248.9 مليار جنيه قيمة التداول بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    الحكومة الألمانية: السياسة الحالية لإسرائيل خاطئة تماما ولا تخدم مصالحها الأمنية    مسيرات إسرائيلية تستهدف قوات رديفة لوزارة الدفاع السورية في ريف السويداء الغربي    ألمانيا ترسل طائرتين إلى الأردن لإرسال مساعدات إلى غزة    عاجل- السيسي: مصر تساند كل خطوة تدعم الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني    رد ناري من سيد عبدالحفيظ بشأن انتقال نجله ل الزمالك    مستقبل نبيل عماد دونجا مع الزمالك يُحسم الأسبوع المقبل بقرار من فيريرا    «لا تستسلم».. إمام عاشور يثير الجدل برسالة غامضة    غدا أولى جلسات محاكمة أحد الإرهابيين بتنظيم ولاية سيناء بمجمع محاكم وادي النطرون    مصرع عامل إثر سقوطه من الدور الرابع بالقليوبية    إقبال جماهيري على معرض الإسكندرية للكتاب في ثاني أيامه    خبير ل ستوديو إكسترا : مصر مركز المقاومة الحقيقي وهناك محاولة متعمدة لإضعاف الدور المصري    وزير الصحة: 578 مليون دولار تكلفة علاج جرحى غزة بمصر.. ووفرنا 12 مبنى سكنيا لأسر المصابين    يبدأ العمل بها 1 أكتوبر .. تعرف علي أسباب إنشاء المحاكم العمالية بالمحافظات واختصاصاتها    إصابة 3 أشخاص بطلقات نارية فى مشاجرة بمدينة إدفو بأسوان    رئيس حزب الجبهة الوطنية يكشف عن آلية اختيار مرشحيهم بانتخابات المجالس النيابية    هل ال5 سنوات ضمن مدة العمل؟.. تعرف على موقف نواب "الشيوخ" العاملين بالحكومة    عمرو دياب vs تامر حسني.. من يفوز في سباق «التريند»؟    «السياحة والآثار»: المتحف القومي للحضارة شهد زيادة في الإيرادات بنسبة 28%    خالد الجندي : الذكاء الاصطناعي لا يصلح لإصدار الفتاوى ويفتقر لتقييم المواقف    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    ترامب: سنعمل مع إسرائيل بشأن مراكز توزيع المساعدات في غزة    وزير الصحة يستقبل رئيس اتحاد الصناعات الدوائية بإيطاليا.. تفاصيل    لمرضى التهاب المفاصل.. 4 أطعمة يجب الابتعاد عنها    عاصم الجزار: تجربة مصر التنموية الأنجح منذ آلاف السنين.. والرقعة العمرانية ارتفعت ل13.7% خلال 10 سنوات    سعر ومواصفات 5 طرازات من شيرى منهم طراز كهرباء يطرح لأول مرة فى مصر    رئيس جامعة برج العرب في زيارة رسمية لوكالة الفضاء المصرية    نصائح للاستفادة من عطلات نهاية الأسبوع في أغسطس    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    تأجيل محاكمة المتهم بإنهاء حياة شاب بمقابر الزرزمون بالشرقية    من أجل قيد الصفقة الجديدة.. الزمالك يستقر على إعارة محترفه (خاص)    ضخ المياه بعد انتهاء إصلاح كسر خط رئيسى فى المنصورة    بدء انتخابات التجديد النصفى على عضوية مجلس نقابة المهن الموسيقية    "3 فرق يشاركون في دوري الأبطال".. خالد الغندور يزف خبرا سارا    حتى لا تسقط حكومته.. كيف استغل نتنياهو عطلة الكنيست لتمرير قرارات غزة؟    38 قتيلا حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات العارمة فى الصين    تكريم دينا الشربيني في أمريكا كأيقونة عربية ناجحة    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات    برلمانية تطالب بإصدار قرار وزاري يُلزم بلم شمل الأشقاء في مدرسة واحدة    20% من صادرات العالم.. مصر تتصدر المركز الأول عالميًا في تصدير بودرة الخبز المُحضَّرة في 2024    الحرارة الشديدة مستمرة.. 