رسميا.. اعتماد فلسطين عضو مراقب بمنظمة العمل الدولية    وكيل "تموين قنا" يتابع انتظام عمل المخابز البلدية في أول أيام عيد الأضحى    تراجع أسعار الذهب محليا في أول أيام عيد الأضحى    أهالى بنى سويف يلتقطون الصور السيلفى مع المحافظ بالممشى السياحي أول أيام عيد الأضحى المبارك    إسرائيل بالجرم المشهود.. قصف غزة في العيد وسقوط شهداء    أنشيلوتي: رأيت تحسنا أمام الإكوادور رغم ضيق الوقت.. ونملك ثقة كبيرة قبل مواجهة باراجواي    الهلال الأحمر يشارك في تأمين احتفالات عيد الأضحى بالتواجد في المساجد والحدائق العامة وبوابات السفر    حجاج الجمعيات الأهلية يواصلون أداء المناسك.. ويرمون جمرة العقبة الكبرى.. والبعثة توفر كافة الخدمات في مشعر منى    "بيصبح علينا العيد".. أغنية جديدة لوزارة الداخلية في عيد الأضحى    وفاه الملحن الشاب محمد كرارة وحالة من الحزن بين زملائه ومحبيه    محمود المليجي.. الوجه الآخر للشر وصوت الإنسان في دراما القسوة    محافظ الدقهلية في زيارة خاصة لأيتام المنصورة: جئنا لنشارككم فرحة العيد    نائب وزير الصحة يستكمل جولته الميدانية في محافظة القاهرة بتفقد منشآت الرعاية الأساسية    «لو مبتكلش اللحمة»..طريقة عمل فتة مصرية بالفراخ    حبس المتهم بقتل شاب يوم وقفة عيد الأضحى بقرية قرنفيل في القليوبية    فى أول أيام عيد الأضحى.. إقبال متوسط على شواطئ الإسكندرية    برواتب مجزية وتأمينات.. العمل تعلن 3209 وظيفة جديدة للشباب    محافظ دمياط يحتفل بمبادرة العيد أحلى بمركز شباب شط الملح    أسعار الخضار أول أيام عيد الأضحى في مطروح    بعد رحيله مساء أمس، 5 معلومات عن الملحن محمد كرارة    نانسي نور تغني لزوجها تامر عاشور في برنامج "معكم منى الشاذلي"|فيديو    تركي آل الشيخ يطرح البرومو الدعائي لفيلم "The seven Dogs"    محافظ القليوبية يتفقد حدائق القناطر الخيرية    استشهاد مصور صحفي متأثرا بإصابته في قصف للاحتلال الإسرائيلي خيمة للصحفيين بغزة    لا تكدر صفو العيد بالمرض.. نصائح للتعامل مع اللحوم النيئة    ماذا يحث عند تناول الأطفال لحم الضأن؟    «وداعًا للحموضة بعد الفتة».. 6 مكونات في الصلصة تضمن هضمًا مريحًا    الآلاف يؤدون صلاة العيد داخل 207 ساحات في المنيا    أحمد العوضى يحتفل بعيد الأضحى مع أهل منطقته في عين شمس ويذبح الأضحية    شباب قنا يوزعون بليلة بالكوارع والقرقوش في عيد الأضحى (صور)    الآلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى وسط أجواء احتفالية بالحسين    محافظ شمال سيناء يؤدي صلاه العيد وسط جموع المواطنين في مسجد الشلاق بالشيخ زويد (صور)    روسيا: إسقاط 174 مُسيرة أوكرانية فيما يتبادل الجانبان القصف الثقيل    الرمادي: الحديث عن استمراري في الزمالك سابق لأوانه    مقترح ويتكوف| حماس تبدي مرونة.. وإسرائيل تواصل التصعيد    محافظ سوهاج يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد "الشرطة" بمدينة ناصر    وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد لبنان: لا استقرار دون أمن لإسرائيل    80 ألف فلسطيني يؤدون صلاة العيد في المسجد الأقصى    الونش: الزمالك قادر على تحقيق بطولات بأي عناصر موجودة في الملعب    إقبال ملحوظ على مجازر القاهرة في أول أيام عيد الأضحى المبارك    سرايا القدس تعلن تفجير آلية عسكرية إسرائيلية بعبوة شديدة الانفجار في خان يونس    محافظ القليوبية يقدم التهنئة للمسنين ويقدم لهم الهدايا والورود - صور    خطيب عيد الأضحى من مسجد مصر الكبير: حب الوطن من أعظم مقاصد الإيمان    أجواء من المحبة والتراحم تسود قنا بعد صلاة عيد الأضحى المبارك وتبادل واسع للتهاني بين الأهالي    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير.. صور    تعرف على سعر الدولار فى البنوك المصرية اليوم الجمعه 6-6-2025    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة العيد بشرم الشيخ ويوزع عيديات على الأطفال    فرحة