ثورة يوليو كانت نقطة تحول في مسار التاريخ الحديث وهي الحدث الأهم في التاريخ المصري اتفقنا أو اختلفنا معها فقد القت بظلالها على كل مناحي الحياة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. وكان الفن و الأدب انعكاسا لها مفسرا لارهاصاتها ومرسخا لها. وكانت المهمة التنويرية هي الشغل الشاغل واحد اهداف الثورة التي امن بها عبد الناصر وفي صدارة الاولويات وكان الاتجاه لاعادة صياغة الهوية الثقافية المجتمع وبناء الانسان واعادة تشكيل وجدانه الجمعي وإخراج الثقافة من دائرة النخبة إلى دائرة العامة واصبح الهدف الاول للزعيم جمال عبد الناصر ارساء دعائم البنية التحتية للمؤسسات الثقافية وكانت البداية بانشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة بمختلف انحاء الجمهورية الوليدة احد اهم الانجازات الثقافية لتعويض محافظات همشت وطال حرمانها من ثمرات الإبداع الذي احتكرته القاهرة لتغير التركيبة الثقافية بحيث تشمل جميع اطياف المجتمع فوصلت الثقافة بمفهومها الواسع الى قلب الشارع المصرى والعربي. وكان انتباه الدولة لأهمية صناعة السينما حاضرا لاعادة صياغة المجتمع فتدخلت لدعمها وخصصت لها لأول مرة بند في الميزانية العامة للدولة فانطلقت المؤسسة العامة للسينما كاحد اهم الروافد الناعمة والداعمة لمصر لتكون انعكاسا يتماشي مع استراتجية الدولة داخليا وخارجيا. فانتج خلال الحقبة الناصرية عدد من الأفلام جعلت العامة علي مقربة من مؤسساتها واكثر ارتباطا بها عما ذا قبل منها سلسلة افلام للفنان إسماعيل يس تحمل اسمه إسماعيل يس في الجيش في البوليس الحربي في الأسطول في الطيران والتي استعرضت في إطار فكاهي مجتمعي جوانب من حياة الجيش والعسكرية المصرية لتغيير الصورة النمطية والمفاهيم المغلوطة تجاه الجندية والحياة العسكرية فيما قبل الثورة والتي كانت تدفع بعض المصريين للتهرب من الخدمة العسكرية بدفع مقابل مادي وغرست قيما جديدة عن شرف الجندية والخدمة العسكرية وولاء وارتباط صمد امام كل محاولات النيل من المكانة التي غرسها عبدالناصر في نفوس المصريين تجاه مؤسساته العسكرية الوطنية. وكانت صناعة السينما رافد اخر حيث روج للاصلاحات الاجتماعية لثورة يوليو علي حياة المواطنين خاصة تحديد الملكية الزراعية والاصلاح الزراعي كما كانت داعمة للمشروعات العملاقة التي دشنها الزعيم عبد الناصر مثل السد العالي بالاضافة الي الافلام التاريخية التي اكدت اتجاه مصر العروبي القومي من خلال عدد من الافلام ابرزها الناصر صلاح الدين وجميلة بوحريد. وكانت للأغنية الوطنية الوجه الاخر للفن دورا كبيرا في دعم الاتجاه العروبي الذي تبناه ناصر وترسيخ مفهوم الدولة ودعم مشروعاتها بالترويج لها من خلال العمالقة علي راسهم سيدة الغناء العربي ام كلثوم وعبد الحليم حافظ الذي لقب بمطرب الثورة وعشرات الأغنيات الثورية والأوبريتات والوطنية. وكان لا بد من استكمال المنظمومة الثقافية بانشاءأكاديمية الفنون التي ضمت المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والاوبرا والموسيقى والفنون الشعبية. وكان احد أبرز إنجازات الثورة انشاء التليفزيون المصرى ابو الشاشات العربية اول منبر تنويري دخل البيت العربي من المحيط للخليج بقرار من الرئيس عبدالناصر ويصبح اسمه التليفزيون العربي ليسير معه بالتوزاي انشاء مسرح التلفزيون الذي ساهم في خلق مناخ مسرحي غير مسبوق في مصر. فكما كان عصر ناصر هو العصر الذهبي للسينما والاعلام كان العصر الذهبي للمسرح أيضا حيث شهد المسرح المصري نهضة حقيقية تأسست العديد من الفرق المسرحية ونجحت الثورة في تفريخ كوكبة من كتاب المسرح المصري تركوا بصماتهم الواضحة في تاريخ فن المسرح في مصر أمثال عبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس وصلاح عبد الصبور ونعمان عاشور وألفريد فرج. الثراء الابداعي التنويري احد افرازات ثورة يوليو التي حفظتها ووضعت الاجيال علي مقربة من تاريخها وجعل لها قاعدة جماهيرية بركيزة الوصل لفلسفتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هو ما ضمن لها الخلود في الوجدان قبل صفحات التاريخ وظلت الصورة الذهنية للمصريين علي مدار اكثر من نصف قرن تتذكرها بكل العرفان.