3 ظواهر جوية تضرب مصر غدًا    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    وزير العمل: مدرسة السويدي للتكنولوجيا تمثل تجربة فريدة وناجحة    وزارة الأوقاف تعقد (684) ندوة علمية بعنوان: "خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي"    خاص.. الزمالك يفتح الباب أمام رحيل حارسه لنادي بيراميدز    "ياعم حرام عليك".. تعليق ناري من شوبير على زيارة صلاح للمعبد البوذي    الأمراض المتوطنة.. مذكرة تفاهم بين معهد تيودور بلهارس وجامعة ووهان الصينية    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    جولة مفاجئة لمحافظ الدقهلية للوقوف على أعمال تطوير شارع الجلاء بالمنصورة    مقتل وإصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    مجمع إعلام القليوبية يطلق أولى فعاليات الحملة الإعلامية «صوتك فارق»    «بيفكروا كتير بعد نصف الليل».. 5 أبراج بتحب السهر ليلًا    أُسدل الستار.. حُكم نهائي في نزاع قضائي طويل بين الأهلي وعبدالله السعيد    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 في شمال سيناء    الكهرباء: الانتهاء من الأعمال بمحطة جزيرة الذهب مساء اليوم    السيطرة على حريق بمولد كهرباء بقرية الثمانين في الوادي الجديد وتوفير البديل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجيش والإخوان .. هل يحدث الصدام؟
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 02 - 07 - 2012

كانت الساعة قد جاوزت الرابعة بعد قليل، انتظم الكافة في أماكنهم، كان عدد المشاركين في الحفل محدودًا، أغلبهم كانوا من القادة العسكريين وأعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة، إضافة إلي عدد من كبار قادة جهاز الشرطة، وبعض وزراء الحكومة، ورؤساء تحرير عدد من الصحف وممثلين عن وزارة الإعلام. وكان المكان هو منطقة 'الهايكستب'، حيث جرت اقامة الحفل، الذي شاركت فيه أيضًا قوات رمزية من الجيش المصري. منذ قليل أعلن عن وصول رئيس الجمهورية الجديد د.محمد مرسي، وبرفقته القائد العام للقوات المسلحة ورئيس المجلس الأعلي المشير حسين طنطاوي ونائبه الفريق سامي عنان إضافة إلي رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري.
وجاءت اللحظة التاريخية الهامة، حيث ينصب أول رئيس جمهورية 'مدني' جري انتخابه انتخابًا حرًا مباشرًا، كتب له الفوز فيها علي منافسه الفريق أحمد شفيق بفارق محدود من الأصوات. كان الخبر مذهلاً، بل وصادمًا للبعض، فالرئيس ينتمي إلي جماعة الإخوان المسلمين، التي ظلت محظورة لعقود طويلة من الزمن، دخلت فيها في صراع سياسي مع أنظمة مختلفة ومتعددة وتحديدًا منذ أربعينيات القرن القادم، لكنها الديمقراطية التي أقسم أعضاء المجلس الأعلي علي الانحياز لها مهما كان الثمن.
منذ أن أعلن خبر الفوز يوم الأحد الماضي، اتجهت السهام صوب المجلس الأعلي، هناك من تحدث عن صفقة، وهناك من قال انها الضغوط، وهناك من رأي أن ما جري كان ضرورة لتجاوز أزمة وتهديدات كان يمكن لها أن تدفع البلاد إلي حرب أهلية.
