كنت غاضباً من تأخر استخراج تأشيرات بعض المتجهين لأداء شعيرة الحج هذا العام.. جلّهم من الأحبة والمعارف، استغاثوا بي ضد ما وصفوه بتعسف بعض موظفي القنصلية السعودية بالقاهرة، ونسبوا إليهم تفضيل أصحاب الشركات السياحية، ومنحهمالأولوية في استخراج التأشيرات علي غيرهم من المواطنين الذين تقدموا عبر جهات شتي لاستخراج تأشيرات الحج. وزاد هؤلاء علي ذلك أن عملية منح التأشيرة تستغرق وقتاً طويلاً، قبل أن يتم منحها لصاحبها 'بطلوع الروح'. عزمت أن أتوجه مباشرة إلي القنصلية السعودية الكائنة بجاردن سيتي.. وصلت قبل التاسعة من صباح الاثنين الماضي.. لم يكن الموظف المختص قد وصل بعد.. فأجريت اتصالاً بالسفير أحمد عبدالعزيز قطان سفير المملكة العربية السعودية بمصر، أشكو له ما بلغني علي لسان البعض.. ففاجأني السفير بطلبه مني أن أعود إلي مكتبي، علي أن يباشر هو عبر مكتبه تذليل أية عقبات تعترض مسار المتجهين لأداء فريضة الحج هذا العام، وأكد لي أن توجيهاته واضحة في حسن التعامل مع الجميع، ودون تفرقة في إطار ما تقتضيه اللوائح والقوانين المنظمة للحج هذا العام. لم أكد أغلق الهاتف، حتي فوجئت بالسيدة 'ليلي الرشيد' من مكتب السفير السعودي تهاتفني، وما هي إلا لحظات حتي كنت داخل القنصلية.. وبعد برهة من الوقت كان أحد العاملين بها يصطحبني إلي مكتب القنصل السعودي بمصر السيد 'عبدالعزيز عبدالله الرقابي' والذي بدد استقباله الأخوي أية رواسب لما سمعته من شكاوي.. وراح القنصل يشرح لي حجم الجهد الفائق الذي يبذله كافة العاملين بالقنصلية من أجل إنجاز '85' ألف تأشيرة للحج، ناهيك عن آلاف التأشيرات الأخري للعمالة الموسمية والأخري المتعاملة مع المملكة، والمستثمرين، والقطاع الخاص، والزائرين، وكذلك السعوديون بمتطلباتهم المختلفة. وإمعاناً في تأكيد ما ذهب إليه اصطحبني القنصل السعودي في جولة موسعة علي أقسام العمل داخل القنصلية، حيث سرعان ما اكتشفت حجم العبء والمسئولية التي يتحملها فريق العمل.. الآلاف من جوازات السفر تتراص فوق عشرات المكاتب، والتي يقبع خلفها شباب مصريون وسعوديون يعملون بدأب منذ التاسعة صباحاً وحتي العاشرة مساء لإنجاز التأشيرات.. مراحل مختلفة، ودقيقة لتسجيل وإدخال البيانات، وتوثيق التأشيرات.. أقسام مختلفة، ما بين خدمة المتجهين للحج، والوافدين للعمالة، والمستثمرين كل شيء أعد بإحكام وتنظيم. جولة مكثفة أطلعني خلالها القنصل النشط علي تنظيم العمل، كان مثار إعجابي الشديد، خاصة أنه يتمتع بقدرة هائلة علي التنظيم والعمل المتواصل، وقدرة أكبر علي خلق علاقة انسانية ناجحة بينه وبين كافة العاملين بالقنصلية، بل وبرهن علي حسه الإنساني حين راح يفتح المزيد من نوافذ الخدمة لسرعة إنجاز مصالح المواطنين. وكان مما خرجت به من جولتي أمران أساسان.. أولهما أن لشركات السياحة الستمائة المتعاملة مع القنصلية نظام خاصا بها، ينفي عن القنصلية محاباة أصحابها علي حساب الآخرين.. والأمر الثاني هو ما حذر منه القنصل من عمليات نصب يقوم بها بعض السماسرة ضد المواطنين المتجهين للحصول علي التأشيرات.. لقد أكد أن التأشيرات يتم إنجازها وفقاً لنظام محدد، ويسري علي الجميع، وأن بعض السماسرة يحصلون علي أموال من بعض الناس تحت زعم سرعة انجاز التأشيرات، وهو أمر غير صحيح، مطالباً جموع المتعاملين مع القنصلية ألا يقعوا فريسة لعمليات النصب تلك. كانت جولة مفيدة داخل القنصلية، وكانت دقة تنظيم العمل بداخلها مثار إعجابي الشديد، وأدركت أن السفير أحمد عبدالعزيز قطان كان محقاً حين سعي منذ نحو العام للاستعانة بالقنصل 'عبدالعزيز عبدالله الرقابي' والذي أعاده للعمل في مصر، للاستفادة من كفاءته بعد اثني عشر عاماً قضاها في العمل القنصلي بمصر منذ بداية التسعينيات.. فأمثال 'قطان' و'الرقابي' هما من العناصر الجديرة بخلق آليات عمل سلسة، وإزالة أية شوائب قد تعكر صفو الأداء والعلاقات الأخوية بين مصر والسعودية.