العيد تملأ مسجد عمرو بن العاص.. تكبيرات وبهجة فى قلب القاهرة التاريخية    مدح وإنشاد ديني بساحة الشيخ أحمد مرتضى بالأقصر احتفالا بعيد الأضحى    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    الرئيس السيسي يشهد صلاة عيد الأضحى من مسجد مصر بالعاصمة الإدارية| صور    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    اليوم.. وزارة الأوقاف تفتتح 8 مساجد جديدة بالمحافظات    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    بالفيديو.. استقبال خاص من لاعبي الأهلي للصفقات الجديدة    «3 لاعبين استكملوا مباراة بيراميدز رغم الإصابة».. طبيب الزمالك يكشف    حارس الزمالك: المباراة كانت صعبة ولكننا كنا نثق في أنفسنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أحمد الخميسي: ثورة يوليو.. وحملات إحراق التاريخ الوطني
نشر في البديل يوم 23 - 07 - 2012

تحل ذكري ثورة 23 يوليو هذا العام في ظل أجواء سياسية وثقافية متردية، دفعت ببعض القوى السياسية إلي حد المطالبة بإلغاء الاحتفال بعيد الثورة . وسواء أجاءت تلك الدعوة عن قصد ووعي يستهدف هدم كل ما له علاقه بمواجهة الاستعمار ، أو جاءت عن قناعات حقيقية خاطئة ، فإنها تستحق وقفة . والهجوم الشرس الذي تتعرض له ثورة يوليو ، وقائدها عبد الناصر ، يذكر فقط بهجوم آخر سابق شرس شنته قوى سياسية في حينه على ثورة الزعيم البطل أحمد عرابي ، حين سعت بكل الطرق لتلطيخ تلك الثورة ووصفها بالهبة ، وتسويد صفحة أحمد عرابي بكل الوسائل .
وفي الحالتين فإن المقصود هو هدم وتقويض كل مراحل المواجهة بين الوطنية المصرية والاستعمار القديم والحديث ، وتصوير تلك المواجهات على أنها مغامرات غير محسوبة العواقب ، لكي لا يرجع إليها الشعب المصري ويستلهم منها المزيد من المواجهات مع القوى التي تعطل تطوره الحقيقي واستقلاله وسيادته على أرضه وتحكمه في اقتصاده بعيدا عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتبعية الاقتصادية والسياسية التي صارت تحدد لمصر حتى اجراء مثل فرض " الضريبة العقارية " .
وأحد الجوانب التي تعتمد عليها كل القوى السياسية المشبوهة في هجومها على ثورة يوليو هو الجانب الثقافي من الثورة ، وعلاقة ثورة يوليو بالثقافة والمثقفين سلبا وإيجابا . ويتناسى حملة مشاعل إحراق التاريخ الوطني أن ثورة يوليو أقامت وزارة الثقافة وكانت الوزارة في حينه ثامن وزارة ثقافة في تاريخ العالم ، وأنها أقامت كل البنية التحتية التي تلزم للعمل الثقافي بدءا من قصور الثقافة ، وهيئة المسرح ، وهيئة الكتاب وكان اسمها دار الكاتب العربي ، وأكاديمية الفنون ، ومؤسسة السينما ، وغير ذلك . وهي المؤسسات التي مازلنا نتحرك بها حتى الآن .
ويتجاهل حملة مشاعل إحراق التاريخ الوطني أن مصر شهدت في سنوات عبد الناصر أكبر طفرة ثقافية على مستوى المسرح والأدب والشعر والفنون والسينما والموسيقى وغيرها ، وعندما ظهرت حركة 25 يناير لم تجد سلاحا تستعين به سوى أغنيات من ذلك الزمن . وعام 1970 ، كان تعداد الشعب المصري لا يتجاوز الثلاثين مليون نسمة ، وكان لدينا نحو خمس عشرة مجلة ثقافية متخصصة ، والآن وقد تجاوز تعداد مصر الثمانين مليون ليس لدينا سوى ثلاث مجلات تصدر بشكل غير منتظم .
وحين يدور الحديث عن علاقة الثورة بالثقافة فإن مفهوم الثقافة المقصود عادة يقتصر على الكتب والسينما والشعر وغير ذلك ، والمثقفون وفقا لهذا المفهوم هم أولئك المشتغلون في دوائر الإبداع. ومن هذا المنظور يجرى طرح علاقة الثورة بالثقافة. إلا أن هناك قصورا شديدا في ذلك الفهم ، لأن الثقافة كما عرفها طه حسين تبدأ من التعليم ، والتعليم عنده هو " مستقر الثقافة " حسب تعبيره . ولهذا فإن انجازات الثورة الثقافية تحسب بقدر نشرها للتعليم الذي كان مجانيا واستفادت منه الشرائح الضخمة الفقيرة من الشعب . بهذا المعيار فقد قدمت الثورة الكثير والكثير للثقافة . وبمجانية التعليم وبتعميمه " تثقف " مئات الآلاف من أبناء الشعب المصري .
