو الذي يخلق آثارا تضخميّة، وانكماشًا نقديًّا، وتخفيضًا في القيمة الحقيقية للأجور، وتقويضًا للسوق الداخلي، إن قاطرة السوق لن تجد الكمية الكافية من الوقود الاقتصادي والاجتماعي اللازم لتحريكها، بحكم تخفيض قدرة المجتمع علي الاستهلاك، وبحكم تآكل قيمة النقود الاجتماعية، وإذا كانت العملة الوطنية قد تُركت لمصيرها، بين أيدي عوامل ليست جميعها تحت السيطرة، فإن معامل الانخفاض سيظل مستمرًا، وسوف يظل الانحدار متواصلا، وبالتالي ستزداد الآثار التضخمية تفشيًّا، والانكماش النقدي شيوعًا، والسوق الداخلي انهيارًا، وهكذا بدلا من معالجة الركود، سيضاف إليه منتوج جديد هو التضخم، 'وقد قدّره الصندوق نفسه بنسبة 15%'، لينتج من زواجهما الشرعيّ، مضاعفات جديدة، اسمها 'التضخم الركودي'، فسوف تتصاعد النفقات، وتنحدر الإيرادات، وهكذا–أيضًا– فإن السياسة النقديّة، التي تستهدف معالجة التضخم، هي التي ستلده، والسياسة الليبرالية الجديدة، التي تنحني للسوق وتحوله إلي بقرة وحيدة مقدسة، هي التي ستتولي مهمة قتله في النهاية'.
'ثانيا: في وضع انحدار يتسم بالثبات في معدلات النمو، فإن معامل الانحدار سوف يأخذ في التسارع، أي أن الانخفاض في النمو سيكون نتيجة حتمية لهذه السياسة، لماذا؟
لأن الانخفاض في القدرة الشرائية للمواطنين مع القوة الشرائية للجنيه، سوف ينعكس–أولًا– وبشكل تلقائي علي معدلات الادخار، الآخذة في الانخفاض أصلا، والتي بلغت مستوي متدنيًا، ولأن التعويل علي تدفق حجم معين من الاستثمارات الأجنبية –ثانيًا– سيظل مرتهنًا بالظروف الإقليمية، وهي غير ملائمة بحكم أوضاعها، وبحكم النقص الملموس في الاستثمارات الأجنبية علي المستوي الدولي، وبحكم طبيعة هذه الاستثمارات، التي ستفضّل في جميع الأحوال، الدخول في قطاع التجارة الداخلية، أو شراء الأصول، وكلا الأمرين سوف تترتب عليه، إضافة مزيد من العاطلين إلي أرصفة البطالة، وهو بدوره سينعكس سلبيا علي معدلات الادخار وعلي النمو، وإذا أضفنا إلي العنصر السابق عناصر أخري متزامنة معه، كزيادة الضرائب، ورفع الدعم عن الوقود، والتوجه نحو تسعير اقتصادي للخدمات الحكومية في المياه والكهرباء وغيرهما، فإننا بذلك أمام أضلاع مربع حاكم خانق للاقتصاد الوطني'.
ثالثا: في سوق وطني تسيطر عليه أوضاع احتكارية كاملة، وتبدي الحكومة قدرًا مدهشًا من اللامبالاة أما هذه الأوضاع، فإن الانخفاض المتتالي في سعر العملة الوطنية، سوف ينعكس ارتفاعا متواليا في أسعار السلع، سواء أكانت محلية أو مستوردة، وسوف تكون قفزات الأسعار في السلع والخدمات إلي أعلي، أكبر من الانخفاضات في أسعار العملة الوطنية إلي الأسفل'.
إن التجربة المعاشة في الأسواق حاليًا، تعكس مستوي هذا التفاعل المفتوح بين تخفيض قيمة العملة، وزيادة أسعار السلع، فعندما فقدت العملة الوطنية 5% من قيمتها في الأيام الأولي، كان متوسط الارتفاع في أسعار السلع الأساسية، قد تجاوز نسبة 15% أي أن المستهلكين الفقراء، الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من المصريين، لن يدفعوا من لقمة خبزهم، قيمة تجريف العملة الوطنية فحسب، ولكنهم سيدفعونها مضاعفة في أغلب الأحوال.. لماذا؟
لأنه إذا كان قرار تعويم العملة في ظل الركود الحالي، يعمل علي زيادة حدته، فإنه سيزيد من الأوضاع الاحتكارية في السوق وليس العكس، إضافة إلي أن تخفيض قيم العملة، لابد أن يتم تعويضه مضاعفا، في هذه الحالة من عوائد الاستثمار'.
