نادرا ما تجتمع فى شهر واحد أحداث كبيرة كما مر بنا منذ منتصف نوفمبر 2017، هو شهر من الشهور المؤلمة، فجريمة مسجد الروضة سيتوقف التاريخ طويلا امامها، وبقدر بشاعتها التى أدمت القلوب وزرعت الحزن والغضب والألم فى كل بيت، بقدر ما اختلف شكل الوجع وأصبح الحزن شفيفًا ينطوى على الكثير من الحب لوفاة الفنانة شادية، ليتواصل الحزن مع مطلع ديسمبر بوفاة الروائى الكبير مكاوى سعيد الذى لقى ربه يوم السبت الماضى عن عمر يناهز 61 عاما هذه المرة انطوى الحزن على دهشة ربما لأن الرجل كان بين أصدقائه قبلها بليلة لا يشكو وجعا، ربما لأنها مشاعر الغفلة والإحساس بصدق هذه الكلمة «اتخطف» من بيننا!. ونحن نعرف ونتجرع على مدار الحياة أنواعا من حزن الفقد، الحزن لمصاب الوطن والحزن لمصابنا الخاص والحزن لأننا لم نستطع تحقيق ما نصبو إليه، أما أشد أنواع الحزن فهو ذلك الحزن الذى يصحبه انكسار أو شعور بأنك لم تقدم كل ما عليك لتمنع الحدث، أو أنك أخطأت وتسببت فيه، هو حزن قد لا نستطيع التعايش معه، لأن شعورنا بالذنب يكون مصاحبا جالدا للنفس، وبقدر ما يجعلنا الإيمان نعبر الأحزان، فنحن نؤمن أن القدر سينفذ فى كل الأحوال، وستسقط ورقة الحياة من شجرتها لمن يأتى عليه الدور، وسيبقى وجه ربنا ذو الجلال والإكرام، بقدر كل ذلك مرت وفاة زعماء وفنانين وأهل وأحباب، وعشنا وامتد بنا العمر نذكرهم بدمعة حانية أو ابتسامة مشفوعة بمسحة حزن لتذكر مواقفهم الجميلة. لقد ذهب شهداء مسجد الروضة للقاء ربهم وهم فى أطهر مكان وفى أعظم حال ويكفيهم أنهم ذهبوا ساجدين فى يوم جمعة، مغدورًا بهم من قوم مأجورين مجرمين هم خوارج العصر، لكن الأسئلة ستبقى وشعورنا بالتقصير لن يزول، ويبقى من بين الأسئلة الكثيرة التى لا نعرف لها إجابة سؤال مؤرق: لماذا يحاول البعض هدم الأزهر؟ لماذا يصرون على ذلك بزعم التنوير، وبزعم ارتكابه الأخطاء، إن السيدة فريدة الشوباشى التى تطالب بزوال دولة الفتاوى وتكتب على صفحتها مناصرة من يفتون بغير علم ويحاكمون الأزهر لأنه لم يكفر المجرمين، وهى أيضًا «فتاوى» لكنها على المزاج، بينما شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب كان واضحا فى تحديد حكم القتلة المجرمين فى الشرع، وتحديد هويتهم «خوارج»، إن أمثال هؤلاء هم من يدفعون بالوطن لهاوية سحيقة يقف على رأسها الإرهاب الذى صنعته دول الاستعمار الحديث بهدم الفكر والعقول وتدمير المعتقد وتسليط التطرف على رقاب العباد، انحلوا ياسادة ماشئتم اخرجوا عن الوسطية ما شئتم، ففى تلك الوسطية عصمة وأمان عاشتهما مصر قرونا قبل دهسنا بالوهابية القادمة من دول النفط، ان التطرف لا يؤدى إلا إلى تطرف، والمغالاة فى الانحياز للباطل تقابلها دائما مغالاة فى الدين، إن من يصنعون الحزن فى هذا البلد عليهم أن يتوقفوا قليلا، ليس لأنهم يريدون أن يكون على هذه الشاكلة أو تلك، عليهم أن يقودوا المجتمع إلى حيث يريدون، دعونا نحزن، ذلك الحزن الشفيف المشفق الحانى، كفانا وجع الشعور بالذنب لكل ما لا نعرف من أسباب.. دعونا نبرئ أنفسنا مما نعرف.