وجه القصور الآخر والأخطر هو تجاهل مفهوم " الثقافة المادية " . فنحن نخطيء كثيرا حين نتصور أن الثقافة هي فقط ما يتعلق بالجانب المعنوي ، الروحي ، الذهني ، أي الإبداع بكل مجالاته . ذلك أن المنجزات المادية على أرض الواقع هي أيضا ثقافة .
وعندما تبزغ الثورة في مجتمع زراعي ، وتقيم المصانع والمعامل والسدود ، فإنها تنشر في واقع الأمر " ثقافة جديدة " ، لأن كل تلك الانجازات المادية تستدعي معها ثقافة أخرى في الوعي والوجدان والفكر . وشتان ما بين عقلية ونفسية فلاح ينتظر المطر ليروي أرضه ، وفلاح آخر يتحكم في المياه بالسدود ، إذ تكون ثقافة الفلاح الأول هي الايمان بالقدر فحسب ، بينما تتبلور لدي الفلاح الثاني ثقافة الإيمان بقدرة الإنسان .
وعندما تقوم ثورة يوليو ببناء السد العالي وتقيم من كهربائه المصانع ، فإنها تنشر بتلك المصانع ثقافة أخرى في مواجهة ثقافة المجتمعات الزراعية ، وعندما تصبح الطاقة الكهربائية متاحة ويعم معها استخدام الأدوات المختلفة كالثلاجة والتلفزيون وغيرها، فإن ثقافة أخرى تكنولوجية وعلمية تنتشر وتروج وتخلق إنساناً آخر بعقلية أخرى .
لقد ثقفت الثورة الشعب المصري بالسد العالي، والمصانع، والكهرباء، والتعليم، وغيرت مفاهيمه القديمة وبدلتها فيما يتعلق بأدق القضايا وأكثرها عمومية. ولقد استدعت تلك الانجازات المادية ثقافة تحرير المرأة واحترامها كجزء ضروري لتطور المجتمع
ولم يكن ذلك كله موجودا. أخيرا ألم يكن إلغاء الألقاب ثقافة ؟ ألم يكن وقف مخاطبة الآخرين ب "معالي الباشا" و "سعادة البك" ثقافة ترسخ مفهوم المساواة بين البشر؟. ألم يكن دعم حركات التحرر تثقيفا للشعب يرسّخ في ضميره أن هموم البشر وقضايا الحرية كلٌّ لا يتجزأ ؟. هذا إذا جعلنا من مفهومنا للثقافة مفهوما أكبر من مفهوم " ثقافة النخبة والصفوة المبدعة " .
وحتى بمعيار ثقافة النخبة، سنظل نذكر لسنوات الثورة، أنها لم تضيّق على أحد في مجال الأدب، فقد نشرت في حينه رواية نجيب محفوظ "أولاد حارتنا"، ومسرحية "بنك القلق" لتوفيق الحكيم، و"شيء من الخوف" لثروت أباظة التي تحولت إلى فيلم، والكثير مما بدا في حينه خصماً للثورة. لقد ضيّقت الثورة على الحريات السياسية تضييقا شديدا، واعتقلت الكثيرين من المثقفين الذين حركهم الهم السياسي، لكنها لم تضيّق على حرية المبدعين تحديداً في مجال الأدب والفكر، كما أنها طورت الثقافة المصرية إلى أبعد مدى إذا نظرنا للثقافة بمفهومها الاجتماعي العام وليس بمفهوم ثقافة النخبة .
لقد كانت جريمة الثورة التي لا يغفرها لها البعض أنها تصدت للاستعمار البريطاني والأمريكي في حينه ، وقامت بتفتيت الملكية الاقطاعية ، وأقامت جيشا وطنيا ولم يكن لمصر جيش ، وبنت السد العالي رغم الحصار الأمريكي للمشروع ، وأنشأت الصناعات الوطنية التي تقلص مبيعات الغرب في بلادنا ، ونشرت التعليم ، ودعمت كل حركات التحرر الوطني وخاصة الشعب الفلسطيني .
ولا يستطيع الاستعمار أن يغفر جريمة الانتفاض ضده ، لأنها جريمة قادرة على التجدد وقادرة على إلهام الشعب بالتصدي مرة أخرى .
ولإحراق التاريخ الوطني ، يدور الحديث بإلحاح عن " حكم العسكر " على العموم ، دون تمييز بين فترات ثورية في ذلك الحكم يمثلها عبد الناصر ، وفترات أخرى من التدهور والتردي . والمقصود بإطلاق شعار " حكم العسكر" على عمومه هو دمج كل ماهو مشرق وثوري بكل ما هو مظلم ومتخلف ، لا لشيء إلا لوضع كل المراحل على قدم المساواة ، لهدم ما هو مضيء منها . لكن تاريخ الوطنية المصرية سيظل عصيا على الإحراق وعلى معاول الهدم .
Comment *


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.