عاش من الزمن مايكفى .. وصل عمره الى 104 سنه .. ورغم علمه وثقافته ومشواره الطويل بالحياة إلا أنه وجد وجوده بلا أى جدوى .. اكتشف أنه غير قادر على التواصل مع من حوله .. لا يفهم الأجيال الأصغر ولا أحد يفهمه .. فالاختلاف فى كل شئ .. الكلمات والمنطق والقناعات .. أما جيله والجيل الذى يليه فقد ذهبوا جميعا .. ذهبوا وتركوه وحيدا .. تركوه يتأمل سنوات مضت وذكريات ولت ولن تعود ..!! كان رغم شيخوخته قويا فى قراره .. قوى الإرادة والعقل .. وبالفعل اختار القرار الأصعب والأوحد .. فكر وقرر بقناعة شديده وحسابات معقده ولكنها منطقيه بالنسبة له .. قال لنفسه وماذا بعد .. ماذا بعد السنوات المائه واكثر .. ماجديده الذى يعيش له أو من أجله .. هل سيعود الشباب والطاقه والحيوية .. وحتى إذا عاد بفعل عوامل طبيه أو مساعدات علاجيه .. هل سيعود معه زمنه الذى كان .. هل ستعود دنيته التى عرفها .. هل سيعود طموحه وأحلامه .. هل لديه الرغبه فى إعادة قطار حياته من جديد .. كلها اسئله بالطبع مستحيله ولكنه اجاب عنها بكلمة لا .. لا للعوده لبداية مشوار الحياه .. ولا للاستمرار عاجزا عن خدمة نفسه وجالسا على كرسي متحرك طول الوقت .. والف لا لحياه لا متعه فيها سوى انتظار موت محتوم لايعلم متى ولا كيف سيأتى .. ومن هنا كان القرار والتنفيذ .. اختار الرجل حلما راوده كثيرا .. اختار الموت الرحيم .. قرر السفر الى سويسرا التى تسمح قوانينها بذلك .. سافر عاتبا وغاضبا من بلاده استراليا التى تمنع الموت الرحيم .. قرر الرجل واختار الرحيل فى هدوء واطمئنان .. فهو لايريد عذابا بالمستشفيات ولا وجعا بغرف العمليات .. اختار إنهاء حياته على انغام بيتهوفن .. وحدد بنفسه السيمفونيه التى يرغب سماعها وهو يودع الدنيا .. قرر واختار ونفذ .. اختار الموت الرحيم .. !!
أنه العالم الاسترالى ديفيد غودال الذى رحل بإرادته منذ أيام .. رحل مبتسما راضيا بما أنجز فى حياته .. واثقا من اقدامه على حياه افضل .. شاكرا الدنيا التى عاشها بحلوها ومرها .. رحل بعد أن حدد بارادته كافة التفاصيل .. واختار مراسم وشكليات كيف يموت وأين يدفن وماذا يكتب عنه .. رحل وهو يطالب العالم بإتاحة الفرصه لكبار السن ورافضى الحياة فى اختيار متى وكيف يرحلون !!
نعم انها فكره مجنونه وهو عالم أجن ولكنه اختار .. فالفكرة بلغة كل الاديان مؤكد مرفوضة تماما .. ولكن بلغته هو وبحساباته العقلية ربما تكون مقبولة .. وربما يحتاجها آلاف إن لم يكن ملايين البشر .. فما أصعب الحياه قعيدا عاجزا .. وما اقسي الدنيا على بعض البشر الذين يغدر بهم الاقربون من أهل وأبناء ..!!
رحم الله ديفيد غودال فهو خالقه والأعلم به .. فشخصه ليس مجال نقاشنا ولكننا نقرأ فكرته وقناعته وجنونه .. رحل غودال تاركا السؤال .. هل مافعله اختيارا ام انتحارا .. والسؤال الاهم هل اكرم نفسه من أهانة المرض والزمن بما فعل وبما اقدم عليه .. أم أن أجمل مافى الموت أنه كالميلاد لا يأتى أبدا بإرادتنا