يأتى القرار الأمريكى بالانسحاب من منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة الآن ليثبت أن الولاياتالمتحدة قد اختارت هذا التوقيت بعناية فائقة لإدراكها أهمية اللحظة التى يعيشها اليونسكو الآن وهى تصويت مجلسه التنفيذى لاختيار مديره الجديد خلفا لمديرته الحالية إيرينا بوكوفا . ومما لاشك فيه أن قرارها بالانسحاب ومن بعدها إسرائيل من المنظمة قد أثر سلبا على المرشحين وعمل فى نفس الوقت على تغيير الدفة لصالح مرشح بعينه، والإصرار على الوقوف حجر عثرة للحيلولة دون فوز المرشحة المصرية الدكتورة مشيرة خطاب التى كانت مؤهلة باقتدار لشرف هذا المنصب، فى حين أن أمريكا وفق أكاذيبها المعهودة تبرر هذا الانسحاب بإدعائها أن المنظمة تحتاج لإصلاحات بعينها والأهم من ذلك أنها تروج بالباطل أن المنظمة تعادى إسرائيل بسبب قرارات دول المنظمة العادلة التى تصدر لصالح الشعوب . ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى تعلن فيها أمريكا انسحابها من المنظمة، إذ تعود المرة الأولى لعام 1984 عندما عارضت أمريكا القرارات التى اتخذتها المنظمة فى حينه بشأن الإعلام والحريات العامة وهو ما اعتبر تدخلا من أمريكا فى شئون المنظمة بحجج وادعاءات باطلة وفقا لمصالحها الخاصة وليس وفقا لمصلحة المنظمة، ثم عادت أمريكا للمنظمة 2003 للتغطية على جرائم حرب العراق، ثم تعود من جديد لافتعال أزمة مع المنظمة وتعلن عام 2011 وقف مساهماتها المالية لها بسبب القرار الجريء الذى اتخذته غالبية دول المنظمة والمتعلق بالاعتراف بدولة فلسطين بها وهو ما أغضب إسرائيل وأمريكا، ومنذ عام 2011 وحتى الآن وأمريكا لا تتوقف عن محاولاتها تسييس المنظمة ومواصلة انتقادها واتهامها بالعداء لإسرائيل بسبب القرارات العارمة التى صدرت لصالح حقوق الشعب الفلسطينى ومنها اعتبار القدس مدينة عربية فلسطينية محتلة، وعدم اعتراف غالبية دول المنظمة وفى تصويت نزيه وتاريخى بتزييف إسرائيل التاريخى والديمغرافى للبلدة القديمة ورفض كل أشكال الاستيطان والحفر وغيرها من الجرائم، ثم القرار الذى صدر من منظمة اليونسكو خلال شهر يونيو العام الماضى 2016 الذى أوصى بإدراج كل من مدينة الخليل والحرم الإبراهيمى على لائحة التراث العالمى التابع لليونسكو مما أزعج فى حينه وإلى الآن كلا من أمريكا وإسرائيل . إن هذه التصرفات والتهديدات الأمريكية ما هى إلا شكل من أشكال وممارسات التدخل والهيمنة على تلك المنظمة الإنسانية من خلال هذا الابتزاز العنصرى والبلطجة الأمريكية التى لن تسكت الصوت الحر لتلك المنظمة وما هو إلا دليل جديد للعالم يكشف له الوجه القبيح الأخر لأمريكا وهذا الوجه الذى يظهر الشر ويؤجج الصراعات بين الدول بالعالم، هذا الوجه الذى يدعى تمسكه بقيم الحق والحرية والعدل والديمقراطية، وفى الحقيقة ما هو وجه يحرض على العنصرية والحقد والكراهية وتعزيز الإرهاب وخراب الدول والسعى للقضاء على كل ما هو جميل باق فى هذا العالم، مما يدل على أن هذا القرار الأمريكى بالانسحاب غير المبرر بأن أمريكا ليست دولة أمينة وراعية للسلام كما تصور ذلك للعالم لأنها هى أول من تشجع إسرائيل على ممارسة غطرستها وبطشها على الشعب الفلسطينى وسرقة أرضه وعدم الاعتراف بدولته . وأمام هذا التحدى الذى تواجهه المنظمة وسواء أدارها عربى أو غيره من الجنسيات كما فازت المرشحة الفرنسية من أصل مغربى أودرى أزولاى برئاسة اليونسكو فإن تلك المنظمة التى أصبحت تعترف بحقوق الشعوب ستظل شامخة ولن يوقفها ابتزاز أمريكا وانسحاب إسرائيل، مما يستوجب على سائر الدول الأعضاء بها وبخاصة دولنا العربية تقديم الدعم والتضامن بقوة مع تلك المنظمة التى تعتبر بمثابة الضمير الإنسانى الباقى للاعتراف بحقوق وثقافة وحضارة الشعوب فى هذا العالم بعيدا عن البلطجة والوحشية والإرهاب وأسلحة الدمار الشامل .