غدًا.. المصريون في الخارج يُصوتون بالمرحلة الثانية بانتخابات النواب 2025    وزارة «التضامن» تقر قيد جمعيتين في محافظة الغربية    قطع المياه عن بعض المناطق فى القاهرة غدا لمدة 9 ساعات    نائب رئيس البورصة: نعمل على جذب تدفقات استثمارية جديدة لسوق المال    20 نوفمبر 2025.. أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة    كشف بترولي جديد بخليج السويس يضيف 3 آلاف برميل يوميًا    الرقابة المالية تصدر ضوابط عمل لجنة حماية المتعاملين وتسوية المنازعات بمجال التأمين    رئيس كوريا الجنوبية يلقى خطابا فى جامعة القاهرة اليوم    رئيس وزراء السودان يرحب بجهود السعودية وواشنطن لإحلال سلام عادل ومستدام    مصر والبحرين تبحثان تفعيل مذكرة التفاهم لتبادل الخبرات وبناء القدرات بمجالات التنمية    مصر ترحب بقرار "الأمم المتحدة" بشأن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير    نازحو غزة في مهب الريح.. أمطار وعواصف تزيد معاناة المدنيين بعد النزوح    مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى: سنفرض عقوبات على عدد من الجهات السودانية    الشباب والرياضة تُطلق أضخم مشروع لاكتشاف ورعاية المواهب الكروية بدمياط    مواعيد الخميس 20 نوفمبر 2025.. قرعة الملحق العالمي والأوروبي المؤهل لكأس العالم    «السماوي يتوهج في القارة السمراء».. رابطة الأندية تحتفل بجوائز بيراميدز    تذكرتي تطرح تذاكر مباريات الأهلي والزمالك في البطولات الأفريقية    بيراميدز: لا صفقات تبادلية مع الزمالك.. ورمضان صبحي يعود نهاية الشهر    بسبب الشبورة.. إصابة 18 شخصًا فى تصادم سيارة نقل مع أتوبيس بالشرقية    الداخلية تكشف حقيقة ادعاء سيدة تعرضت للضرب والتحرش    سقوط أخطر بؤرة إجرامية بمطروح والإسكندرية وضبط مخدرات وأسلحة ب75 مليون جنيه    الأرصاد: ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة في هذا الموعد    نشرة مرور "الفجر".. كثافات مرورية متحركة بطرق ومحاور القاهرة والجيزة    أسباب ارتفاع معدلات الطلاق؟.. استشاري الصحة النفسية يوضح    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 20نوفمبر 2025 فى المنيا..... اعرف مواعيد صلاتك بدقه    أخطر حاجة إن الطفل يعرق.. نصائح ذهبية لرفع مناعة الأطفال ومجابهة نزلات البرد    رئيس الرعاية الصحية يرافق محافظ الأقصر لمتابعة مركزى طب أسرة الدير وأصفون بإسنا.. صور    وزير الصحة يوجه بتشكيل لجنة للإعداد المبكر للنسخة الرابعة من المؤتمر العالمي للسكان    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    البنك المركزي يعقد اجتماعه اليوم لبحث سعر الفائدة على الإيداع والإقراض    حلقة نقاشية حول "سرد قصص الغارمات" على الشاشة في أيام القاهرة لصناعة السينما    هولندا: ندعم محاسبة مرتكبى الانتهاكات في السودان وإدراجهم بلائحة العقوبات    عيد ميلاد السيسي ال 71، لحظات فارقة في تاريخ مصر (فيديو)    النزاهة أولًا.. الرئيس يرسخ الثقة فى البرلمان الجديد    سعر الريال القطرى اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025 فى بداية التعاملات    مواجهات قوية في دوري المحترفين المصري اليوم الخميس    الصحة بقنا تشدد الرقابة.. جولة ليلية تُفاجئ وحدة مدينة العمال    اليوم.. محاكمة المتهمة بتشويه وجه عروس طليقها فى مصر القديمة    رائد الذكاء الاصطناعي يان لوكون يغادر ميتا ليؤسس شركة جديدة    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر سمير أمين:
الإسلام السياسي جزء من »الثورة المضادة«
نشر في أخبار الأدب يوم 19 - 09 - 2011

الماضي بالنسبة للمفكر البارز سمير أمين ضرورة لحراسة المستقبل. ولكنه لا يتوقف كثيرا أمامه، بل لا تعنيه اللحظة الحالية بالتباساتها، هو منشغل بالمستقبل. يري أن قوي الرجعية تراهن علي أن الانتخابات القادمة هي "مقبرة" الثورة، ونهايتها.. وهذا التحالف الذي تقوده قوي الإسلام السياسي مع بقايا النظام القديم، لمصلحة أمريكا وإسرائيل والسعودية. ويقترح رئيس منتدي العالم الثالث وصاحب نظرية التبعية لاستمرار الثورة تأسيس برلمان مواز للبرلمان القادم.. يضم القوي الوطنية الساعية لأن تصبح مصر دولة مدنية.. ويمثل قوة ضغط ومحاسبة للبرلمان المنتخب.. وهو الأمر الذي يجعل جذوة الثورة مشتعلة دائما!
