بقدر ما أسعدنى خبر نشر عن قيام عدد من المدارس بذكر قضية القدس فى طابور الصباح، ومنها من خصص مدرسوها الحصة الأولى للحديث عن الأمر، بقدر ما تردد داخلى استفسار، اليوم فقط تذكرنا أن القدس عربية وأنها عاصمة فلسطين؟ اليوم فقط تذكرنا أن صلاح الدين هو من حرر القدس من أيدى الصليبيين الذين استباحوا هذه المدينة وأهلها وسفكوا دماء أكثر من سبعين ألفًا من سكانها، اليوم فقط بدأت الحصة الأولى فى المدرسة بحكايات القدس العربية، وبطولات صلاح الدين الأيوبي، ورفع التلاميذ لافتات فى طابور الصباح تشير إلى أن القدس عربية، وأن القدس عاصمة فلسطين.. ياااااه، لقد مر وقت طويل جدًا لم نسمع فيه اسم القدس ولا المسجد الأقصى ولا شيئًا عن القضية الفلسطينية، مر وقت كما لو كان دهرًا لم تشغلنا سوى أخبار وأحداث الجماعات الإرهابية المتطرفة التى باتت تفجر فى مساجدنا وكنائسنا وشوارعنا وتفتت فى وحدتنا وتطعن جسد الوطن طعنات الغدر، جماعات اخترعها إرهابى كبير صار يتحكم فى العالم بالريموت كنترول، يصنع لنا «العفاريت» التى تنهش أوطاننا، فننام الليل على أخبار استشهاد ضباط وجنود، ونصحو على أخبار استشهاد مصلين فى دور عبادة. لقد تمكن العدو الصهيونى من أن يصنع لنا عدوًا بديلاً منا، يحاربنا وينهك قوانا ويشتت أفكارنا نيابة عن العدو الأبدى الحقيقي، الغريب أننا انسقنا وراءه مغمضى العين، وتركنا الإعلام العربى كاملاً لا حديث له إلا عن الإرهاب والجماعات المسلحة فى هذا الوطن العربى أو ذاك، غافلاً قضية العرب الرئيسية التى كانت سببًا فى هذا المخطط الدموى الكبير، وخلدنا إلى النوم بينما تعالت أصوات لمشاهير تسب وتلعن فى صلاح الدين، ذلك البطل القائد الذى تربينا على سيرته وقوته وشجاعته واستبساله حتى حرر القدس إلى أن فرطنا نحن فيها، فأضعناها بإهمال وضعف وبلاهة عقل. كانت الحواديت التى نسمعها ونحن صغار تحكى عن البطل العربى المنقذ، السندباد وعلاء الدين، كل منا كان يحمل داخله حلم الخير، ومقاومة الشر والظلم، ودون أن يقول لنا أحد هذه حلال وهذا حرام كنا نستطيع أن نفرق بفطرتنا التى شكلتها حكايات أمهاتنا الطيبات، ودروس التاريخ التى يقصها لنا آباؤنا ومعلمونا ونسمعها فى برامج التلفاز، أما اليوم، ومنذ سنوات لم يعد يسمع صغارنا غير أخبار الموت العلنى وأساليب القتل الوحشي، وكم رئيس تم قتله وكم اسم كبير شهير باع وخان وطنه وكم صعلوك صار أميرًا وكم جاهل صار ملياردير بجهله الذى بات يصدره للناس سواء فى الفن أو السياسة أو الدين أو حتى فى الرياضة. غابت حكايات أمهاتنا قبل النوم، لننام على كوابيس ونصحو على غيرها، كثر الأعداء الوهميون وتخفى العدو الحقيقى خلف ألف مسمى حتى توحش فينا.. غابت حصص التاريخ التى كنا نستمتع بحكاياتها عن أبطال كانوا لنا رموزًا وقدوة ووسط التكالب على أموال الدروس الخصوصية صرنا نهرول فى طوابير الصباح إلى الفصول المكدسة التى لم يعد لنا فيها معلم بل صار ملقنًا لما فى الكتاب المدرسي. الآن فقط وبعد قرار الإرهابى الأكبر «ترامب» بنقل سفارة بلاده إلى القدس واعتبارها عاصمة للكيان الصهيونى فقد انكشف مدى ضعفنا وما آل إليه حالنا من خذلان وهوان وضعف أوصلنا لقلة الحيلة والعجز، فتذكرنا أن أبناءنا فى طوابير الصباح عليهم أن يغنوا للقدس، ويرفعوا لافتة تحمل صورة الأقصى كما فعل عدد من مدارس الإسكندرية والمنوفية وبنى سويف. يا سادة، الأمر وان كان جللاً والمصاب وإن كان كبيرًا علينا أن نستثمره لصالحنا ولو لمرة واحدة يمكننا فيها أن نقلب السحر على الساحر، ولتبدأ الرحلة ب «حكايات ستات» كل أم عليها أن تعيد حكاياتها قبل النوم، أن تحكى لصغارها عن القدس، عن الوطن الأكبر، عن هذا الحلم الذى يراودنا بتحرير الأقصى، عن هؤلاء الأبطال الذين مروا بوطننا على مر التاريخ حاملين أرواحهم فوق كفوفهم، لم يخفهم إرهاب أمريكى ولا تجبر صهيوني، نحكى عن أبطال الأساطير الحالمة، الذين يدعمون الخير والحب والجمال وينشرون العدل بين البشر، ربما تكون هذه الحكايات حكايات صغيرة لكنها بالتأكيد ستصنع رموزًا وأبطالاً عظامًا يناهضون الشر حولنا، ويصوبون بوصلة العدالة التى غابت ويعدلون ميزان الحق الذى صار مغتصبًا، علينا أن نعيد إلى أرواحنا وصغارنا هويتنا التى تاهت وأحلامنا التى تشتت وضلت طريقها، أن ندعم فكرة الوحدة العربية مرة أخرى والهم العربى المشترك، والتاريخ العربى الواحد، والبطل العربى الذى لم نكن نسأل عن جنسيته عراقيًا كان أم يمنيًا أم مصريًا، الفرقة الكبرى بدأت تتخللنا بالتفاصيل الصغيرة التى كبرت داخلنا وحولنا، ومواجهتها يبدأ بنفس الطريقة، تفاصيل صغيرة نبدؤها معًا تصنع عالمًا كبيرًا يبدأ ولو بحدوتة نحكيها لأطفالنا قبل النوم.