المونديال .. حلم المصريين وحديث الساعة طوال الشهور الماضية، انتهى مبكرا !! لن أناقش خطط المنتخب المصرى وتشكيله، وتحركات اللاعبين داخل المستطيل الأخضر، والفرص الضائعة ...الخ فلست متخصصة كروية، ولا أفهم كثيرا فى تكنيك الخطط الدفاعية والهجومية، وأعتقد أن التحليل الرياضى قد أصبح متاحا على ألسنة 100 مليون مصرى، واستديوهات التحليل عبر الفضائيات قد قتلت المباريات بحثا وتحليلا ونقاشا. أنا مواطنة مصرية حلمت بالفوز ولو بمباراة واحدة عالمية، فتاة مصرية تمنت الفرحة وسط كل دواعى الكآبة المحيطة بحياتنا. تابعت مثل جميع المصريين المباريات والأمل يراودنى، ولسانى لا يكف عن الدعاء من أجل فوز المنتخب المصرى، لكن للأسف كللت أحلامى بخيبة الأمل، أرجوكم لا يحدثنى أحدكم عن الروح الرياضية، وأن الرياضة مكسب وخسارة، فأنا أعلم ذلك جيدا لكنه هذا لا يمنع حزنى على هزيمة الفريق المصرى. كما أشرت مسبقا لن أتناول الجانب الرياضى وإنما اهتمامى -انطلاقا من دراستى وتخصصى- يتركز على متابعة السلوكيات المجتمعية وكيفية تناول الاعلام للحدث، فمنذ تأهل المنتخب المصرى للمشاركة في كأس العالم تحول الجمهور المصرى العاشق لكرة القدم كلعبة شعبية تحتل المركز الأول فى قائمة اهتماماته إلى حالة من الهوس الكروى بالمنتخب ولاعبيه، الأحاديث لا تتوقف فى كل مكان عن المونديال، والرغبة فى تحقيق إنجاز كروى غير مسبوق عربيا أصبحت حلما مصريا محلقا فى الفضاء، وساعدت وسائل التواصل الاجتماعى (السوشيال ميديا) على تأجيج مشاعر الجماهير المتعطشة لتحقيق انتصار، بالطبع لم يخلو الأمر من التهويل من شأن لاعب والتقليل من جهد باقى اللاعبين كعادة المصريين فى رفع شأن من يحبونه إلى عنان السماء، لا أختلف بصدد مهاراته فى الملعب وأخلاقياته وتواضعه وتأثيره وسط الفريق ...الخ فقط أرفض نظرية صنع (الاله)، كرة القدم لعبة جماعية، سيمفونية يعزفها فريق متناغم متوافق يقوم كل عضو فيه بدوره المنوط به من أجل تحقيق الهدف، لعبة يصنع الفريق بأكمله نجاحها أو فشلها. جميعنا تابعنا ما حدث منذ إصابة محمد صلاح وحتى اعلان مشاركته فى مباريات المونديال، والمبالغات اللامنطقية فيما يخص قدرة المنتخب المصرى على اللعب بدونه!! و قد أتفهم عاطفة الجمهور التى تحكم سلوكياته، وعدم ادراكه أن هذا الحب وهو داعم ايجابى قوى للاعب يزيد من حماسه ورغبته فى بذل مزيد من الجهد لإسعاد جمهوره، قد يكون ذاته عاملا ضاغطا يؤثر سلبيا علي اللاعب بسبب قلقه وخوفه من الاخفاق وإصابة الجمهور بخيبة أمل. إنها معادلة صعبة، كيف يمكن الموازنة بين تشجيع لاعب وابراز تقدير الجماهير له، وتجنب اصابته بالرهبة من رد فعل هؤلاء اذا لم يحقق ما يحلمون به!! وهنا يأتى دور الاعلام الحقيقى. ذكرت أننى قد أتفهم عواطف المشجعين التى تؤثر فى أقوالهم وأفعالهم وتوقعاتهم لكن كيف أبرر ذلك الاندفاع الأعمى لوسائل الاعلام ؟! كيف أقبل تجاهل الاعلام لتحقيق التوازن المطلوب بين دعم وتشجيع اللاعب وبين عدم الضغط على أعصابه باعتباره الوحيد - فى رأى الجمهور- القادر على تحقيق انجاز ما؟! إن الموضوعية هى أساس الاعلام المحترم، فالانجراف وراء مشاعر الجماهير وحبها للاعب بعينه لا يليق بوسيلة اعلام يفترض بها الحيادية والتوازن والدقة ...الخ لقد تحول الاعلام إلى آلة عملاقة تمارس ضغوطا هائلة على أعضاء الفريق المصرى، وتجاهل تماما أن له دورا هاما ومؤثرا فى توعية الجمهور بأن اللاعب ليس ساحرا ولن يحقق النتيجة المرجوة بمفرده وانه لا ينبغى تحميله وحده مسئولية الفوز أو الخسارة، وأن الرياضة لعبة تحسم نتائجها عوامل متعددة. إلى متى يظل الاعلام المصرى اعلاما فرديا تحركه أهواء العاملين به ورغبات القائمين عليه لاكتساب مزيد من المتابعين ولو كان على حساب الأسس والمبادئ المهنية؟! لقد انقاد الاعلام لآراء المشجعين فى مباراة أورجواى معللا الخسارة بعدم تواجد محمد صلاح !! فماذا عن مباراة روسيا؟! ماذا عن الهدف المصرى الأول فى المونديال فى شباك مرمى