لم يتوقع أمين ما جري في 25 يناير، وإن كان يري أن حركتي كفاية، و6 ابريل أثبتا قوة هائلة.. كان يعلن دائما بدا الغليان في الشارع، هذا الغليان سيؤدي إلي إصلاح، ولكن الاصلاح أصبح " ثورة" لأن النظام لم يلتفت إلي ضرورة الإصلاح.
كانت البداية عن التصور الذي طرحه في كتابه " ثورة مصر" معتبرا إياه " أكبر من انتفاضة" ..و"أقل من ثورة" هل لا يزال مصرا علي رؤيته؟
يجيب: ما جري في مصر حدث كبير بلا شك .. ويمكن ان تتخذ الثورة أشكالا عديدة، ولكن لابد لكي نسمي ما جري " ثورة" من تحقيق ثلاثة اشياء أساسية. العدالة الاجتماعية ولن يحدث ذلك إلا بسياسة اقتصادية مختلفة من الأصل عما كان سائدا، ثانيا ديمقراطية حقيقية للمجتمع، وهذه أكثر من مجرد انتخابات وإنما دمقرطة للعلاقات الاجتماعية في العائلة والعمل، وثالثا تحقيق استقلالية للوطن في المنظومة العالمية . وللأسف الثورة لم تحقق أياً من هذه الأهداف حتي الآن، ولكنها كأهداف موجود بقوة في أذهان الشباب.
أسأله .. ولكن نحن أمام حدث كبير.. قد لا يحقق أهدافه ولكن عدم تحقيق تلك الأهداف لا ينفي عنه كونه ثورة؟
يجيب: لذا اسمي ما حدث " خطوة ثورية" ..تلك خطوة أولي وستتلوها خطوات أخري، ولذلك أتحدث دائما عن أن التاريخ المصري يشهد فترات مد وجزر طويلة، ونحن حالياً في فترة "مد"، وعندما تطول الموجة تكون هناك انتصارات وهزائم ولكن ليست الانتصارات نهائية وحاسمة، ولا الهزائم أيضا.
- في تقديرك ما الإنجاز الأهم الذي حققته الثورة المصرية حتي الآن؟
يجيب: أنجزت الثورة شيئاً واحداً، ولكنه انجاز هام، كنا في مرحلة جزر استمرت 40 عاما، الناس فقدوا أي أمل في قدراتهم. النظام هو النظام، كان الشعار المعلن " مافيش فايدة" ..التكيف الفردي هو الحل الوحيد. الثورة أثبتت العكس، أن العمل الجماهيري يمكن أن يعطي نتائج هامة، حتي وإن كانت هذه النتائج رمزية. وأنا عندما أتحدث مع الناس البسطاء في الشارع، او سائقي التاكسي، دائما يخبرونني بأن الظروف الاجتماعية سيئة ولكن عندنا أمل، وهذا تغيير هام، ومراحل المد تبدأ دائما بذلك.
يوضح سمير أمين فكرته عن " المد والجزر" :
أنظر إلي تاريخ مصر المعاصر باعتباره تاريخ مد ثوري طويل، ثم جذر طويل أيضا،
المد الأول بدأ في القرن التاسع عشر مع محمد علي واستمر حتي الخديو اسماعيل، ثم حدث جزر استمر حتي 1919، أغرقنا في هذه الفترة بالديون، والاحتلال الانجليزي، ثم حد مد مع ثورة 19 استمر حتي هزيمة 67.
أساله: تعتبر ثورة يوليو امتداداً لما حدث في ثورة 19؟
- بالتأكيد هي امتداد وليست بداية. شكل الوفد المرحلة الأولي في هذا المد وكانت الفترة من 1920 إلي 1924 المرحلة الأكثر تقدمية وديمقراطية في تاريخ مصر المعاصر. وحدثت بعدها ردة نتيجة خيانة جزء من القيادة الوفدية في عام 1924 إنطلاقا من سعد زغلول نفسه بضربة الحزب الشيوعي الأول والتيار اليساري داخل حزب الوفد.
ولحقه بعد ذلك في هذا الطريق السعديون وغيرهم وتبعتها ردة ديكتاتورية صدقي وتأسيس حركة الإخوان المسلمين، ليعود بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، انطلاقاً من 21 فبراير 1946. فاتخذ المد الثوري شكلاً متجدداً يتمثل في التحالف بين الطلبة كممثلين للفئات الوسطي الديمقراطية والمعادية للاستعمار، والطبقة العاملة والشيوعيين. بدأت الردة بخيانة الإخوان المسلمين للحركة، لصالح صدقي باشا ثم عادت الحركة لتستمر بعودة الوفد للحكم ثم الردة أيضا التي تمثلت في حريق القاهرة الذي لعب الإخوان المسلمون دورا فيه، ثم الانقلاب العسكري. فالانقلاب الأول لعام 1952 ثم الانقلاب الثاني لعام 1954 لم يمثلا "نشأة الثورة" بل مثلا الفصل الأخير للمد الثوري أو تاج المرحلة. ثم أنتج النظام الجديد ما أنتجه وتبلوَّر في الناصرية بين 1954 و1956، في أعقاب مؤتمر "باندونج" وإظهار النظام لمواقف معادية للاستعمار للمرة الأولي منذ 1952. كانت الناصرية في واقع الأمر محصلة لفترة وليست انطلاقة لمرحلة جديدة كما حاول عبد الناصر أن يعطي لنفسه صورة مزيفة كمجدد في الحياة المصرية بينما الواقع أنه أنهي الموجة الثورية. فأنتج النظام ما كان المجتمع المصري قادرا علي إنتاجه من نظام معاد للاستعمار كما حقق إصلاحات اجتماعية (لا اشتراكية) بمعني تحقيق بعض المكاسب والإصلاحات في صالح الطبقات الشعبية ولكن بشكل فوقي وغير ديمقراطي. فالنظام رفض الديمقراطية والجذرية. أنتج ذلك ما كان يستطيع أن ينتجه في ظرف 10 سنوات لا أكثر، ثم دخل في أزمة بعد ما بلغ حدوده وفقد نفسه. وانتهز الاستعمار الأمريكي عن طريق الصهاينة هذا الضعف وضربه في 67.