انقلب الملايين علي مواقفهم، وجهوا اتهاماتهم للمجلس الأعلي، حتي هؤلاء الذين خرجوا قبل إعلان النتيجة الانتخابية بساعات محدودة واحتشدوا بمئات الألوف في منطقة مدينة نصر، كل هؤلاء أصيبوا بصدمة عاتية، وراح الكثير منهم يعلنون أنهم 'خدعوا'!!
كانت الأنباء كلها تشير إلي فوز الفريق أحمد شفيق، المعلومات تتسرب، بل إن الرجل نفسه تم إبلاغه بهذا الخبر قبيل إعلان النتيجة بساعات، وارسلت إلي منزله مجموعة من رجال الحرس بدءوا في رسم 'كروكي' للفيلا التي يعيش فيها بمنطقة الجولف بالتجمع الخامس، وتردد أن حشودًا من قوات الحرس الجمهوري انطلقت إلي منزله قبيل إعلان النتائج بقليل.
جاءت النتيجة الانتخابية عكس توقعات البعض بمن فيهم قيادات كبري كانت تظن انه إذا لم يفز أحمد شفيق، فقطعًا ستعاد الانتخابات مرة أخري استنادًا إلي مجموعة الأخطاء والتجاوزات التي تم رصدها والتي تمثلت في وقائع ما جري من تسويد للبطاقات الانتخابية بالمطابع الأميرية، وواقعة أقلام الحبر السري الذي يتطاير ويمحو الكتابة بعد نحو ساعتين، ومنع المسيحيين من التصويت عنوة في بعض قري الصعيد، وأخيرًا ما اسمي بالورقة الدوارة والطفل الدوار.
٭٭٭
كان الناس في هذا الوقت يبحثون عن تفسير للأمر، لقد تأخرت اللجنة العليا للانتخابات في إعلان النتيجة لثلاثة أيام سابقة، بعد أن سبق أن أعلن ان الموعد المحدد هو يوم الخميس، كان الموعد الذي جري تحديده هو الثالثة من بعد ظهر يوم الأحد.
كتم الناس أنفاسهم في الموعد المحدد، جاءت المقدمة طويلة، هناك من فسر الأمرلصالح د.محمد مرسي في البداية، وهناك من رأي أن المقدمة سوف تفضي حتمًا إلي فوز الفريق أحمد شفيق في نهاية الأمر.
لقد احتشدت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة منذ وقت مبكر في هذا اليوم، لتنقل إلي المشاهدين مباشرة وقائع أخطر مؤتمر صحفي في تاريخ مصر المعاصر في هذا الوقت.
تقدم فاروق سلطان رئيس اللجنة العليا للانتخابات ليدلي بالتقرير، وتوسط اللجنة العليا، تلعثم بعض الشيء خلال قراءته للنتيجة الانتخابية قال بصوت متهدج 'المصريون أبهروا العالم' بانتخابات حرة وديمقراطية، توقفت الانفاس عندما قال 'كان أملي وأمل جميع أعضاء لجنة الانتخابات أن يكون اليوم يوم احتفال بحصاد ما غرسه شعب مصر العظيم الذي اثبت في مواضع الاختبار انه كفء لكل تحد، وأبهر دومًا القاصي والداني بكل ما تخطه يداه وتشيده سواعده'.
نظر المستشار فاروق سلطان إلي كاميرات الفضائيات وقال 'كنت أتمني أن يتم إعلان النتائج اليوم في أجواء احتفالية لا يعكر صفوها شيء، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه'.
كانت الكلمات تدوي في أرجاء المعمورة، كانت القلوب تهفو كل إلي ما يريد، ارتفع سقف التوقعات، ومع استعراض رئيس اللجنة لنتائج الطعون، كان الناس يقولون نرجوك وتوسل إليك 'هات من الآخر'.
كان المشير طنطاوي في هذا الوقت، قد جلس ومعه رئيس الأركان الفريق سامي عنان وأعضاء المجلس الأعلي يتابعون نبأ إعلان النتيجة من تليفزيون داخل قاعة الاجتماعات، وفجأة أعلنت النتيجة بفوز د.محمد مرسي بنسبة تصل إلي 73،51%.