'رابعا: في ظل موازنة عامة لدولة تعاني عجزًا هائلًا، كيف سينعكس تآكل العملة الوطنية علي قدرة الموازنة علي سدّ احتياجاتها وتحقيق أهدافها؟ إن حجم النقود التي ستوجهها الموازنة كتكلفة للمشتروات الحكومية من السلع والمنتجات الأجنبية سيكون ثابتا، ولكن قيمتها الشرائية بالعملة الأجنبية، قد انخفضت خلال أسبوعين بنسبة 9%، وسوف تنخفض إلي ضعف هذه النسبة، وسوف ينعكس ذلك بالطبع إلي حجم المشتروات، وإذا أضفنا إلي ذلك ارتفاع الأسعار الدولة لشراء السلع الأساسية كالقمح، فما الذي سيترتب علي ذلك، هل ستقلل الحكومة حجم رغيف الخبز ليصبح لقمة واحدة، أم ستزيد نسبة الذرة به أكثر مما هو قائم؟ يضاف إلي ذلك أن انخفاضا محتمّا سيقع في حصيلة الرسوم الجمركية، وضريبة المبيعات رغم زيادتها، مع انخفاض فعلي في القيمة الفعلية لحصيلة الضرائب بوجه عام، كيف يمكن لموازنة مختلّة ومعتلّة، أن تعالج كل هذه الثقوب القادرة علي إغراق سفينة كبيرة، لا قاربا مترنحّا، يعاني الدوار'.
'كيف سيتم خلق توازنات في ظل أوضاع مفروضة، تؤثر بالزيادة علي النفقات، وبالنقصان علي الإيرادات، إن الطريق الوحيد الباقي هو زيادة الضرائب، وهو ما حدث ويحدث، أي مزيد من تعويق السوق، والاقتراض من الداخل، أي خنق الاقتصاد نفسه، والاقتراض من الخارج، أي زيادة الضغوط علي العملة الوطنية، أي أن جميع هذه الخيارات يمكن أن يتم داخل هذا الأنبوب الضيق، الذي حبست الحكومة العملة الوطنية في داخله، وبالتالي فهي خيارات مأزومة، فإذا كانت كل زيادة قدرها قرش صاغ واحد في سعر الدولار، قياسًا إلي الجنيه، تساهم في زيادة الدين الخارجي بما يساوي 220 مليون جنيه، وإذا كان حجم هذا الدين في حدود 35 مليار دولار، فما الزيادة التي لحقت به خلال الفترة الماضية؟ وما المعدل المتوقع للزيادة في هذا الدين، مع كل انخفاض متوقع أو منتظر في قيمة الجنيه، ومع التوجه الواضح لتوسيع دائرة الاقتراض من الخارج؟ فما الذي سيمنع رأس الدين الخارجي المصري من التضخم، إلي الحد الذي يمثل ضغوطا متزايدة علي التوجه المصري كله، خاصة مع أعباء خدمة هذا الدين المتزايدة، والتي تنوء بحملها ميزانية الدولة؟!
نحن–إذن– أمام احتمالات مفتوحة، داخل دائرة جهنمية مفتوحة، لأن تعريض الجنيه المصري لمحنة العرض والطلب، وتركه بلا حماية حقيقية، يعني تعريض الأغلبية العظمي من المصريين الشرفاء لهذه المحنة، وتركهم بلا حماية أيضًا، ومع ازدياد الضغوط علي العملة الوطنية، ستظل مجبرة علي أن تتآكل ويتآكل معها خبز المصريين، وقدرتهم علي سدّ حاجاتهم الأساسية، ثم ما انعكاسات ذلك كله، علي الثروة الوحيدة التي تملكها مصر، أقصد الثروة البشرية، التي ستوضع تحت ضغوط متزايدة، تزيد أوضاعها سوءًا واحتقانًا، وتهبط بها من منجم إلي خرابة، ومن كائن فاعل إلي كائن معاق؟'.
'سلامًا علي الفقراء في مصر، وهم ينحدرون فوق منزلق خطر، إلي أوضاع أكثر انسحاقًا وبؤسًا وفاقة'.
'وسلاما علي شرائح الطبقة المتوسطة المصرية، مخزون الحكمة والعقلانية، وهي تُدفع دفعا إلي مزيد من السقوط والانهيار والانفجار'
'وسلاما علي كتلة الخطر في الأجيال الصاعدة، وهي تتكوّم جبالا بشرية، فوق أرصفة البطالة والقهر، دون أمل أو أفق أو مخرج'.
'وسلامًا علي الإسلام، الذي يستنطقونه كذبا وزيفا، باسم احتكارات أجنبية طامعة، ورأسمالية متوحشة، هي نقيض دعوته الإنسانية الصافية، في العدل والمساواة'.
'وللحديث تواصل وبقية'.
Email: [email protected]
Site: ahmedezzeldin.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.