- مرحلة الجزر بدأت منذ 67 وحتي انتهت بثورة 25 يناير؟
- طبعا، حيث فقدت مصر دورها في السياسة الإقليمية، ودورها الاقتصادي.
- ولكن البعض يري أن الانهيار بدأ مع الانفتاح الاقتصادي وكامب ديفيد؟
يجيب: الانفتاح بدا مع عبد الناصر. بعد 67 كان أمامه خياران، بناء نظام ديمقراطي حقيقي، أو تقديم تنازلات للغرب وقد فضل مثل أي ديكتاتور تقديم تنازلات لليمين عن طريق فتح باب انفتاح اقتصادي، علي خيار تجذير النظام. ثم عمق السادات الانفتاح وربطه بالتحيز والخضوع للولايات المتحدة والصهاينة، واستمر مبارك في نفس الطريق.
إذن جاءت فترة امتدت من 1967 وحتي 2011، استغرق فيها المجتمع المصري في النوم، دون أن يكون له وزن في المنطقة ولا في العالم. إننا ندخل اليوم في مد ثوري جديد، يمكن أن تكون حدوده أفضل من المد الثوري الطويل، وأعتقد أن التوعية في ظل الظروف العالمية والمحلية المختلفة يمكن أن يكون لها دور في تحقيق ذلك. وأعتقد أن المد سيستمر بعد الانتخابات ولن يتوقف.
-2-
كيف يري سمير أمين المستقبل إذن في إطار تلك المعطيات؟
يجيب: الانتخابات ستكون حدثا هاما، ولكن لا أعلق عليها أي أهمية، وأعتقد أنها نظرا للظروف المهيمنة وعدم استطاعة الأحزاب الجديدة تقوية نفسها في الشارع، فأظن أن الانتخابات ستأتي بنتيجة سيئة، بمعني أن القوي الرجعية سوف تنتصر، وأتصور أن البرلمان القادم سيكون شبيها بالبرلمان قبل الأخير، سوف يكون ثلثه من الإخوان، ونصفه من الحزب الوطني القديم، وربما أكثر من النصف، وسيكون هناك هامش يمثل أطراف ما أسميه بالبرجوازية الليبرالية الديمقراطية، فضلا عن تمثيل بسيط لبعض الحركات الجديدة مثل 6 ابريل، واليسار.
يضيف أمين: أظن أن الأهم الآن أنه ينبغي أن يتم تكوين جبهة وطنية ديمقراطية شعبية تجمع العناصر المختلفة المكونة للحركة، بصفة خاصة الشباب، الأحزاب التقدمية، النقابات الحرة المستقلة، وحركة صغار الفلاحين، وحركات المرأة، ومنظمات حقوق الإنسان ..هذا التكتل ينبغي أن يلعب دورا في الصراع الطبقي، والدفاع عن الاضرابات العمالية ونقد سياسة الدولة، أي أن يمكن أن يتحول إلي قوي ضغط ويستطيع أن يوقف حركة الثورة المضادة التي تضم الأحزاب الرجعية التي نشأت بعد حل الحزب الوطني.
أسأله: تقصد الأحزاب الخمسة التي تشكلت من أعضاء الحزب الوطني السابقين؟
يجيب: نعم، وقد كانت حركة ذكية منهم، بدلا من أن يؤسسوا حزبا واحد أسسوا خمسة احزاب وكأن هناك اختلافات وفروقاً بينهم، تلك الطبقة موجودة وتتحكم حتي الآن في الاقتصاد وتقود الثورة المضادة، مع الإخوان المسلمين بوصفهم حزبا رجعيا.

أسأله: ولكن حسب الاعلان الدستور.. ستكون اللجنة المشكلة للدستور الجديد من البرلمان ..هذا يعني أن الأغلبية ( فلول الحزب الوطني) هي من ستصيغ الدستور القادم ..ولن يتغير شيء؟
يجيب: الدستور القادم سيكون أسوأ في بعض الجوانب وأفضل في جوانب أخري. سيكون هناك تغيير في مدد حكم رئيس الجمهورية، ولكن سيحاول الإخوان المسلمين تمرير بند بأن يتم تشكيل مجلس علماء وفقهاء ينظر في شرعية القوانين، التي تصدر عن البرلمان، وهذا يقودنا إلي دولة علي الطريقة الإيرانية، وهذا يلغي أيضا حرية الأحزاب الأخري. ولذا الأهم هو تشكيل تلك الجبهة الديمقراطية الشعبية علي أسس فاعلة، بحيث تكون منبرا للقوي المجتمعية المحركة للمجتمع المصري. قد تتخذ هذه القوي شكل البرلمان الموازي، الذي سيقوي من خلال تأييده للاحتجاجات والاضرابات. وهذا يثبت أهمية العمل الجماعي الذي أكدته ثورة يناير، التي خرجت بقوة الشعب في مواجهة قوة البوليس، وانتصر الشعب.