تباينت ردود الفعل، كان الخبر مذهلاً لقد استأذن المشير لبضع لحظات، وعندما عاد كان القادة قد أبلغوه بالنتيجة النهائية.
عمت الأفراح قطاعات عديدة من المصريين، بينما أصيب آخرون بحالة من الصدمة والذهول، انهم لم يصدقوا وقائع ما جري، فبدأ الحديث يتصاعد عن صفقة تمت في الخفاء، راحت بعض الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية والغربية والإسرائيلية تتحدث عن ضغوط اللحظة الأخيرة، وعن اتصالات هيلاري كلينتون والرئيس الأمريكي أوباما، قالوا إن الحشود الأمنية وصرف الموظفين من أعمالهم قبيل اعلان النتيجة بساعات وإجراءات البنوك والمنشآت كلها كانت مقدمات تؤكد فوز أحمد شفيق فماذ حدث؟!
روايات عديدة ومتعددة، اللواء محمود حجازي عضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة يقسم خلال لقاء تليفزيوني مع المذيع اللامع عماد الدين أديب أن أعضاء المجلس الأعلي لم يعلموا بالخبر سوي أثناء إعلانه في التليفزيون.
كثيرون من أعضاء المجلس بمن فيهم المشير نفسه ورئيس الأركان يؤكدون ويقسمون أنهم علموا بالنتيجة شأنهم شأن الآخرين، وأنهم كانوا قد قرروا في وقت سابق، أنهم لن يتدخلوا في الانتخابات وقد ألزموا أنفسهم الحياد فيها، بالضبط كما حدث خلال الانتخابات البرلمانية السابقة التي حقق فيها الإسلاميون نتائج تفوق ال70%.
ترددت أنباء عن صفقات عديدة، من بينها أن المجلس الأعلي حصل علي وعود من جماعة الإخوان بالموافقة علي الإعلان الدستوري المكمل والاستئثار بالوزارات السيادية والخروج الآمن من السلطة، إلا أن الرئيس المنتخب د.محمد مرسي كذب بعد قليل هذه الأنباء جملة وتفصيلا.
إذن ماذا حدث؟ هذا هو السؤال
كان الكثيرون مستعدين لتصديق أي شيء، إلا أن يصدقوا أن نتائج الانتخابات عكست الفرز الحقيقي للصناديق، لقد سبق للدكتور محمد مرسي أن أعلن عن فوزه في الرابعة من فجر الاثنين 18 يونيو، أي بعد بدء الفرز بساعات قليلة، ساعتها قال الناس إن في الأمر سر اعظيما..
احتشد الآلاف في ميدان التحرير، وبدا الأمر وكأن سيناريو أوكرانيا يكرر نفسه من جديد، وضع الناس أياديهم علي قلوبهم، وراح البعض منهم يردد شائعات تقول إن جماعة الإخوان ومعها أطراف من حماس وحزب الله قد استعدت للمواجهة، وأن هناك أسلحة عديدة دخلت إلي ميدان التحرير.
ساعات قليلة وعقدت الحملة الانتخابية للدكتور مرسي مؤتمراً صحفياً عالمياً أعلنت فيه فوز مرشحها علي منافسه بنسبة تقترب من تلك التي أعلنها المستشار فاروق سلطان، قام ضياء رشوان مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام بالتشكيك في هذه النتيجة، وقال إن كثيراً من المحاضر ليست موقعة أو مختومة، اضطر حزب الحرية والعدالة إلي سحب المحاضر من موقعه الالكتروني وفضل الانتظار لحين إعلان النتيجة النهائية.
أما المرشح أحمد شفيق، فقد عقد هو الآخر مؤتمراً صحفياً عالمياً بعد ذلك بفترة من الوقت بدا فيه واثقا من الفوز، وراح يطلق الكلمات بكل قوة، ويتهم مرشحه المنافس بالتزوير.
