قرأت تقريراً أصدره مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء عن نسب الطلاق في مصر، يؤكد أنها الأعلى عالميا، ووفقا لتقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فإن معدلات الطلاق فى ازدياد مستمر !! كما ذكرت احصاءات الأممالمتحدة أن نسبة الطلاق فى مصر قد قفزت من 7٪ إلى 40٪ خلال الخمسين سنة الأخيرة، وتعدى عدد المطلقات 4 مليون، ولقد اهتمت العديد الدراسات البحثية بتلك الظاهرة فى محاولة للتعرف على الأسباب التى تؤدى الى الطلاق - لكنها مثل كل الظواهر الاجتماعية لا يمكن حصر كل أسبابها - وقد كشفت النتائج عن أسباب اجتماعية واقتصادية متنوعة وأهمها عدم الانجاب، عدم التوافق عاطفيا أو جسديا ، سوء العشرة بالاهمال والتعدى اللفظى أو الفعلى والغضب والعناد، الفتور العاطفى، الغلاء والفقر وعدم القدرة على الانفاق، البخل، عدم التكافؤ ثقافيا واجتماعيا وماديا، انعدام الشعور بالمسئولية تجاه الاسرة، الادمان، افشاء اسرار الحياة الزوجية، تدخل الاهل، الجهل بمتطلبات وواجبات الزواج، الخيانة وخاصة بعد تطور التكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي والالعاب الإلكترونية، الادمان .. وغيرها وبالرغم من أن الطلاق هو أبغض الحلال وينبغى أن يكون آخر الحلول التى يلجأ إليها الزوجين لكنه بات سهلا لدى الأجيال الحالية حيث أشارت الإحصائيات إلى أن نسبة الطلاق ترتفع لدى الأزواج الأصغر سنا، ولا شك إنها ظاهرة خطيرة تهدد التماسك الإجتماعى وتؤثر على بنيان المجتمع، لكن التأثير الأكثر خطورة هو تأثيرها على الاطفال والذين يصل عددهم إلى 9 مليون طفل حسب آخر الاحصائيات، خاصة فى ظل غياب ثقافة الإختلاف بشكل عام وبعد الطلاق على وجه الخصوص، وتختلف الآراء فى هذا الصدد فالبعض يرى أن الطلاق أفضل للأبناء من الحياة وسط الخلافات الأسرية وما قد تتضمنه من إهانات واعتداءات ..الخ، فى حين يرى البعض الأخر أن تربية الأبناء فى بيت واحد مع والديهم أفضل كثيرا حتى وإن اختلفا !! ولكل من الفريقين مبررات منطقية. إن إلقاء نظرة على محاكم الأسرة قد تعطى مؤشراً واضحاً ومؤلما لمدى تضرر الأبناء من طلاق الأبوين، فغالباً يتم استغلالهم كورقة ضغط من كلا الطرفين، فالأب قد يرفض الإنفاق عليهم نكاية فى الأم مما يضطرها لإقامة دعاوى النفقة، وأحيانا تكون مثل هذه القضايا وسيلة انتقامية موجهة ضد الأب رغم تكفله بمصاريف أبنائه وديا، وفى الحالتين لا ضحية سوى الأبناء!! أما الطامة الكبرى فهى سعى الطرف الحاضن لمنع الطرف الآخر من رؤيتهم، وأحكام الرؤية تشهد بالمهازل التى تحدث بسبب قانون لا يسمح للطرف غير الحاضن برؤية أبنائه إلا لمدة 3 ساعات أسبوعيا فى أماكن غير مؤهلة للقاءات أسرية كأقسام البوليس ومراكز الشباب، ودون أى إجراء حازم ضد من يتخلف عن موعد الرؤية سواء كان المطلق أو المطلقة، والنتيجة هى عذاب الأبناء. ولا يمكن تعميم إلقاء اللوم على أحد الطرفين، فكل حالة لها ظروفها وملابساتها، فليس كل الرجال قساة وليست كل امرأة مظلومة، ولكن أولى باللوم أن يوجه للقائمين على التشريع والمعنيين بالقوانين، فكم من نداءات وجهت إليهم لتعديل ثغرات ونواقص قوانين الأحوال الشخصية، كم تعالت صرخات الأمهات بسبب بطء إجراءات التقاضى والثغرات القانونية التى يستغلها المطلق لسلب مطلقته حقوقها وعدم الوفاء بحقوق أبنائه، وكم من أب ملتاع استنجد بهم للتخلص من كيد النساء اللاتى يساندهن قانون ملئ بالعيوب، ومن الملاحظ أن كل طرف يدعى أن القانون يناصر الطرف الآخر!! فالمطلق يرى أن القانون يجعل من الأب مصدرا للتمويل المادى فقط بالنسبة لأبنائه، ويمنح المطلقة الحاضنة حق الاستيلاء على بيت الزوجية كمسكن حضانة، ويلزم الأب بالانفاق دون منحه أى حقوق لرؤية أبنائه واستضافتهم ومتابعة أحوالهم. والمطلقة ترى أن القانون ينحاز للرجل كنتيجة متوقعة فى المجتمع الذكورى، ويسمح له بالتهرب من أداء التزاماته. وفى النهاية فإن الضرر الأكبر يقع على الأبناء – ضحايا الطلاق -اجتماعيا ونفسيا ..الخ لذا فالأمر يستلزم مواجهة مجتمعية لمجابهة تلك الظاهرة والحد من انتشارها، مع التوعية بواجبات وحقوق كل طرف فى حالة الانفصال. ومن المهم جدا مخاطبة الجهات التشريعية بالبرلمان لإجراء التعديلات اللازمة للقوانين الحالية أو سن قانون جديد، وقبل ذلك الإهتمام بإدارة حوار مجتمعى للإستماع والإستفادة من وجهات النظر والتجارب والمقترحات المختلفة، من أجل قانون ينظم علاقة ما بعد الطلاق مراعيا أولا واخيراً مصلحة الأبناء، ويضع نصب عينيه حقوقهم المشروعة من الرعاية والإنفاق فلا تهاون ولا تفريط بها، وربما كان من المهم أن يتضمن جزاء رادعا للطرف الحاضن سواء كان الأم أو الأب فى حالة تعنته او تعمده منع الطرف الآخر من رؤية الأبناء، على ان يكون الجزاء حازما لكن بعيداً عن الحبس - الذى يؤثر سلبيا على الأبناء - فلتكن غرامة مالية مثلا!! فالرعاية المشتركة حق للأبناء قبل أن تكون للوالدين، ولابد للقانون أن يحقق التوافق بين جميع الأطراف للقضاء على معاناة الأسر المصرية. نحن بحاجة إلى قانون يمنع قطار الطلاق من دهس الأبناء !!