يوضح أمين: المصيبة أن البعض لا يريد أن يميز بين التحالفات الانتخابية والتحالفات الاجتماعية، هما شيئان مختلفان تماما، التحالفات الانتخابية تكون انتهازية وهذه التحالفات لا أعلق عليها أهمية كبري، لابد أن نعطي أهمية للتحالفات الاجتماعية لأنها ستؤدي إلي ممارسة ديمقراطية حقيقية.
- أسأله ولكن البعض يري أن الانتخابات تعني توقف الاحتجاجات والعودة إلي فكرة الاستقرار التي كان يتحدث عنها نظام مبارك دائما؟
يجيب: هذا ما أخشاه، أن يتقبل الناس فكرة أن الانتخابات ستحل كل المشكلات، وبعدها تكون الثورة قد انتهت وطويت صفحتها. هذا مشروع الرجعية الذي يتبناه الإخوان المسلمين لصالح الأمريكان وإسرائيل والسعودية، وهذه القوي الثلاث مصلحتها المشتركة إجهاض الثورة المصرية، لأن قوة مصر تعني أن يصبح الخليج بلا أهمية ولا وزن، وأيضا لكي تستمر إسرائيل في سياستها التصعيدية علي حساب الشعب الفلسطيني لا تحتاج إلي حياد مصر ولكن ضعفها أيضا. ولعل أوباما اوضح في الأسبوع الأول للثورة المصرية أن المطلوب تعديل النظام لا إسقاطه، وقدر من الديمقراطية، ولذا علي الفور دخل الأمريكان في حوار مع الإخوان المسلمين، وأعطوهم شهادة الديمقراطية بحيث تصبح الانتخابات القادمة هي نهاية الثورة.
وماذا عن المجلس العسكري؟
- أعتقد أن المجلس لا يريد أن يظهر في مقدمة المسرح، يريد فقط أن يحكم من وراء الستار.
- إذن الرئيس القادم سيكون مجرد صورة؟
- ربما، ولكن أظن.. سيكون هناك تحالف من عناصر البرجوازية المصرية، ذو جناحين، عسكري ومدني، علي طرف المساواة، ليس بينهما صراع.
- من الأسماء المرشحة.. من الأقرب؟
يجيب: لا أعرف ولكن أظن أنه سيكون اخوانيا ويقدم نفسه بشكل مدني.
اسأله: ولكن في تلك الحال ستئول مصر إلي دولة دينية قد تقلق الغرب؟
يجيب: هدف أمريكا ليس دمقرطة المجتمع المصري أو السياسة المصرية، لنكن واقعيين، التحالف الرئيسي لأمريكا مع الإسلام الرجعي الخليجي، وهم يتمنون أن تصبح مصر كذلك، ويشارك الإخوان في الحكم، وأظن أنه ليس لدي الإخوان أي موانع لتقبل تقديم تنازلت مقابل الوصول للسلطة.. ربما تكون مصر علي النمط الباكستاني، هناك برلمان اسلامي منتخب، وجيش يحكم من وراء الستار وهو أيضا إسلامي، ويتدخل بين الحين والآخر ليصفي الخلافات بين الأطراف المتصارعة. نمط الحكم هناك: نصف مدني، نصف إسلامي، والجيش يتحكم من وراء الستار منعا لحدوث الفوضي.. قد يكون هذا هو السيناريو المعد لمصر.
- أنت تقدم سيناريوهات متشائمة؟
يجيب: لست متشائما علي الإطلاق، تاريخ مصر كما قلت عبارة عن موجات مد وجزر ونحن الآن في موجة مد.
-3-
أسأله: هل تري أن الثورة وقعت في أخطاء؟
يجيب: لا أري أخطاء كبيرة حتي الآن ولكن الأخطاء ستظهر في التحالفات الانتخابية، لأن الانتخابات بطبيعتها انتهازية. مثلا كنت أتصور أن قيادات حزب الوفد ستكون أذكي من الدخول في تحالف مع الإخوان المسلمين، رغم أن دور الإخوان الرجعي واضح للجميع ومعروف، فقد ساندوا ديكتاتورية صدقي ضد الوفد، وخرجوا من التحالف الثوري عام 46، وتحالفوا مع النقراشي.. وفي كل مرة يلعبون نفس الدور، ونقدي للإخوان ليس كونهم "إسلاميين" ولكن لسياستهم الرجعية، فقد وقفوا الآن ضد الإضرابات العمالية، وضد صغار الفلاحين.