في يوم إعلان النتيجة كان الفريق شفيق قد تلقي مكالمة هاتفية من مسئول كبير يهنئه فيها بتوقعات الفوز، أرقام عديدة متطابقة وصلت إليه تقول إنه حقق الفوز بنسبة تصل إلي 50.7%، السي إن إن كانت قد أذاعت النتيجة قبل هذا الوقت بقليل نقلا عن موقع الأهرام الالكتروني باللغة الانجليزية.
طلب أحمد شفيق من رجال حملته، ترك منزله، ومتابعة النتيجة من إحدي قاعات فندق 'جي دبليو ماريوت القريب من منزله، اصطحب بناته الثلاث وذهب إلي زيارة قبر زوجته، ذرفوا الدموع، وقرءوا الفاتحة، وتمنوا أن لو كانت معهم في هذه اللحظة، عادوا إلي المنزل ليتابعوا النتيجة بعيداً عن الضوضاء.
كان أحمد شفيق قد أعد العدة لعقد مؤتمر صحفي عالمي، بل إنه استقبل بعض الأشخاص ليتشاور معهم في الأمر قبل هذا الوقت بساعات.
في مساء ذات اليوم كان د.محمد مرسي هو المنوط به عقد المؤتمر الصحفي، بعد أن أعلن عن فوزه في الانتخابات الرئاسية، كانت كلماته محددة قال 'إن مصر في حاجة إلي توحيد الصفوف وجمع الكلمة حتي يجني هذا الشعب العظيم الصابر ثمار تضحياته في العيش الكريم والعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة والانسانية.
وجه رسائل إلي الجيش والشرطة والقضاء، قال إن مصر للمصريين جميعاً، كلنا متساوون في الحقوق، وكلنا علينا واجبات لهذا الوطن، ولم ينس توجيه رسالة للخارج تعهد فيها بالحفاظ علي المعاهدات والمواثيق الدولية، وكان يقصد بالقطع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
وفي صباح الثلاثاء 19 يونيو، كان رئيس الجمهورية المنتخب يلتقي رئيس أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة بمقر وزارة الدفاع مؤكداً تقدريره لدور القوات المسلحة التي حمت الثورة وحافظت علي مصر خلال الفترة الانتقالية، وكانت بالفعل تقف علي مسافة واحدة من الجميع، لقد نفي الطرفان أن يكونا قد تعرضا للتشكيل الوزاري أو الوزارات السيادية، فتلك أمور هي من شأن رئيس السلطة التنفيذية في البلاد، وإن كانوا قد تطرقوا للعديد من الملفات الأخري الساخنة ومستقبل العلاقة بين الجيش ومؤسسة الرئاسة.
كانت التصريحات تنطلق متحدثة باسم الرئيس من عدد من كوادر الإخوان المسلمين وكان بعض هذه التصريحات يثير قلق فئات عديدة من المصريين، إلا أن الرئيس أدرك خطورة ذلك فصدر تصريح من مؤسسة الرئاسة يؤكد أن تصريحات الرئيس وتحديد المواقف يصدر فقط من مؤسسة الرئاسة.
كان أحمد شفيق قد حسم الأمر قبل ذلك بقليل، عندما أعلن أنه يقبل بنتائج الانتخابات الرئاسية وأنه واثق في عدم تصفية الحسابات، لقد هدأ هذا التصريح من أجواء الاحتقان والتوتر السائد في البلاد، كان البيان مسجلاً، وبعد إذاعته كان شفيق قد حزم حقائبه واتجه إلي 'أبوظبي' مصطحبا بناته الثلاث ومنها لأداء العمرة بالممكلة العربية السعودية.
