كيف يأمن الإنسان علي بيته وأولاده، والرئيس يحيك لنا من خلف ستار، يصدر التعليمات بإعداد التقارير الكاذبة للقبض علينا، وتلفيق التهم، لسجننا بلا ذنب أو جريرة؟! - كيف يشعر الإنسان بالأمان، وهو يري الأيادي تمتد من كل اتجاه، حرب إعلامية شرسة، ذئاب مسعورة علي الانترنت بهدف الإساءة إلي تاريخي ونضالي، محاصرة اعلامية، مكتب الإرشاديجتمع ليبحث في كيفية إسقاطي في الانتخابات البرلمانية مع آخرين؟! كل ذلك ليس مستبعدًا علي جماعة الإخوان، لكن الصدمة هي في الرئيس، الذي أعرفه ويعرفني جيدًا منذ سنوات طوال، ويعرف حقائق الدور الذي قمت به لإزالة الأزمة بين جماعة الإخوان والمجلس العسكري، خاصة الاجتماع الذي رتبته له بعد موافقة المشير بحضوري وحضوره مع اللواء عبد الفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية في هذا الوقت ومع اللواء محمد العصار واللواء ممدوح شاهين عضو المجلس العسكري، وأظنه يتذكر المكالمة الهاتفية التي أجراها معي صباح أحد أيام الجمعة وهو يحدثني عن موضوعيتي ومصداقيتي وحرصي علي الحقيقة. يدرك الرئيس انني لست صاحب مصلحة، ولست خصمًا لمجرد الخصومة، ويعرف تمامًا انني لست من الباحثين عن مناصب وإلا كنت قد قبلت بما عرض عليّ خلال الفترة الانتقالية، ومع ذلك أصدر قراره دون أن يراجع نفسه وضميره، قرر أن يظلم وهو الذي كان يشكو الظلم، قرر أن يسجن وهو الذي كان يشكو ويلات السجون، قرر أن يطلق يد الأجهزة الأمنية، وهو الذي اشتكي منها كثيرًا.. منذ أن أعلن عن تنظيم مظاهرات 24 أغسطس الماضي زعم الإخوان المسلمون في بداية الأمر انني ومحمد أبوحامد وتوفيق عكاشة نحرض علي حرق مقرات جماعة الإخوان المسلمين، ولا أعرف سبب الزج باسمي، فأنا لم أكن من الداعين لمظاهرات 24 أغسطس وقد أعلنت ذلك في بيان نشر علي الانترنت وفي الصحف وقلت إنني لم أدع لهذه التظاهرات وإن كنت أقر بحق التظاهر السلمي، ولم يكن في نوايا الآخرين لاحرق مقرات ولا تخريب، بل تظاهر سلمي مشروع كما هو معلن.. مضت المظاهرات سلمية دون تخريب أو حرق، ودون صدام أو مشكلات، اللهم تلك المشكلات التي صنعتها الجماعة في الإسكندرية باستعانتها بعدد من البلطجية لمواجهة المظاهرات السلمية.. ولكن الصدفة وحدها كشفت الحقيقة المرة، ومن داخل القصر الرئاسي ذاته. لقد دعا الرئيس محمد مرسي يوم 23 أغسطس الماضي إلي اجتماع لعدد من القيادات الأمنية حضره رؤساء أجهزة الأمن الوطني والمخابرات العامة والمخابرات الحربية، كما حضره أيضًا رئيس الوزراء ووزير الداخلية، كان الاجتماع مخصصًا لبحث الأوضاع الأمنية في ضوء الدعوة لمظاهرات 24 أغسطس، استمع الرئيس إلي تقييم رؤساء الأجهزة، ثم طلب رسميًا منهم إعداد مذكرة تحريات سريعة وتقديمها إلي النائب العام يوم الخميس 23 أغسطس للقبض علي ثلاثة من المحرضين وهم: - مصطفي بكري عضو مجلس الشعب السابق ورئيس تحرير الأسبوع. - محمد أبوحامد عضو مجلس الشعب السابق ورئيس حزب الحياة 'تحت التأسيس'. - د.توفيق عكاشة: الإعلامي المعروف وصاحب قناة 'الفراعين'. كانت الاسماء معدة سلفًا، لقد قدم الرئيس كشفًا بالاسماء وطلب من أحد مستشاريه المعنيين متابعة الأمر مع مكتب النائب العام لإصدار أمر بالقبض علي الثلاثة وتفتيش منازلهم مساء يوم الخميس 23 أغسطس، علي ذلك أن ينهي التظاهرات قبل بدئها.. وبالفعل فإن الأجهزة الأمنية لم تأل جهدًا في التلفيق وإعداد مذكرة تحريات كاذبة طلبت فيها من النيابة العامة إصدار أمر فوري بالقبض علينا. كانت الاتهامات الموجهة إلينا والتي تضمنتها مذكرة التحريات تدور حول ثلاثة اتهامات رئيسة: - السعي إلي قلب نظام الحكم. - التحريض علي حرق مقرات جماعة الإخوان المسلمين. - الدعوة إلي التظاهر