- ولكن ماذا عن مستقبل الإخوان بعد الثورة، هم اكتسبوا حضورهم من كونهم مضطهدين من النظام السابق؟
- فكرة اضطهادهم في حاجة إلي مراجعة، السادات أعادهم من الخليج مليونيرات، وترك لهم هو ومبارك مهمة إدارة مؤسسات هامة وأساسية في الدولة، مثل التعليم والثقافة والقضاء والإعلام.. هل تتصور أن تعطي السلطة ما يسمي بالمعارضة المدارس والمحاكم والتلفزيون؟! الإخوان كانوا جزءا من النظام، وحتي يستفيدوا من وجودهم داخل الكتلة الحاكمة ويظهروا وكأنهم معارضين، كانوا في حاجة إلي احتكاكات حتي ينسي الشعب كونهم جزءا من السلطة.. أعتقد أن الكلام عن اضطهادهم كذب وكلام فارغ!
- ولكنهم كانوا في سجون النظام؟
- عدد صغير منهم، ولكن شيوخهم كانوا يصدعوننا كل يوم في أجهزة الإعلام، ويسيطرون علي عدد كبير من المدارس الخاصة.
-4-
أسأله: تحدثنا عن ثورة يوليو.. هل تري أن ثورة 25 يناير هي نقيض ليوليو أم مكملة لها؟
يجيب: نقيضة ومكملة في الوقت ذاته، هي ثورة شعبية، أما 52 فإنقلاب عسكري جاء لتتويج لمرحلة مد، وبالتالي لقي قبولا من فئات مختلفة من المجتمع المصري، ولكن العنصر المشترك بين الإثنين أن يوليو أنجزت استقلالا وطنيا، وتعديلات اجتماعية، ولكن كل ذلك بدون ديمقراطية، النظام الناصري كان قائما علي إلغاء أي شكل من أشكال الديمقراطية، عبد الناصر أمم السياسة في مصر، كما كان سيد محمد أحمد يقول دائما، وألغي الطرفين الأساسيين في الحياة السياسية المصرية، الطرف الليبرالي البرجوازي، والطرف الشعب اليساري، وخلق بذلك فراغاً كبيراً احتله الإسلام السياسي. ثورة 25 يناير تحاول خلق عدالة اجتماعية وإصلاحاً مع ديمقراطية.
أسأله: لو خيرت بين حكم الإخوان المسلمين (عبر صندوق الانتخاب) أو حكم عسكري ( تأميم الحياة السياسية مرة أخري)..أيهما تفضل؟
يضحك: أنت تخيرني بين الطاعون والملاريا.. وتفترض الأسوأ.. أعتقد أن كلا السيناريوهين سيجعل مصر علي حافة انتفاضة أخري بعد عامين، لأن الظروف الاجتماعية ستظل كما هي، بل ستتدهور، والناس ستكتشف أن كلام الإخوان كذب، وأنهم ليسوا أعداء للصهيونية أو الرأسمالية في شكلها المتوحش، وسيخرجون ضدهم. لا أستبعد الأسوأ، ولكن أنا متفاءل لأن الشعب المصري قام وبدأ يفكر لنفسه.
1
لم يتوقع سمير أمين ما جري في 25 يناير، وإن كان يري أن حركتي كفاية، و6 ابريل أثبتا قوة هائلة.. كان يعلن دائما بدا الغليان في الشارع، هذا الغليان سيؤدي إلي إصلاح، ولكن الاصلاح أصبح " ثورة" لأن النظام لم يلتفت إلي ضرورة الإصلاح.
كانت البداية عن التصور الذي طرحه في كتابه " ثورة مصر" معتبرا إياه " أكبر من انتفاضة" ..و"أقل من ثورة" هل لا يزال مصرا علي رؤيته؟
يجيب: ما جري في مصر حدث كبير بلا شك .. ويمكن ان تتخذ الثورة أشكالا عديدة، ولكن لابد لكي نسمي ما جري " ثورة" من تحقيق ثلاثة اشياء أساسية. العدالة الاجتماعية ولن يحدث ذلك إلا بسياسة اقتصادية مختلفة من الأصل عما كان سائدا، ثانيا ديمقراطية حقيقية للمجتمع، وهذه أكثر من مجرد انتخابات وإنما دمقرطة للعلاقات الاجتماعية في العائلة والعمل، وثالثا تحقيق استقلالية للوطن في المنظومة العالمية . وللأسف الثورة لم تحقق أياً من هذه الأهداف حتي الآن، ولكنها كأهداف موجود بقوة في أذهان الشباب.
أسأله .. ولكن نحن أمام حدث كبير.. قد لا يحقق أهدافه ولكن عدم تحقيق تلك الأهداف لا ينفي عنه كونه ثورة؟
يجيب: لذا اسمي ما حدث " خطوة ثورية" ..تلك خطوة أولي وستتلوها خطوات أخري، ولذلك أتحدث دائما عن أن التاريخ المصري يشهد فترات مد وجزر طويلة، ونحن حالياً في فترة "مد"، وعندما تطول الموجة تكون هناك انتصارات وهزائم ولكن ليست الانتصارات نهائية وحاسمة، ولا الهزائم أيضا.
- في تقديرك ما الإنجاز الأهم الذي حققته الثورة المصرية حتي الآن؟
يجيب: أنجزت الثورة شيئاً واحداً، ولكنه انجاز هام، كنا في مرحلة جزر استمرت 40 عاما، الناس فقدوا أي أمل في قدراتهم. النظام هو النظام، كان الشعار المعلن " مافيش فايدة" ..التكيف الفردي هو الحل الوحيد. الثورة أثبتت العكس، أن العمل الجماهيري يمكن أن يعطي نتائج هامة، حتي وإن كانت هذه النتائج رمزية. وأنا عندما أتحدث مع الناس البسطاء في الشارع، او سائقي التاكسي، دائما يخبرونني بأن الظروف الاجتماعية سيئة ولكن عندنا أمل، وهذا تغيير هام، ومراحل المد تبدأ دائما بذلك.
