لم تضع اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية نهاية للاحتقان والجدل الذي صاحب جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، بإعلانها فوز د. محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة «الإخوان المسلمين» وحصوله علي 13 مليونا و230 ألفا و131 صوتا بنسبة 73.51% وحصول منافسه الفريق أحمد شفيق علي 12 مليونا و347 ألفا و380 صوتا بنسبة 27.48% من الأصوات الصحيحة للذين أدلوا بأصواتهم في هذه الانتخابات الأولي لرئاسة الجمهورية في مصر بعد الثورة. فرغم أن النسب التي حصل عليها كل مرشح والفارق بينها في عدد الأصوات (782751 صوتا) وفي النسبة (46.3) تبدو منطقية ومتماثلة مع النتائج في الدول الديمقراطية، فقد تكاتفت مجموعة من العوامل أدت لاستمرار الاحتقان والجدل. أول هذه العوامل هو تحول المعركة الانتخابية من تنافس بين مرشحين أو برنامجين إلي صراع بين متضادين، فهو مرة صراع بين مرشح الثورة ومرشح النظام القديم، ومرة أخري صراع بين الدولة الدينية والدولة المدنية، ومرة ثالثة صراع بين الدولة المصرية والساعين لهدمها والقضاء عليها. العامل الثاني هو إصرار أحد الأطراف علي أن النتيجة الوحيدة المقبولة هي فوز مرشح الحرية والعدالة «الإخوان المسلمين» د. محمد مرسي وإلا فالانتخابات باطلة ومزورة، وتحول هذا الإصرار – كما جاء في تقرير وحدة دعم الانتخابات بالمجلس القومي لحقوق الإنسان – إلي «التهديد بعدم الاعتراف بالنتائج وترويع الناخبين بالتهديد باستخدام العنف»، ثم الاعتصام في ميدان التحرير حتي يتم إعلان «محمد مرسي» رئيسا! والتحذير علي لسان المهندس «سعد الحسيني» القيادي الإخواني البارز من «قيام ثورة جديدة إذا أقدمت لجنة الانتخابات الرئاسية علي إعلان الفريق شفيق رئيسا»! العامل الثالث هي الشكوك التي صاحبت إعلان النتائج في حدوث تزوير أو تغيير للنتائج في اللحظات الأخيرة، فرغم اتفاق كل القوي والأحزاب السياسية علي عدم وقوع تزوير في الجولة الأولي لانتخابات الرئاسة وطوال معركة الإعادة مع الاعتراف بعدم حرية ونزاهة الانتخابات بصورة كاملة نتيجة للدور الذي لعبه المال السياسي واستغلال الدين فمع إعلان المستشار فاروق سلطان رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية لبيانه المتضمن نتائج الانتخابات تعالت الأصوات تتحدث عن التزوير. فبعض المصادر قالت إن إعلان النتيجة يشوبه بطلان واضح، فبيان اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية احتوي علي جريمتين جنائيتين تبطل العملية الانتخابية برمتها. الجريمة الأولي جريمة رشوة وتزوير أوراق التصويت الواردة من المطابع الأميرية والتي تم التأشير علي آلاف «أو ملايين» منها أمام اسم المرشح د. محمد مرسي، وهو ما يفقده الثقة والاعتبار ويخرجه من سباق الرئاسة في حال ثبوت علاقته بهذه الجريمة. الثاني أقلام الحبر الذي يزول بعد وقت محدد، وهي جريمة لابد من تتبعها والكشف عن مستورد هذه الأقلام والقائمين علي توزيعها، خاصة وأنها وزعت علي أنصار الفريق أحمد شفيق وكتب عليها «مع تحيات أحمد شفيق». وروجت بعض المصادر روايات عن تدخل المجلس الأعلي للقوات المسلحة في اللحظة الأخيرة لقلب النتيجة والتي كانت فوز أحمد شفيق بنسبة 7.51%، وأن هذا التدخل تم بناء علي ضغوط من الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ودول خليجية، ورغم شيوع هذه الروايات وتأكيد شخصيات سياسية وصحفية لها، فلم يستطع مروجوها تقديم أي دليل علي صحتها، ونفاها بقوة أعضاء اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، بل وأقسم المستشار حاتم بجاتو خلال برنامج تليفزيوني أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة لم يعرف نتيجة الانتخابات إلا لحظة إعلانها في المؤتمر الصحفي، ولم يحدث أي اتصال من جانبه باللجنة أو أمانتها. ويضاف إلي عوامل