انتصرت الثورة.. نعم لقد انتصرت الثورة، فلقد أجبرت مبارك علي ترك السلطة، ووضعته هو وابنيه وأركان نظامه خلف القضبان ليحدد القضاء مصيره ومصيرهم.. وقوضت حزبه الذي احتكر العمل العام وأخرجته من الساحة السياسية إلي غير رجعة، كما أسقطت الدستور الذي قام بترقيعه مرارًا وتكرارًا لإحكام قبضته علي البلاد وتوريث الحكم لابنه، أيضًا حلت مجلسي الشعب والشوري المزورين، وانتخب الشعب مجلسًا جديدًا احتشد له المصريون جميعًا بإقبال غير مسبوق.. وفرضت علي الحياة السياسية حق التظاهر والاضراب والاعتصام لأول مرة منذ عقود فأصبح حقًا شرعيًا للمصريين جميعًا.. انتصارات عديدة حققتها الثورة عبر مسيرة عام.. كانت مجرد أحلام مستحيلة قبل 25 يناير.. لذا فأنا ممن احتفلوا بعيد الثورة الأول.. رغم عدم تحقيق أهدافها كاملة.. فانتصار الثورات شيء، وتحقيق الأهداف شيء آخر.. انتصار الثورة هو لحظة تحول كبري تمثل لحظة درامية خاطفة مشبعة بالإرادة والأمل والقلق يرقبها الجميع وهم يحبسون أنفاسهم أثناء انهيار صرح السلطة وتقويضه.. أما تحقيق الأهداف فهو يأتي بعد الانتصار، لأنه بداية مرحلة 'البناء'، والبناء صعب ويستغرق سنوات وسنوات.. لأنه يبدأ بإزالة الانقاض ثم وضع 'التصميم' الملائم للبناء الجديد، ثم توفير الخامات والأيدي العاملة التي ستأخذ علي عاتقها بناء المجتمع الجديد الذي يحقق أهداف الثورة.. هنا يبدأ الخلاف بين القوي السياسية، ويبدأ صراع الإرادات وهو السمة الأساسية لفترات الانتقال التي عرفتها الثورات عبر التاريخ.. هذا الصراع هو إيقاع الأحداث الآن في ميادين مصر وفي برلمانها ومؤسساتها، إنه صراع القديم مع الجديد، صراع الثوريين مع الرجعيين، صراع العمال مع أصحاب الأعمال ومحاولات صعود الطبقة الوسطي مرة أخري لقيادة المجتمع الذي دمرته الرأسمالية المنفلته.. هذا الصراع هو الذي سيرسم ملامح 'خطة وخريطة' الطريق والتصميم الأمثل لبناء المجتمع القادم الذي ستتحقق فيه أهداف الثورة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. ولأن ذلك كذلك فلقد انتصرت الثورة وهدمت صرح الفساد ونحن الآن في طريقنا الثوري لبناء مصر المستقبل التي سيتحقق فيها إنسانية الإنسان فالفعل الثوري مستمر والانتصارات ستتلوها انتصارات. مثلما اعتبرت قرار الدكتور أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب بإقامة معرض 'رمضان' في طالبية فيصل انتصارًا للثورة.. أري أن اصراره علي اقامة معرض القاهرة للكتاب في موعده انتصار آخر للثورة.. بل انني اعتبر 'المعركة' التي أدارها بالاشتراك مع اتحاد الناشرين ضد ما يسمي 'بالاعتبارات الأمنية' التي كانت تفضل تأجيل المعرض، انتصارًا حقيقيًا لروح الثورة وفكرها، فهاهو المعرض يفتح أبوابه دون أي مخاطر أمنية، ودون مصادرة كتاب واحد ودون الحجر علي رأي، كما جاء اختيار تونس كضيف شرف المعرض ليحوله إلي عرس ديمقراطي ثوري عربي يليق بعيد ثورة 25 يناير الأول. انتخابات رؤساء لجان المجلس الأعلي للثقافة التي تمت مؤخرًا إنجاز ضخم، وانتصار للثقافة الوطنية، فلقد جاءت لتضرب فكرة 'الحظيرة الثقافية' التي كرس لها النظام السابق، وأكدت أن الحركة الثقافية المصرية قادرة علي صنع مؤسسات الثورة بالاصرار علي ثوابت حرية الفكر والاعتراف بالتعدد الثقافي والحوار الديمقراطي الذي جاء نتيجة جهود قام بها الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة السابق والدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الحالي، والتي استهدفت إعادة هيكلة المجلس ليعبر عن مجمل التيارات الثقافية ويتفرغ لدوره الحقيقي في رسم مستقبل الثقافة في مصر بما يحقق أهداف الثورة. انه انتصار جديد يضاف لانتصارات ثورة 25 يناير.