يوضح سمير أمين فكرته عن " المد والجزر" :
أنظر إلي تاريخ مصر المعاصر باعتباره تاريخ مد ثوري طويل، ثم جذر طويل أيضا،
المد الأول بدأ في القرن التاسع عشر مع محمد علي واستمر حتي الخديو اسماعيل، ثم حدث جزر استمر حتي 1919، أغرقنا في هذه الفترة بالديون، والاحتلال الانجليزي، ثم حد مد مع ثورة 19 استمر حتي هزيمة 67.
أساله: تعتبر ثورة يوليو امتداداً لما حدث في ثورة 19؟
- بالتأكيد هي امتداد وليست بداية. شكل الوفد المرحلة الأولي في هذا المد وكانت الفترة من 1920 إلي 1924 المرحلة الأكثر تقدمية وديمقراطية في تاريخ مصر المعاصر. وحدثت بعدها ردة نتيجة خيانة جزء من القيادة الوفدية في عام 1924 إنطلاقا من سعد زغلول نفسه بضربة الحزب الشيوعي الأول والتيار اليساري داخل حزب الوفد.
ولحقه بعد ذلك في هذا الطريق السعديون وغيرهم وتبعتها ردة ديكتاتورية صدقي وتأسيس حركة الإخوان المسلمين، ليعود بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، انطلاقاً من 21 فبراير 1946. فاتخذ المد الثوري شكلاً متجدداً يتمثل في التحالف بين الطلبة كممثلين للفئات الوسطي الديمقراطية والمعادية للاستعمار، والطبقة العاملة والشيوعيين. بدأت الردة بخيانة الإخوان المسلمين للحركة، لصالح صدقي باشا ثم عادت الحركة لتستمر بعودة الوفد للحكم ثم الردة أيضا التي تمثلت في حريق القاهرة الذي لعب الإخوان المسلمون دورا فيه، ثم الانقلاب العسكري. فالانقلاب الأول لعام 1952 ثم الانقلاب الثاني لعام 1954 لم يمثلا "نشأة الثورة" بل مثلا الفصل الأخير للمد الثوري أو تاج المرحلة. ثم أنتج النظام الجديد ما أنتجه وتبلوَّر في الناصرية بين 1954 و1956، في أعقاب مؤتمر "باندونج" وإظهار النظام لمواقف معادية للاستعمار للمرة الأولي منذ 1952. كانت الناصرية في واقع الأمر محصلة لفترة وليست انطلاقة لمرحلة جديدة كما حاول عبد الناصر أن يعطي لنفسه صورة مزيفة كمجدد في الحياة المصرية بينما الواقع أنه أنهي الموجة الثورية. فأنتج النظام ما كان المجتمع المصري قادرا علي إنتاجه من نظام معاد للاستعمار كما حقق إصلاحات اجتماعية (لا اشتراكية) بمعني تحقيق بعض المكاسب والإصلاحات في صالح الطبقات الشعبية ولكن بشكل فوقي وغير ديمقراطي. فالنظام رفض الديمقراطية والجذرية. أنتج ذلك ما كان يستطيع أن ينتجه في ظرف 10 سنوات لا أكثر، ثم دخل في أزمة بعد ما بلغ حدوده وفقد نفسه. وانتهز الاستعمار الأمريكي عن طريق الصهاينة هذا الضعف وضربه في 67.
- مرحلة الجزر بدأت منذ 67 وحتي انتهت بثورة 25 يناير؟
- طبعا، حيث فقدت مصر دورها في السياسة الإقليمية، ودورها الاقتصادي.
- ولكن البعض يري أن الانهيار بدأ مع الانفتاح الاقتصادي وكامب ديفيد؟
يجيب: الانفتاح بدا مع عبد الناصر. بعد 67 كان أمامه خياران، بناء نظام ديمقراطي حقيقي، أو تقديم تنازلات للغرب وقد فضل مثل أي ديكتاتور تقديم تنازلات لليمين عن طريق فتح باب انفتاح اقتصادي، علي خيار تجذير النظام. ثم عمق السادات الانفتاح وربطه بالتحيز والخضوع للولايات المتحدة والصهاينة، واستمر مبارك في نفس الطريق.
إذن جاءت فترة امتدت من 1967 وحتي 2011، استغرق فيها المجتمع المصري في النوم، دون أن يكون له وزن في المنطقة ولا في العالم. إننا ندخل اليوم في مد ثوري جديد، يمكن أن تكون حدوده أفضل من المد الثوري الطويل، وأعتقد أن التوعية في ظل الظروف العالمية والمحلية المختلفة يمكن أن يكون لها دور في تحقيق ذلك. وأعتقد أن المد سيستمر بعد الانتخابات ولن يتوقف.
