تابعت على مدى الأيام الماضية، حالة الجدل الواسعة التى أثارتها دعوة الكاتب الصحفى عماد الدين أديب، للحوار مع من أسماهم ب«المتعاطفين من جماعة الإخوان».. تلك التى طرحها خلال لقائه مع الزميل أحمد موسى، فى برنامج «على مسئوليتى»، المذاع على قناة «صدى البلد». استمعت إلى الحلقة كاملة، ويمكن أن نلخص مضمون ما قاله عماد أديب فى عبارات محددة، ألحَّ عليها خلال اللقاء: «أنا خصم سياسى لجماعة الإخوان المسلمين».. «كلامى ليس موجهًا لقادة الجماعة أو الأعضاء التنظيميين، أو من تلوثت يداه بالدماء، كلامى موجه للنسبة الأكبر، (المتعاطفين فكريًا من الجماعة) ولم يحملوا السلاح».. وهو ما فسره البعض بأنه دعوة مبطنة، للمصالحة مع الإخوان ممن لم يقتلوا أو يحرضوا على القتل. وأنا هنا، ومع الهجوم الشديد الذى تعرض ويتعرض له عماد أديب، أود أن نفرق بين من يطرح مثل هذه المبادرات ليظل الإخوان داخل المعادلة السياسية، ويبقى المشروع «الأمريكى - الصهيونى» لتفتيت المنطقة على أسس دينية ومذهبية قائمًا ومؤجلا، وبين من يطرحون المبادرات بسذاجة، بدافع أننا «أبناء وطن واحد».. وأحسب أن عماد أديب من هؤلاء. لكنه فى تقديرى.. أخفق عندما قال: «أنا خصم سياسى للإخوان»، وراح يكررها أكثر من مرة؛ فمن يقرأ تاريخ الجماعة منذ نشأتها ومواقفها وأولوياتها حتى وقتنا هذا، يعرف جيدًا أنها لم تكن يومًا فصيلا سياسيًا، ف«الإخوان المسلمون» بداية من الاسم مرورًا بطبيعة التكوين، ونهاية بالتجربة العملية فى السلطة، فكرتها الحاكمة: «الولاء للجماعة مُقدم على الولاء للوطن»، أما الثوابت التى استقرت فى الضمير الوطنى وتوافقت عليها الحركة الوطنية عبر تاريخها، فغائبة تمامًا. بمعنى آخر، هل هناك فصيل سياسى يمكن أن يدبر لنسف القناطر الخيرية - كما حدث فى الستينيات فى قضية سيد قطب الشهيرة - لإغراق مصر بأكملها، وإشاعة الفوضى، وفتح الطريق أمام التدخل الغربى ووصول الجماعة للحكم.. هل هذا عمل وطنى لفصيل سياسى يعارض نظام حاكم.. أم جريمة وخيانة عظمى؟!. كذلك لم أفهم ما يقصده عماد أديب بعبارة «المتعاطفين من الإخوان»، هل يقصد أعضاء الجماعة المتعاطفين مع فكرها، خاصة أن «المتعاطف»، بحسب أدبيات الإخوان، درجة تنظيمية داخل الجماعة.. فهو إخوانى - وإن لم يحمل السلاح - يرى أن «الوطن حفنة تراب نجس»، وأن «زميله فى الجماعة الماليزى أو الهندى - أقرب إليه من ابن وطنه»، وأن «الأخ بين يد مرشده كالميت بين يد مُغسِّله». هذا المتعاطف وقف فى ميدان «رابعة العدوية»، وهتف من قلبه: «الله أكبر ولله الحمد»، عندما قالوا له على المنصة: «إن بارجتين أمريكيتين فى طريقهما للمياه الإقليمية لتركيع الجيش المصرى»!!. أغلب الظن أن عماد الدين أديب يقصد المخدوعين، الذين يعتبرون الإخوان جماعة سياسية وصلت للسلطة ثم أطيح بها بمؤامرة من الجيش.. هؤلاء ما زالوا يعتقدون أن ما جرى فى 30 يونية «انقلاب عسكرى»، وأن مشاهد الملايين الذين خرجوا للشوارع يومى 3 و26 يوليو «مفبركة». هؤلاء.. سباك أو نجار أو مدرس أو طبيب أو طالب جامعى، يذهب إلى عمله، أو جامعته، ويدخل - دون جدوى - فى مناقشات مع زملائه، وعندما يعود إلى بيته يشاهد قنوات «الجزيرة والشرق ومكملين، وغيرها»، ويستمع إلى وجدى غنيم ويمصمص شفتيه ويتحسر على أيام مرسى.. ثم ينام بعد يوم شاق من العمل والفرجة على التليفزيون، ويحلم أحلامًا سعيدة يعود فيها مرسى لمحاكمة السيسى وإعدامه على رءوس الأشهاد.. ليستيقظ مبكرًا يمارس حياته من جديد. أمثال هؤلاء، لم يستوعبوا بعد ما كشفته الأيام والسنوات، ومجرياتها من تفاصيل وأحداث تؤكد إرهاب تنظيم الإخوان، وخيانته للوطن. وهؤلاء قد نُشفق عليهم، لكن كيف نتحاور معهم؟!.. علينا أن نزيل الأسباب التى وصلت بهم إلى هذه الحالة، حتى لا ينضم إليهم آخرون.. فهم والمرشحون للانضمام إليهم، ضحية الجهل والفقر والمرض والظلم والفساد والاستبداد، وتخلى الدولة عن القيام بأبسط أدوارها، وكلها عوامل جعلت منهم وستجعل من غيرهم فريسة سهلة للتيارات التى تستخدم الدين للسيطرة عليهم وتوظيفهم أو استغلالهم.