تسود حالة من الجدل بين خبراء الاقتصاد والاستثمار والتمويل حول تعويم الجنيه المصرى، على خلفية تقرير صندوق النقد الدولى الصادر عن اجتماع دوفيل الوزارى الشهر الماضى بطوكيو الذى ضم مندوبين عن جميع الدول الأعضاء ومن بينهما مصر ، والذى ينص على أنه من أهم أولويات السياسات الاقتصادية فى مصر على المدى القصير السماح للعملة بالتماشى مع اتجاه قوى السوق، مع تجنب التذبذبات القوية على الأجل القصير، وهى السياسة التى ستساهم فى حماية التنافسية والاحتياطات المصرية من النقد الأجنبى. وفى ضوء هذه المستجدات يحذر خبراء الاقتصاد من خطورة تعويم الجنيه المصرى حال اشتراط صندوق النقد الدولى ذلك للموافقة على القرض الذى تبلغ قيمته 4,8 مليار دولار مؤكدين أنه سيؤدى إلى أوضاع اقتصادية كارثية حيث يضاعف من فاتورة الاستيراد ويعصف بمقدرات الاقتصاد المصرى وهو ما يحول الاقتصاد المصرى إلى أن يصبح اقتصادًا جامحًا وهو ما يعنى آخر مرحلة من مراحل التدهور الاقتصادى «أكتوبر» طرحت هذه القضية للنقاش فى سياق التحقيق التالى. بداية أوضح د. أيمن محمد إبراهيم الخبير المصرفى أن اللائحة التنفيذية الجديدة لصندوق النقد الدولى الخاصة بمنح القروض التى تمت صياغتها مؤخراً عقب مؤتمر اليابان الذى حضره مندوبون عن جميع الدول الأعضاء وحضره ممثلون عن الحكومة المصرية، تتضمن رفع الدعم عن المحروقات والسلع الغذاية وتعويم العملة المحلية للدولة المقترضة، وأنه انطلاقًا من ذلك يجب على الحكومة المصرية الشفافية الكاملة فيما يتعلق بشروط الصندوق للحصول على القرض . ومن ناحية اخرى أكد خطورة تعويم الجنيه المصرى فى ظل الأوضاع الراهنة خاصة فى ظل ضعف الصادرات المنظورة وغير المنظورة (السياحة) ، مشيرًا إلى أنه سيؤدى إلى أوضاع كارثية حيث من الممكن أن يتحول الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد جامح وهو ما يعنى أقصى درجات التدهور الاقتصادى مفسرًا ذلك بأنه على الرغم من أن تعويم الجنيه يمكن أن يؤدى إلى زيادة الصادرات المصرية بحوالى 25 % ويزيد أيضا من القدرة التنافسية للمنتج المصرى ، فإنه يؤدى ايضا إلى ارتفاع فاتورة الاستيراد أربعة أضعاف القيمة الحالية وهو ما يهدد الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى فى مصر فى ظل استيراد المواد البترولية والسلع الغذائية والكثير من المنتجات الاخرى نظرا لأننا مجتمع يقوم بشكل أساسى على الاستيراد. وأشار إلى أن تجربة المكسيك مع صندوق النقد الدولى نهاية القرن الماضى توضح مدى خطورة الاقتصاد الجامع الذى يمكن أن تقود إليه الأوضاع حال تعويم العملة المحلية للدولة المقترضة. بينما أكد د. أيمن محمد إبراهيم أن زيادة موارد الخزانة يمكن أن تتم خلال تطبيق فكر اقتصادى جديد مثل تطبيق مشروع العلامة العشرية الذى تناوله خلال احدى دراساته ويقوم على توفير مبلغ 65 مليار جنيه سنويا بما يساعد على زيادة حجم الادخار حوالى 15% سنوياً « الأموال القابلة للاستثمار» ويرى أنه لتحقيق أقصى استفادة من المشروع يجب إنشاء بنك يحمل اسم «بنك الشعب الاجتماعى» تكون مهمته تخصيص نصف المبلغ لتوفير التمويل للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر باعتبارها عصب التنمية فى العصر الحديث وهو ما أثبتته تجارب التنمية فى دول جنوب شرق آسيا ذات الاقتصادات الصاعدة، وتخصيص المبلغ المتبقى لشراء أذون الخزانة وتقليص عجز الموازنة، وعلاوة على ما سبق يقترح زيادة موارد الموازنة خلال تطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور وتحريك عجلة الانتاج والحد من خروج العملة الصعبة وزيادة الاستثمارات . ومن جانبه أكد د. مختار الشريف أستاذ الاقتصاد بجامعة بنها أن تعويم الجنيه يؤدى إلى زيادة الأسعار بشكل كبير يؤدى إلى أوضاع اقتصادية واجتماعية شديدة الخطورة وكارثية، ويرى أنه من الأفضل استمرار سياسات دعم الجنيه التى يتبعها البنك المركزى حفاظًا على الاقتصاد المصرى. فسياسات البنك المركزى على مدار الفترة الماضية منذ بداية الثورة قامت بدور فاعل وشديد الأهمية فى ضبط سعر العملة ومنع تعويم الجنيه بشكل رسمى