بهدف تكدير الأمن والسلم العام في البلاد. ثلاثة اتهامات كفيلة بمعاقبتنا بالاشغال الشاقة المؤبدة، لكن الضمائر الميتة لم تتردد في تكرار الأساليب القديمة ذاتها، التي كانت واحدًا من أسباب الثورة علي نظام الفساد والاستبداد. جري تقديم مذكرة التحريات إلي مكتب النائب العام، لم يكن المستشار عبد المجيد محمود موجودًا في مصر، لقد كان في ألمانيا لتلقي العلاج.. عندما وصلت المذكرة تم إجراء اتصال من قبل مساعديه لاستيضاح الموقف، إلا أن النائب العام رفض إصدار أمر بالقبض علينا مؤكدًا أنه لا توجد أية أدلة يقينية تؤكد هذه الاتهامات. وكان رفض النائب العام إصدار أمر بالقبض يستند إلي أن التظاهر حق مشروع وأن الأمر لا يخلو من تصفية حسابات لا يجب أن تكون النيابة العامة طرفًا فيها. وعندما أبلغت الجهات المعنية برفض النائب العام إصدار أمر بالقبض علي الثلاثة، راح أحد مستشاري الرئيس المعنيين بالأمر يجري اتصالات بالنيابة، مؤكدًا أن هذا مطلب الرئيس، وأنه لابد من إصدار القرار إلا أن موقف النائب العام كان صلبًا ورافضًا دون سند من دليل يؤكد هذه الاتهامات. وجاء يوم 24 أغسطس، ومضت المظاهرات سلمية دون أن يعكر صفوها شيء، وانتهي الأمر كما بدأ، وثبت للنائب العام وللرأي العام أن كل الاتهامات التي ساقها الإخوان والأمن كانت اتهامات كاذبة بلا سند وبلا دليل. لقد تعمدت أن أروي هذه الحقائق التي عرفت بها من مصدر رئاسي كبير أمام لقاء القوي والأحزاب السياسية التي التقت النائب العام لتعلن تضامنها معه، وكان السؤال الذي طرحه علي الحاضرين من قادة الأحزاب والشخصيات العامة: هل وصل الأمر بمصر إلي هذا الحد؟! وهل أصبحت الرئاسة وجماعة الإخوان تبحث عن تهم ملفقة لتزج من يختلفون معها إلي السجون. إنها واحدة من الألاعيب التي تجري هذه الأيام في مواجهة جميع المعارضين السياسيين، ومن الغريب أن تخرج علينا السفيرة الأمريكية صديقة العديد من قادة الإخوان لتقول إن نظام مرسي نظام ديمقراطي!! أية ديمقراطية تلك ورئيس يبدأ عهده بعدم احترام أحكام القضاء ويصر علي إعادة مجلس الشعب، ثم يمسك للمرة الأولي منذ عقود طويلة بالسلطة التشريعية جنبًا إلي جنب مع السلطة التنفيذية ليتحول الرئيس بين يوم وليلة إلي 'حاكم فرد' يشرع، ينفذ، يطيح بمن يشاء، ويصدر التعليمات بسجن من يريد، يصدر أمرًا بالافراج عن المتورطين في حرق المجمع العلمي والمتورطين في قضية التمويل الأجنبي واحداث العنف دون إدراك بأن هناك عناصر أجرمت في حق هذا الوطن، وأن ما يجري من شأنه أن يهدد أمن البلاد؟! إنه الرئيس الذي يترك جماعة الإخوان تعمل دون سند من قانون أو دستور، تطلق يدها لتعاقب المعارضين، وتفتح الباب أمام ميليشياتها لتهدد الآمنين وكأننا أصبحنا في غابة تجري فيها الأحداث تحت سمع وبصر الرئيس.. لقد هدد الرئيس مرسي خلال لقائه بحشد من كوادر الإخوان والاسلاميين في أسيوط بأن لديه تسجيلات كثيرة لمن وقف مع الثورة ومن وقف ضدها، وراح سيادته يلقي بالاتهامات جزافًا علي معارضيه، فهل يعني ذلك أن الرئيس قرر أن يدخل الحرب علي المكشوف مع الجميع؟! لقد وصل الأمر بالرئيس مرسي إلي أن يطلق تهديداته المباشرة ضد ملاك القنوات الفضائية، مهددًا بالتصدي لهم تحت زعم استخدامهم أموالهم في امتلاك تلك القنوات التي اتهمها بتشويه الحقائق.. يقول هذا عن القنوات الفضائية التي تنتقد سياسات الإخوان والرئيس.. ولكنه لا يتحدث عن صحيفة حزبه، ولا عن القناة الفضائية التي أطلقتها جماعته، والتي لا يعرف أحد حتي الآن مصادر تمويلهما، أو دخلهما، لأن الجماعة بكاملها لا تخضع للإطار القانوني في عمل الجمعيات وفق أحكام القانون.. كما أطلق تصريحات تشكل تدخلًا صارخًا في عمل