2
كيف يري سمير أمين المستقبل إذن في إطار تلك المعطيات؟
يجيب: الانتخابات ستكون حدثا هاما، ولكن لا أعلق عليها أي أهمية، وأعتقد أنها نظرا للظروف المهيمنة وعدم استطاعة الأحزاب الجديدة تقوية نفسها في الشارع، فأظن أن الانتخابات ستأتي بنتيجة سيئة، بمعني أن القوي الرجعية سوف تنتصر، وأتصور أن البرلمان القادم سيكون شبيها بالبرلمان قبل الأخير، سوف يكون ثلثه من الإخوان، ونصفه من الحزب الوطني القديم، وربما أكثر من النصف، وسيكون هناك هامش يمثل أطراف ما أسميه بالبرجوازية الليبرالية الديمقراطية، فضلا عن تمثيل بسيط لبعض الحركات الجديدة مثل 6 ابريل، واليسار.
يضيف أمين: أظن أن الأهم الآن أنه ينبغي أن يتم تكوين جبهة وطنية ديمقراطية شعبية تجمع العناصر المختلفة المكونة للحركة، بصفة خاصة الشباب، الأحزاب التقدمية، النقابات الحرة المستقلة، وحركة صغار الفلاحين، وحركات المرأة، ومنظمات حقوق الإنسان ..هذا التكتل ينبغي أن يلعب دورا في الصراع الطبقي، والدفاع عن الاضرابات العمالية ونقد سياسة الدولة، أي أن يمكن أن يتحول إلي قوي ضغط ويستطيع أن يوقف حركة الثورة المضادة التي تضم الأحزاب الرجعية التي نشأت بعد حل الحزب الوطني.
أسأله: تقصد الأحزاب الخمسة التي تشكلت من أعضاء الحزب الوطني السابقين؟
يجيب: نعم، وقد كانت حركة ذكية منهم، بدلا من أن يؤسسوا حزبا واحد أسسوا خمسة احزاب وكأن هناك اختلافات وفروقاً بينهم، تلك الطبقة موجودة وتتحكم حتي الآن في الاقتصاد وتقود الثورة المضادة، مع الإخوان المسلمين بوصفهم حزبا رجعيا.
أسأله: ولكن حسب الاعلان الدستور.. ستكون اللجنة المشكلة للدستور الجديد من البرلمان ..هذا يعني أن الأغلبية ( فلول الحزب الوطني) هي من ستصيغ الدستور القادم ..ولن يتغير شيء؟
يجيب: الدستور القادم سيكون أسوأ في بعض الجوانب وأفضل في جوانب أخري. سيكون هناك تغيير في مدد حكم رئيس الجمهورية، ولكن سيحاول الإخوان المسلمين تمرير بند بأن يتم تشكيل مجلس علماء وفقهاء ينظر في شرعية القوانين، التي تصدر عن البرلمان، وهذا يقودنا إلي دولة علي الطريقة الإيرانية، وهذا يلغي أيضا حرية الأحزاب الأخري. ولذا الأهم هو تشكيل تلك الجبهة الديمقراطية الشعبية علي أسس فاعلة، بحيث تكون منبرا للقوي المجتمعية المحركة للمجتمع المصري. قد تتخذ هذه القوي شكل البرلمان الموازي، الذي سيقوي من خلال تأييده للاحتجاجات والاضرابات. وهذا يثبت أهمية العمل الجماعي الذي أكدته ثورة يناير، التي خرجت بقوة الشعب في مواجهة قوة البوليس، وانتصر الشعب.
يوضح أمين: المصيبة أن البعض لا يريد أن يميز بين التحالفات الانتخابية والتحالفات الاجتماعية، هما شيئان مختلفان تماما، التحالفات الانتخابية تكون انتهازية وهذه التحالفات لا أعلق عليها أهمية كبري، لابد أن نعطي أهمية للتحالفات الاجتماعية لأنها ستؤدي إلي ممارسة ديمقراطية حقيقية.
ولكن البعض يري أن الانتخابات تعني توقف الاحتجاجات والعودة إلي فكرة الاستقرار التي كان يتحدث عنها نظام مبارك دائما؟
يجيب: هذا ما أخشاه، أن يتقبل الناس فكرة أن الانتخابات ستحل كل المشكلات، وبعدها تكون الثورة قد انتهت وطويت صفحتها. هذا مشروع الرجعية الذي يتبناه الإخوان المسلمين لصالح الأمريكان وإسرائيل والسعودية، وهذه القوي الثلاث مصلحتها المشتركة إجهاض الثورة المصرية، لأن قوة مصر تعني أن يصبح الخليج بلا أهمية ولا وزن، وأيضا لكي تستمر إسرائيل في سياستها التصعيدية علي حساب الشعب الفلسطيني لا تحتاج إلي حياد مصر ولكن ضعفها أيضا. ولعل أوباما اوضح في الأسبوع الأول للثورة المصرية أن المطلوب تعديل النظام لا إسقاطه، وقدر من الديمقراطية، ولذا علي الفور دخل الأمريكان في حوار مع الإخوان المسلمين، وأعطوهم شهادة الديمقراطية بحيث تصبح الانتخابات القادمة هي نهاية الثورة.
وماذا عن المجلس العسكري؟
- أعتقد أن المجلس لا يريد أن يظهر في مقدمة المسرح، يريد فقط أن يحكم من وراء الستار.