هذا ما بدأ به فتحى ياسين رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى الأسبق، وأكد أن أخطر ما يهدد الاقتصاد المصرى فى الفترة الحالية تعويم الجنيه المصرى بشكل رسمى، وفى المقابل أوضح أن هناك الكثير من الإجراءات التى يجب اتباعها لتحسين وضع الجنيه منها وقف منع الدعم غير المبرر للصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة التى تدر أرباحًا طائلة لأصحابها، ويوصى أيضا بضرورة تنفيذ المشروعات القومية الكبرى المدروسة المدرجة فى أدراج الجهات التمويليلة الكبرى «البنوك وشركات التأمين» ويقترح تنفيذ هذه المشروعات خلال الشراكة بين عدد من البنوك لدرء تهمة الفساد والتصدى لسياسات الأيدى المرتعشة التى تكبل يد المسئولين وتعرقل عملية اتخاذ القرارات الجريئة التى يحتاج إليها الاقتصاد المصرى لدفع حركة التنمية، ويؤكد أن الفشل لا يكمن فى عدم نجاح بعض المشروعات، وإنما يكمن فىالتوقف عن تنفيذ المشروعات الكبرى التى تدعم الاقتصاد بشكل حقيقى، ومن الاجراءات الاخرى التى يوصى بها إعادة هيكلة نظام الضرائب وفرض ضرائب تصاعدية تتناسب مع الشرائح الاجتماعية المختلفة مع عدم المساس بمحدودى الدخل والفقراء . يؤكد الدكتور سعيد توفيق عبيد أستاذ الاستثمار والتمويل بتجارة عين شمس أن قيمة العملة تُستمد من قوة الاقتصاد، لكن عندما تكون الظروف الاقتصادية متردية بسبب انخفاض معدلات النمو، وارتفاع نسبة البطالة، وتدهور مصادر التمويل الأجنبى نتيجة انخفاض عائدات السياحة والصادرات، فإن تعويم العملة المحلية آخر مرحلة من مراحل التدهور الاقتصادى وأشار إلى أن تحرير سعر الجنيه فى ظل هذه المتغيرات السلبية يعنى أن الدولار ستصل قيمته إلى 10أو 12 جنيها وهو ما يعنى ارتفاع فاتورة الواردات. فالمستهلك هو من سيدفع ثمن هذا التعويم، خصوصًا أن التعويم سيعنىانخفاض قيمة الجنية، وهو إجراء تلجأ إليه الحكومات لزيادة صادرات منتجاتها وجذب السياح إليها لكن فىمصر ليس هناك زيادة فى الإنتاج بل على العكس تصاعد حاد فى الواردات، وبالتالى فان تخفيض قيمة العملة الناتج عن تعويمها لن تستفيد منه مصر لأنها دولة تستورد أكثر مما تصدر. يضاف إلى ذلك ارتفاع تكلفة السائح الذى يصل إلى مصر، نظرا لأن الفنادق والشركات السياحية مكبلة بمجموعة من القرارات والقوانين التى تفرض علىكاهل هؤلاء أعباء مالية كبيرة متمثله فى الرسوم الإدارية والضرائب وارتفاع تكلفة التمويل، مما يجعلهم يلجأون إلى تحميلها على عاتق السائح الوافد إلى مصر فى الوقت الذى نجد فيه دولاً مجاورة تنافس مصر وأسعارها أقل مثل تركيا وتونس والمغرب وقبرص هذه الدول تقدم تسهيلات أكبر تجذب السائح إليها. ويشترط أستاذ التمويل والاستثمار، إذا كانت الحكومة لديها الإصرار على تحرير سعر الجنيه أن يقتصر الاستيراد على المواد الخام الأساسية اللازمة للصناعة وقصره أيضا على استيراد المعدات الرأسمالية وأن تعمل الحكومة على الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الأساسية مثل القمح وقصب السكر والذرة واللحوم والدواجن والزيوت وتقديم مميزات للمصدرين الذين يضاعفون القيمة المضافة فى السلعة المصنعة المصدرة للخارج. بينما أوضح محمد حسن الأبيض رئيس شعبة الصرافة بالاتحاد العام للغرف التجارية أن سعر الصرف حر منذ بداية الألفية الثالثة وأن آليات السوق هى التى تتحكم فى سعر الصرف منذ ذلك التاريخ مشيرًا إلى أنه وفقًا للتصريحات الرسمية للمسئولين فلا مساس بسعر الصرف كنتيجة لمفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولى. وأضاف محمد مصطفى النجار رئيس شعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية، أن التعويم يعنى انفلات أسعار السلع المستوردة وكذا السلع المنتجة محليا التى يدخل فى تصنيعها سلع مستوردة وهو ما يؤدى إلى ارتفاع موجة التضخم التى ستضار منها الطبقات الاجتماعية محدودة الدخل والفقراء، مشيرا إلى أن القطاعات الصناعية التى تدخل نسبة من السلع المستوردة سوف ينخفض إنتاجها بسبب هذا التعويم، وتضطر إلى تخفيض أعداد العمالة والاستغناء عنها وهذا يزيد من معدلات البطالة.