في هذا الوقت كانت المطالب التي تحيط بالرئيس ليست بالقليلة، إنها استحقاقات مطلوبة وضرورية، لقد بدأ برنامجه باستقبال أسر الشهداء، وبدأ يبحث عن حل في كيفية الوفاء بالقسم أمام البرلمان الذي صدر حكم بحله، وكذلك الأمر بالنسبة لميدان التحرير حيث يصر المحتشدون هناك علي أن يبدأ الرئيس عهده بالقسم في الميدان.
كان الرئيس قد أكد في وقت سابق احترامه لحكم المحكمة الدستورية إلا أنه لا يوافق عليه، لقد أراد أن يرضي الجماعة والنواب، ولذلك جري صراع كبير داخل مؤسسة الحزب والجماعة حول أداء القسم.
لقد حدد الإعلان الدستوري المكمل المحكمة الدستورية العليا كجهة شرعية يؤدي أمامها الرئيس المنتخب القسم بعد أن سبق لها أن أصدرت حكماً بحل مجلس الشعب.
لم يكن أمام الرئيس من خيار آخر، وإلا فلن يستطيع أن يؤدي مهامه الرئاسية بشكل رسمي وشرعي.
لقد أعلنت مؤسسة الرئاسة أنها سوف تصدر بياناً تحدد فيه مكان أداء القسم صباح يوم الخميس الماضي إلا أن الموعد قد تأخر لحين التشاور مع مرشد الجماعة وعدد من كبار قادة السلفيين وفقهاء القانون، وبالفعل عقد اجتماع بالقصر الجمهوري مساء الخميس الماضي بحضور المرشد والآخرين وأقروا جميعا بضرورة أن يؤدي الرئيس اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا صباح السبت المقبل، وهو اليوم الأخير من الموعد الذي حدده المجلس الأعلي للقوات المسلحة لتسليم السلطة إلي الرئيس المنتخب.
كان طبيعيا والحال كذلك، أن يبحث الرئيس عن مخرج، وبالفعل فقد قرر أن يلقي خطابا في السادسة من مساء اليوم التالي الجمعة بميدان التحرير وأن يؤدي القسم أمام الحشود التي ستزحف إلي الميدان، ثم يذهب في اليوم التالي لأداء القسم أمام المحكمة الدستورية ومنها يحضر إلي جامعة القاهرة بحضور حشد كبير من الشخصيات العامة وفي مقدمتهم نواب مجلسي الشعب والشوري ليؤدي القسم أيضا ويتعهد بعودة المؤسسات المنتخبة!!.
وفي ميدان التحرير أطلق الرئيس تعهدات قطعها علي نفسه، وقال لمئات الألوف الذين احتشدوا إنه لن يفرط في الصلاحيات وأنه سيفرج عن المدنيين المحاكمين عسكرياً وأن قضية الشيخ عمر عبدالرحمن ستبقي حاضرة، لكن المراقبين توقفوا أمام حديث الرئيس عن شهداء الحرية منذ العشرينيات وحتي الستينيات وما أدراك ما الستينيات علي حد وصفه، كان الكلام يشير بوضوح إلي من سقطوا من الإخوان في مجال الصراع مع القوي الحاكمة في العقود التي مضت وهنا قال المحللون إن الرئيس اختصر تاريخ النضال الوطني وقصره علي جماعة الإخوان المسلمين التي تم إنشاؤها في عام 1928.
لقد كان خطاب الرئيس في هذا المساء 'شعبوياً' بدا فيه أقرب إلي عامة الناس، إلا أن البعض قال إنه خطاب عاطفي بينما كانوا ينتظرون منه رؤية منهجية أكثر وضوحاً لقضايا الواقع ومشكلاته.
وأمام المحكمة الدستورية العليا كان الرئيس يأمل في تسجيل القسم وعدم اذاعته إلا بعد أن يؤدي القسم أمام النواب والجمهور الذي انتظره بجامعة القاهرة، إلا أن ثلاثة من قضاة المحكمة الدستورية العليا هددوا بالانسحاب مالم تجري اذاعة القسم علي الهواء مباشرة، وقد استجاب الرئيس لمطلبهم، بالضبط كما استجاب قبل ذلك لمطلبهم بالحضور إلي مقر المحكمة الدستورية العليا بعد أن رفضوا الانتقال إلي قاعة المؤتمرات لأداء القسم أمامهم بحضور نواب مجلس الشعب وآخرين.