الاحتقان تلك الخلافات الواضحة حول المرحلة القادمة. فهناك مخاوف من القراءة الخاطئة لنتائج الانتخابات من جانب د. محمد مرسي وجماعته، فيتصورون أن الشعب المصري قد أعطاهم شيكا علي بياض لتنفيذ برنامجهم «مشروع النهضة المصرية»، فالقراءة الصحيحة لنتائج الانتخابات تقول إن من صوت له يتجاوز بقليل نصف من أدلوا بأصواتهم وأن من صوت ضده أقل قليلا من النصف، وأن هناك 24 مليونا و538 ألفا و31 ناخبا لم يشاركوا في التصويت، جزء كبير منهم رفضا لكلا المرشحين، وأن هناك ما يقرب من مليون ناخب (843252 ناخبا) أبطلوا أصواتهم لنفس السبب. والممارسة خلال الأيام القليلة الماضية تنذر بصدامات مع مؤسسات الدولة، بما في ذلك المحكمة الدستورية العليا والمؤسسة العسكرية ممثلة في المجلس الأعلي للقوات المسلحة. ففي تحد غير مسئول للشرعية الدستورية القائمة فجر حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين أزمتين مفتعلتين، الأولي عدم الاعتراف بحكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان مجلس الشعب الحالي وبالتالي حله، والإصرار علي أن البطلان ينصب فقط علي ثلث المقاعد الفردية رغم أن الحكم واضح وضوح الشمس وأكد بصورة قاطعة أن البطلان يمتد إلي المجلس كله، وتورط قيادات في الجماعة والحزب بالإعلان أن مجلس الشعب قائم، واتهام المحكمة الدستورية بأن حكمها «سياسي»، وطلب تفسير للحكم من مجلس الدولة (!)، وهو ما دفع مصدر قضائي رفيع المستوي بالمحكمة الدستورية العليا للقول «إن أحكام المحاكم بصفة عامة، أيا ما كان درجتها ولو محكمة جزئية، فمتي كانت نهائية فإنها واجبة النفاذ، وليس لأحد أو جهة الامتناع عن تنفيذها وإلا تعرض لعقوبة جنائية.. والمحكمة الدستورية العليا، وهي هيئة قضائية عليا، تختص دون غيرها بالرقابة القضائية علي دستورية القوانين واللوائح، وتصدر قراراتها باسم الشعب، وتكون نهائية غير قابلة للطعن، وهي ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة بعد نشرها بالجريدة الرسمية». الأزمة الثانية هي أزمة حلف د. محمد مرسي لليمين الدستورية أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا طبقا للإعلان الدستوري المكمل، فقد توالت تصريحات قيادات الجماعة والحزب تؤكد أن مرسي لن يحلف اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، فقال «ياسر علي» المتحدث باسم حملة الدكتور محمد مرسي إنه سيحلف اليمين الدستورية أمام مجلس الشعب، وقال عصام العريان «إن الرئيس المنتخب هو الذي سوف يحدد الجهة التي يحلف اليمين أمامها، وأكد ممدوح إسماعيل أن حلف مرسي اليمين أمام المحكمة الدستورية خطوة ترجع بالرئيس للوراء وتضفي شرعية علي البطلان الذي تم بحل البرلمان والإعلان الدستوري المكمل ويطعن الجماهير التي خرجت في شدة الحر تقف مع الشرعية»! وزاد الطين بلة اعتصام كوادر الإخوان والسلفيين في ميدان التحرير واستمراره.. «إلي أن يرحل المجلس الأعلي للقوات المسلحة ويلغي الإعلان الدستوري المكمل ويعود مجلس الشعب «المنحل» لممارسة دوره التشريعي ويلغي حكم المحكمة الدستورية العليا». لقد اعترضت كل الأحزاب والقوي السياسية تقريبا علي عديد مما ورد في الإعلان الدستوري المكمل والذي صدر دون أي تشاور مع الأحزاب والقوي السياسية، خاصة مد الفترة الانتقالية حتي نوفمبر القادم، وتحول «المجلس الأعلي للقوات المسلحة» بتشكيله الحالي إلي سلطة رابعة متغوّلة، ولكنها قررت اللجوء للعمل السياسي لتعديل هذا الإعلان، وليس الانقلاب علي الشرعية الدستورية. وفي مواجهة هذه الخاطر بادرت الأحزاب والقوي السياسية – بمبادرة من حزب المصريين الأحرار – لعقد مؤتمر يوم السبت الماضي أعلنت في نهايته عن تأسيس «كتلة مدنية» لحماية مصر من الاستبداد الديني أو إحياء النظام البائد «.. كتلة مدنية مصرية عريضة، شعارها لا لزواج الدين بالسلطة ولا لعسكرة الدولة».