منذ أن حكم اردوغان تركيا بدا جليًا للقاصى والدانى أن طبيعة هذا النظام أنه لا يستطيع أن يعيش بدون خلقه للمشكلات والصراعات، فإما داخلية بهدف ترتيب البيت الداخلى لحزبه لضمان استمرار حكمه وحلمه المريض، وإما خارجية من اجل صرف أنظار الأتراك بعيدا إلى الخارج من خلال إظهار الخليفة أردوغان بن عثمان بمظهر المدافع عنهم بأفعاله وتدخلاته السافرة فى شئون المنطقة وبخلقه لتوترات مع محيطه ومع أمريكا والغرب وانعكاس وتداعيات تلك السياسات سلبا على تركيا وعلى الأمن والسلم الدوليين. ومن أهم تلك الإشكاليات غير المبررة مؤخرًا هى إصرار أردوغان على التنقيب عن الغاز فى المياه الإقليمية الخاصة بقبرص واليونان متحديا المجتمع الدولي، واتخاذه هذا التصرف العدوانى كوسيلة لإسكات الرأى العام التركى بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة لتركيا بسبب سياساته وخطواته الفاشلة من جانب، وللتغطية على الخسارة الأخيرة من جانب آخر لحزب العدالة والتنمية فى الانتخابات البلدية بخسارته لاسطنبول، ويأتى هذا التنقيب بشرق المتوسط متزامنا مع توتر آخر فى العلاقات التركية مع أمريكا بسبب تصميم أردوغان على استكمال صفقة نظام الدفاع الجوى الروسى إس 400 وخروجه على بنود حلف الأطلنطى المنتمى له، مما ينذر بإمكانية تعرض تركيا لعقوبات أميركية غربية قد تعصف بالاقتصاد التركى المتدهور أساسًا بسبب سياسات أردوغان الهوجاء، وهذه الخطوات التركية المرعونة من شأنها أن تعرَّض تركيا والمنطقة لمواجهات عارضة بسبب انزعاج الدول الغربية وتهديدها بفرض عقوبات واتخاذ إجراءات رادعة ضد تركيا. ومن خلال سياسات وأفعال هذا الرئيس التركى فقد أصبح من النادر ألا يسجل هذا الرئيس موقفًا هزليًا وعارضًا، فمن يوم إلى يوم ومن شهر إلى سنة، ومن مؤتمر ومناسبة تراه موجودًا على كل الأصعدة والجبهات ذهابًا وإيابًا بحق وغير حق لا يكل ولا يمل فى خلق المواجهات غير المبررة فى كافة الاتجاهات مراهنًا وواهمًا بتوسيع نفوذه ودوره الإقليمى والدولي، فقدم فى الشرق وأخرى فى الغرب، وقدم فى قطر وأخرى فى إيران، وذراع مع أمريكا وأخرى مع روسيا ،ومرة مع الإخوان وأخرى مع إسرائيل والإرهابيين، ناهيك عن تدخلاته فى ليبيا بانخراطه مع الميليشيات الإرهابية بمساندة قطر من اجل النيل من الجيش الوطنى الليبى بقيادة الفريق حفتر، كما لا يخفى على أحد دوره المشبوه فى ادلب وشرق الفرات بسوريا، وأطماعه وتدخلاته فى العراق والمنطقة وتتبعه لحزب العمال الكردستانى فى العراق وسوريا، وأحقاده ضد مصر والإمارات والسعودية بهدف تهميش دور العرب بالمنطقة لإعلاء هامته، ولا يخفى على احد مطامعه فى السودان والدول الإفريقية المطلة على البحر الأحمر لزعزعة استقرار وأمن وسلامة دول تلك المنطقة، وخروجه المعيب على الدبلوماسية والبروتوكولات عبر المحافل الدولية، ومع كل تلك الفضائح والانتكاسات لا يزال اردوغان مصرا على التحليق عاليا فى عالم الايديولوجيا المزعوم الذى يتوهمه بممارسته تلك الأفعال المعيبة المتواصلة من خلال دغدغة مشاعر القومية باسم الإسلام، وباسم استعادة أمجاد أسلافه العثمانيين بالمنطقة بقوة الإرهاب والاخونة ليصبح سلطانًا، أو على الأقل ليصبح فى نظر الأتراك والموهومين أتاتورك الجديد وضمان التجديد لحكمه الرئاسى خلال العام 2023 لضمان حكمه الأبدى بعد نجاته من محاولة الانقلاب العسكرى عام 2016. ومع كل تلك السياسات والتصرفات الصبيانية المريضة وغير الواقعية لهذا الرجل يبقى مصير ومستقبل تركيا وشعبها مرهونًا ومعلقا باستمرار حكمه غير الموثوق به وبتداعياته، ولتعيش تركيا فى خلافات مع جيرانها ومتخبطة استراتيجيًا مع محيطها الإقليمى والدولي، وبما ينعكس سلبا على الاقتصاد التركى وعلى عزلة تركيا وتراجع دورها السياسى بالمنطقة والعالم، فهل يقبل الشعب التركى أن يعيش فى ظل هذا الحكم المريض والمهين إلى الأبد ؟..