تحدث الرئيس عن احترامه لأحكام المحكمة الدستورية العليا، إلا أنه وعد في خطابه بجامعة القاهرة بعودة المؤسسات المنتخبة، وكان يقصد بذلك مجلس الشعب الذي سبق أن صدر حكم من الدستورية بحله وبطلانه.
لقد أثار هذا التصريح حالة شديدة من الارتباك، إلا أن البعض اعتبر الأمر مجرد تعهد غير مضمون، لأن الأمر لم يعد ملكا للرئيس أو غيره كما أن الحديث عن استفتاء أو اعادة تفسير أو صدور قرار مباشر من الرئيس بعودة البرلمان، كلها أمور لن تجدي شيئاً!!
في منطقة 'هايكستب' العسكرية حيث جرت مراسم الاحتفال بتسليم السلطة، فاجأ الرئيس الجميع بالطلب من القوات المسلحة باستمرار مهمة تواجدها بالداخل، بالرغم أنه كان قد تحدث قبل ذلك عن ضرورة عودتها إلي ثكناتها بعد تسليم السلطة كاملة إلي الرئيس المنتخب.
لقد قال الرئيس في خطابه 'إن رجال القوات المسلحة أوفو بما عاهدوا ووعدوا الله والشعب به' تحدث عن الجيش الذي حمي الثورة وانقذ البلاد من مخاطر شتي قال كلاماً واضحاً ومحدداً رد به الاعتبار إلي المؤسسة العسكرية ومجلسها الأعلي بعد طول انتقادات حادة من الجميع.
انها ذات الكلمات التي تحدث بها المشير حسين طنطاوي القائد العام ورئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، لقد تحدث عن دور الجيش في حماية الثورة وتحمل المسئولية طيلة الفترة الانتقالية، وتعهد بأن القوات المسلحة ستقف بكل قوة مع الرئيس الجديد المنتخب.
كان المشير ينظر إلي الحاضرين جميعا وهويقول 'لقد أوفينا بالوعد الذي قطعناه علي أنفسنا أمام الله والشعب وأصبح لدينا رئيس منتخب تولي مقاليد حكم مصر بانتخاب حر مباشر يعبر عن الارادة المصرية'!!
مضي الوقت سريعاً، وجري توديع الرئيس، ولكن بقيت الحقيقة الدامغة، لقد أوفي الجيش بتعهده، تحمل كامل المسئولية بشرف، وأدي الواجب بإخلاص، لم يغامر، ولم يعترض، علي انتخاب رئيس ينتمي إلي جماعة الإخوان المسلمين التي ظلت مطاردة حتي قبيل اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير بقليل.
أنها المرة الأولي التي يحقق فيها الإخوان هذا الانتصار الكبير، الذي ما كان يمكن أن يتحقق بشرف لولا مصداقية المؤسسة العسكرية وحرصها علي الوفاء بتعهداتها، غير أن البعض لا يزال يقول ويردد 'إن الأمر لا يخلو من صفقة بين المجلس العسكري وبين جماعة الإخوان..!!
وبعيداً عن حديث الصفقات والمعلومات المتضاربة تبقي الحقيقة الناصعة البياض، لقد أوفي الجيش بتعهداته وكذب بموقفه كافة الإدعاءات الرخيصة التي ظلت تردد أن الجيش لن يسلم السلطة وأنه قد أعد العدة للبقاء طويلاً فهل يتعظون، ويعتذرون، أم أنهم سيبحثون عن كذبة جديدة يرددونها لإثارة المزيد من الاحتقان؟!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.