المنتخب المصرى !!!! خطأ فردى، دفعة من لاعب الفريق المنافس تجاوز عنها حكم المباراة، سوء حظ للمصريين وحسن حظ للفريق الروسى، كلها مبررات لا تنفى أن الهدف الاول لمصر كان ضد مصر، وأنه هدف لروسيا من صنع لاعب مصرى !! وماذا يقول الاعلام المصرى عن الهدفين الآخرين والفرص المصرية الضائعة فى نفس المباراة؟! لا توجد هنا (شماعة) عدم تواجد صلاح لنعلق عليها أسباب خسارة منتخب مصر!! البعض علل ما حدث بسبب عدم تركيز اللاعبين، فما السبب الذى جعلهم فاقدى التركيز فى بطولة عالمية حلموا وحلمنا معهم بالوصول إليها والمشاركة بها!! لا أعلم مدى صرامة الجهاز الإدارى والفنى للمنتخب الوطني المصرى، والضوابط التى يمنع من خلالها تأثر نفسية اللاعبين بما يتم تداوله عبر وسائل الاعلام المختلفة، لكنى أعلم أن هناك أنظمة حاسمة وقواعد محددة يتم اتباعها فى معسكرات الفرق الرياضية المشاركة بالبطولات للحفاظ على صحة ولياقة اللاعبين وحالاتهم النفسية والجسمانية والذهنية ومستوى تركيزهم ...الخ ولكن المؤكد أنه قد تم اختراق معسكر المنتخب المصرى فى روسيا، وللأسف لم يتم اختراقه من عناصر منافسة تسعى لإفساد استعدادات الفريق وإنما حدث ذلك من قبل وفد مصرى يضم بعض العاملين بالوسط الفنى وعلى رأسهم ممثلة ومذيعة وراقصة مخضرمات فى الظهور وسط كل الأحداث المصرية !! بالطبع لا أعترض على سفرهن لتشجيع المنتخب، فمن حق كل مصرى أن يذهب لحضور المباريات إذا توافرت لديه الامكانيات اللازمة لذلك. وأكرر ان لهم حق السفر وحضور المباريات والتشجيع والاحتفال اذا تحقق الفوز، لكن هذا لا يشمل حق زيارة أعضاء المنتخب أو كما أطلقت عليه وسائل الإعلام (اقتحام معسكر المنتخب المصرى) قبل موعد المباراة بيوم واحد؟! من سمح بهذه المهزلة، وبأى حق يتم تشتيت انتباه اللاعبين فى احتفال لا معنى له سوى الرغبة فى الظهور والبقاء تحت الأضواء برفقة لاعبى مصر!! وكعادة المصريين وسلاح السخرية اللاذعة الذى يشهرونه ضد الظروف المريرة – أسلوب عبر عنه ببراعة سيد حجاب حينما قال أقسى همومنا يفجر السخرية - وجد الجمهور ضالته فى وفد الفنانين معللا الهزيمة بالنحس الذى جلبه الوفد المسافر على نفقة دافعى الضرائب – لا يمكننى الجزم بذلك فليس لدى معلومة مؤكدة ولا أملك إجابة شافية عن السؤال الحائر الذى يدور فى أذهان كل المصريين البسطاء، هل سافر الوفد على نفقته الخاصة أم على نفقة الدولة وبأموال الشعب المصرى؟! - وللأسف حاول بعض الفنانين الرد على هذا فأعلن أحدهم أن الدعوة لم تشمل سوى تذاكر الطيران والإقامة فقط!! ف (زاد الطين بلة) واستفز الجمهور أكثر وأكثر، وأصبحت جملة (جه يكحلها .. عماها) هى أفضل وصف للحالة. إن التصريحات المسربة من كواليس ما بعد المباراة على لسان صلاح – إن ثبتت صحتها – تستلزم تحقيقا عاجلا لمعرفة المتسبب فى هذه الأجواء الفوضوية بمعسكر المنتخب المصرى، ومحاسبة كل من أهمل أو أخطأ أو جامل ضاربا عرض الحائط بالأعراف الرياضية الخاصة بمعسكرات الأبطال. والسؤال إلى متى سيظل الاعلام متفرجا على تلك الممارسات المزرية؟! أعتقد أنه سيظل صامتا طالما أنه نفس الاعلام الذى يسمح للراقصات أن يقدمن أنفسهن كاعلاميات !! فالاعلام الذى يقبل أن يكون مهنة لمن لا مهنة له ولمن انحسرت عنهم الأضواء ولكل من يعتمد على أساليب مبتذلة لجذب المزيد من الجمهور هو اعلام لا يستطيع المواجهة. ومن هنا يتضح سبب تجاهل الاعلام لآراء الجماهير الغاضبة من سفر وفد الفنانين وزيارته غير المرغوب فيها لمعسكر اللاعبين رغم انسياقه وراء مشاعر الجمهور فى مواقف أخرى، فهو اعلام غير قادر على مخالفة توجهات مالكيه ومصالحهم لأنه قائم وموجه لتحقيق أهدافهم حتى وإن تناقضت مع ميثاق العمل الاعلامى ومعاييره المهنية والأخلاقية. لقد هزمت مصر فى روسيا ليس فقط لاهتزاز شباك مرمانا بهدف مصرى، وانما لجهل فنانى مصر، وتساهل إدارة المنتخب فيما يخص قواعد المعسكر الرياضى، ولتخلى الاعلام عن دوره الحقيقى، لقد هزمنا بنيران صديقة !!