"قوات النظام" تعني "الجيش السوري" .. و"كلام وسط البلد "يبث أغاني "مُسفه" .. وإبعاد الكفاءات قتل "اصحى للدنيا" تحتل شبكة "راديو مصر" مكانة مرموقة بين مستمعي الاذاعة المصرية العريقة التى بدأ بثها قبل أكثر من 80 عاماً، بعد أن طورت المحتوى الاعلامي الكلاسيكي الذى ميز الشبكات الاذاعية على مدى عقود طويلة، متسلحة بعقول شابة تعي الاساليب الحديثة فى البث الاذاعي والملامح المؤثرة للوصول الى عقل المستمع.
ومنذ أكثر من اسبوعين أعلنت الشبكة، عن خطة لتطوير برامجها، حيث تم ادخال برامج جديدة بمذيعيين جدد منهم اعلاميين وصحفيين، غير أن ماحدث فى راديو مصر، جاء بمردود عكسي وتسبب فى قيام المستمعين بتحويل مؤشر الراديو عن إذاعاتهم المفضلة.
التطوير الذى من المفترض أن يطال محتوى المادة الاذاعية المقدمة عبر الأثير، بدأ بشعار المحطة الشهير "راديو مصر فى كل مصر"، والذى تم استبداله ب"راديو مصر لكل مصر" وهو ما يعتبر تغيير تام للدلالة الهامة بأن الاذاعة تصل لكل مكان. أما تنويهات البرامج فكانت غالبا ما تستند الى كبار المذيعين المتمكنين من أدوات اللغة، وحتى عندما يتم الاستعانة بمتخصصين في الاداء الصوتي من غير المذيعين، فإن ذلك يتم على اسس محددة، ومنها قوة الصوت والنطق السليم، غير ان الصوت الرجالي الجديد للمحطة أقل من سابقه، فمخارج حروفه غير سليمة، على سبيل المثال: يقول ( ساعة جامعة القاهرة وقد أعلنت العاشرة ) بصفير في السين، وترقيق لراء العاشرة وكلمة مصر، تأتي أيضا بصفير منفر للأذن، عند ذكره للتوقيت، الثانية... الثالثة .... إلخ، وبدا الصوت الجديد وهو يتقمص شخصية أخرى محاولا إيهام المستمع بأن خامة صوته عريضة فتخرج الكلمات منه بصورة تمثيلية رديئة.
أما التنويهات عن البرامج الجديدة فجاءت طويلة للغاية، وعلى سبيل المثال هناك تنويه تقول بعض كلماته ( ياه ع البلدي وحلاوة شعبها، ولا طيبتها وخفة دمها) ولحنه نسخة طبق الأصل من أغنية ( نفسي أبقى جنبه ) ل( محمد حماقي). أما أغرب التنويهات فهو التنويه الخاص ببرنامج ( كلام وسط البلد)، حيث تقول المذيعة إن البرنامج من الرابعة إلى السادسة عصرا، وبالطبع السادسة لا تكون عصرا بل مساءا، وهى امور بديهية يبدو انها لم تلفت انتباه المسئولين عن المحطة.
الاستغناء عن الكفاءات الاذاعية بالشبكة واستبدالها بآخرين، كان نتيجته ان البرنامج الصباحي ( اصحى للدنيا ) الذى كان ذائع الصيت من قبل وهو من البرامج الرئيسية للمحطة أصبح يقدمه مذيعان من غير أبناء المحطة.
كما أن هناك برامج تعتبر من أنجح البرامج على الراديو وهى ( بيك وبيها هنبنيها ) ل ( علا بكر ) و كلام معقول ) ل ( هدى عبد العزيز )، تم تغيير موعد اذاعتهما، حيث تم تقليص وقت الأول من ساعتين إلى ساعة واحدة، وتغيير موعد الثاني من الخميس حيث نسبة الاستماع عالية، إلى يوم السبت حيث تكون نسبة الاستماع ضعيفة. كما أن التنويه عن أن راديو مصر راجع بقوة، تنويه يحمل إساءة للمحطة، وجهد العاملين بها من قبل، فهل كان راديو مصر بعيدا غائبا عن الساحة ثم عاد؟
أما تنويهات الأخبار فهي دون المستوى إذا ما قورنت بسابقتها أداءً ومعنى، على سبيل المثال، جملة ( تحليل الخبر أهم من الخبر ) وهي كارثة كبرى تؤكد جهل كاتبها وكل من وافق على إذاعته بأبجديات العمل الإخباري، فمتى كان تحليل الخبر الذي يختلف من شخص لآخر أهم من الخبر؟ أما عن الأخطاء المهنية في النشرات الأخبارية، فحدث ولا حرج، فعلى سبيل المثال نسمع دائما جملة" قوات النظام" أو "القوات الحكومية" بدلاً من "الجيش السوري"، وهو ما يتناقض مع الموقف الرسمي للدولة الذى من المفترض أن تمثله المحطة على اعتبار أنها الراديو الرسمي لمصر، ويطرح علامات استفهام حول الاتجاهات السياسية للعاملين بديسك الأخبار بالمحطة.
البرامج في عمومها أصبحت أقل جودة ويبدو ذلك من متابعة الاستماع الى برنامج( على مزاجك )، و ( كلام وسط البلد ) ، والذي أذاع ذات مرة أغنية أبسط ما يقال عنها إنها "مسفة" أو تلك الأغاني التى يطلق عليها "أغاني المهرجانات".
وفى البرامج المتخصصة نجد الزميلة الصحفية التى تقدم برنامج ( دكان الفن ) لم تتخلص من كونها صحفية، ولا تعلم حتى الآن أن الحوار الإذاعي مختلف، فهي تتحدث مثلا مع ( يسرا ) عن أشخاص بأسمائهم الأولى، تتحدث عن، "مدحت"، و"خالد"، ولا يتم التوضيح للمستمع هوية هؤلاء الذين تتحدث عنهم، ويبدو أنها تسجيلات صحفية قديمة، لم تعد خصيصا للبرنامج، فضلا عن رداءة التسجيل التي تجعله غير صالح للإذاعة.
التطوير "المخملي" للمحطة برنامج ( حكايات المحروسة ) الذى تم وقف بثه بعد وفاة الإذاعي الراحل ( ماهر مصطفى ) الذى توفي منذ اسابيع ،وكان من رواد "راديو مصر"، رغم أنه حقق نجاحا كبيرا، ومدته قصيرة، وهو ذو طابع وثائقي يصلح دائما في كل زمان ومكان.
ورغم أن تنويه البرنامج الرياضي "شوط مع حتحوت "، نسخة مكررة لتنويهات إذاعة الشباب والرياضة، ما يفقد راديو مصر شخصيته المميزة، إلا أن حرفية مقدم البرنامج وتميزه المهني ومعلوماته الغزيرة التى يقدمها في أسلوب بسيط وسهل، جعلت من البرنامج "الحسنة الوحيدة" في موجة التطوير التى شهدتها المحطة والتى من المفترض أن تأتي بالابتكار والتجديد الذى يعتبر عنوان تميز أى اذاعة.
وفى النهاية نتمنى ان ينتبه المسئولين فى ماسبيرو الى ان "راديو مصر" ،الذى يتبع قطاع الاخبار، كان علامة على جودة الاداء، وهو يضم بين جنباته عددا كبيرا من مذيعين يشهد لهم المستمع قبل المسئول بالمهنية والكفاءة، وهؤلاء هم من تحملوا عبء البدايات الأولى، ليمتعوا المستمع بانطلاقة قوية لمحطة اذاعية يستمع إليها الملايين يوميا.