القضاء لدي حديثه عمن أسماهم أعضاء 'الحزب المجرم السابق' وهو ما يعطي إشارات غير مقبولة حول تغول السلطة التنفيذية وتدخل رئيس الدولة في أعمال السلطات الأخري. لقد كشف الرئيس عن نواياه، وأظن أنه لن يتوقف، ولن يعدم الحيلة، غير أنه يجب أن يعرف أننا نفضل الموت علي الصمت، وأن أجهزته وميليشيات جماعته لن تستطيع إرهابنا، وأن سياسة التلفيق والتهديد بها لن تجدي معنا. لقد سجنت 5 مرات في زمن مبارك والسادات، كشفت رموز الفساد ومنعت الرئيس السابق من السفر بالبلاغ الذي تقدمت به، وكان يمكن أن أقتل في أي لحظة، لم أعقد صفقات مع أحد غيري هو الذي كان يعقد الصفقات مع الحزب الوطني ورموز النظام السابق، لذلك أقولها لك يا سيادة الرئيس، دمائي ليست غالية علي تراب هذا الوطن، واستعدادي للتضحية بلا حدود. أعرف انك امتلكت كل شيء، وأدرك أن الأجهزة أصبحت تأتمر بأوامرك وانها من الممكن أن تتفنن في الاتهامات وتلفيقها. أدرك أننا أصبحنا دولة يُخترق فيها القانون ويعتدي فيها علي الدستور، وهي دولة أسوأ بكثير من دولة 'مبارك' ونظامه، لكن ثق يا سيادة الرئيس أن لله أكبر من كل شيء، أكبر من الظلم وأقوي من الظالمين. وإذا ظننت أنك بهذه الأساليب وتلك الإجراءات قادر علي حماية النظام فأنا أقول لك، مبارك كان يظن ذلك، ولكن ثورة الشعب أطاحت بنظامه بأسرع مما كان يتصور. إن عليك أن تثق أن تصفية الحسابات مع المعارضين واتهامهم اتهامات باطلة لن يحقق الأمن لك، ولن يحقق للوطن استقرارًا، بل سيزيد من حالة الاحتقان وستدفع البلاد إلي انفجار كبير لن يبقي ولن يذر هذه المرة. راجع نفسك يا سيادة الرئيس وافصل بين كونك رئيسًا لمصر وكونك رئيسًا سابقًا لحزب الحرية والعدالة وعضوًا كبيرًا بجماعة الإخوان المسلمين. نحن لسنا ضدك بشكل شخصي، نحن نختلف مع سياساتك بشكل حضاري دون تطاول أو شتائم، ولكنك تبنيت الشعار نفسه الذي كان يردده جورج بوش 'من ليس معنا فهو ضدنا'.. أمامك فرصة تاريخية لتحقق المصالحة الوطنية في البلاد، وأن تعطي اشارات إيجابية للمستثمرين بما يدفع إلي إنقاذ اقتصاد البلاد من الانهيار. راجع يا سيادة الرئيس تجربة 'نيلسون مانديلا' الذي سجن ل 29 عامًا لكنه عندما عاد، جاء بروح التسامح وقال: 'تعالوا ننظر إلي المستقبل حتي إن لم ننس الماضي' ونجح في تحقيق النمو الاقتصادي فأصبحت بلاده واحدة من الدول العملاقة، ونجح في تحقيق مصالحة تاريخية أنهت الحروب التي نتج عنها أكثر من 50 ألف قتيل. مصر ليست في حاجة إلي مزيد من الأزمات والمشكلات، ليست في حاجة إلي هيمنة تيار واحد وإقصاء للآخرين، لا تنس أن هناك أكثر من 48٪ لم ينتخبوك، وثق أن جماعتك تخسر كثيرًا في الشارع بسبب هذه الممارسات والسياسات. أمامك فرصة تاريخية، لكنها تضيع من بين يديك لأن هناك من قرر أن يستمر في حكم البلاد إلي البلاد، وهذا هو المحال، نعم هذا هو المحال والأيام بيننا. بقي أن أسأل أخيرًا: ماذا لو كان النائب العام معينًا هو شخص غير المستشار عبد المجيد محمود وجاء بالتعيين كنائب ملاكي لا يهمه سوي تنفيذ الأوامر والتعليمات: الاجابة بالقطع كانت السجون ستفتح أبوابها واسعًا أمام كل المعارضين. وإذا كان الرئيس يهددنا بأن صبره قد نفد، وأن علينا أن نتقي شر الحليم إذا غضب، فاعلم أن لجوءك إلي استخدام الإجراءات الاستثنائية وتصفية الحسابات سوف يقود البلاد إلي مرحلة خطيرة لا أحد يعلم كيف تنتهي.. يا سيادة الرئيس انت تعلم أن كل معارضيك الحقيقيين كانوا مع الثورة وقادوا المظاهرات في الأزهر وميدان التحرير وغيرها من مناطق في مصر، بينما لم تشهدك في الميدان وبين المتظاهرين، فلا يجب عليك وأنت رئيس البلاد أن تهبط إلي هذا المستوي من الحوار وأن تهدد وتتوعد.