- إذن الرئيس القادم سيكون مجرد صورة؟
- ربما، ولكن أظن.. سيكون هناك تحالف من عناصر البرجوازية المصرية، ذو جناحين، عسكري ومدني، علي طرف
المساواة، ليس بينهما صراع.
- من الأسماء المرشحة.. من الأقرب؟
يجيب: لا أعرف ولكن أظن أنه سيكون اخوانيا ويقدم نفسه بشكل مدني.
ولكن في تلك الحال ستئول مصر إلي دولة دينية قد تقلق الغرب؟
يجيب: هدف أمريكا ليس دمقرطة المجتمع المصري أو السياسة المصرية، لنكن واقعيين، التحالف الرئيسي لأمريكا مع الإسلام الرجعي الخليجي، وهم يتمنون أن تصبح مصر كذلك، ويشارك الإخوان في الحكم، وأظن أنه ليس لدي الإخوان أي موانع لتقبل تقديم تنازلت مقابل الوصول للسلطة.. ربما تكون مصر علي النمط الباكستاني، هناك برلمان اسلامي منتخب، وجيش يحكم من وراء الستار وهو أيضا إسلامي، ويتدخل بين الحين والآخر ليصفي الخلافات بين الأطراف المتصارعة. نمط الحكم هناك: نصف مدني، نصف إسلامي، والجيش يتحكم من وراء الستار منعا لحدوث الفوضي.. قد يكون هذا هو السيناريو المعد لمصر.
- أنت تقدم سيناريوهات متشائمة؟
يجيب: لست متشائما علي الإطلاق، تاريخ مصر كما قلت عبارة عن موجات مد وجزر ونحن الآن في موجة مد.
3
هل تري أن الثورة وقعت في أخطاء؟
يجيب: لا أري أخطاء كبيرة حتي الآن ولكن الأخطاء ستظهر في التحالفات الانتخابية، لأن الانتخابات بطبيعتها انتهازية. مثلا كنت أتصور أن قيادات حزب الوفد ستكون أذكي من الدخول في تحالف مع الإخوان المسلمين، رغم أن دور الإخوان الرجعي واضح للجميع ومعروف، فقد ساندوا ديكتاتورية صدقي ضد الوفد، وخرجوا من التحالف الثوري عام 46، وتحالفوا مع النقراشي.. وفي كل مرة يلعبون نفس الدور، ونقدي للإخوان ليس كونهم "إسلاميين" ولكن لسياستهم الرجعية، فقد وقفوا الآن ضد الإضرابات العمالية، وضد صغار الفلاحين.
- ولكن ماذا عن مستقبل الإخوان بعد الثورة، هم اكتسبوا حضورهم من كونهم مضطهدين من النظام السابق؟
- فكرة اضطهادهم في حاجة إلي مراجعة، السادات أعادهم من الخليج مليونيرات، وترك لهم هو ومبارك مهمة إدارة مؤسسات هامة وأساسية في الدولة، مثل التعليم والثقافة والقضاء والإعلام.. هل تتصور أن تعطي السلطة ما يسمي بالمعارضة المدارس والمحاكم والتلفزيون؟! الإخوان كانوا جزءا من النظام، وحتي يستفيدوا من وجودهم داخل الكتلة الحاكمة ويظهروا وكأنهم معارضين، كانوا في حاجة إلي احتكاكات حتي ينسي الشعب كونهم جزءا من السلطة.. أعتقد أن الكلام عن اضطهادهم كذب وكلام فارغ!
- ولكنهم كانوا في سجون النظام؟
- عدد صغير منهم، ولكن شيوخهم كانوا يصدعوننا كل يوم في أجهزة الإعلام، ويسيطرون علي عدد كبير من المدارس الخاصة.
4
تحدثنا عن ثورة يوليو.. هل تري أن ثورة 25 يناير هي نقيض ليوليو أم مكملة لها؟
يجيب: نقيضة ومكملة في الوقت ذاته، هي ثورة شعبية، أما 52 فإنقلاب عسكري جاء لتتويج لمرحلة مد، وبالتالي لقي قبولا من فئات مختلفة من المجتمع المصري، ولكن العنصر المشترك بين الإثنين أن يوليو أنجزت استقلالا وطنيا، وتعديلات اجتماعية، ولكن كل ذلك بدون ديمقراطية، النظام الناصري كان قائما علي إلغاء أي شكل من أشكال الديمقراطية، عبد الناصر أمم السياسة في مصر، كما كان سيد محمد أحمد يقول دائما، وألغي الطرفين الأساسيين في الحياة السياسية المصرية، الطرف الليبرالي البرجوازي، والطرف الشعب اليساري، وخلق بذلك فراغاً كبيراً احتله الإسلام السياسي. ثورة 25 يناير تحاول خلق عدالة اجتماعية وإصلاحاً مع ديمقراطية.
لو خيرت بين حكم الإخوان المسلمين (عبر صندوق الانتخاب) أو حكم عسكري ( تأميم الحياة السياسية مرة أخري)..أيهما تفضل؟
يضحك: أنت تخيرني بين الطاعون والملاريا.. وتفترض الأسوأ.. أعتقد أن كلا السيناريوهين سيجعل مصر علي حافة انتفاضة أخري بعد عامين، لأن الظروف الاجتماعية ستظل كما هي، بل ستتدهور، والناس ستكتشف أن كلام الإخوان كذب، وأنهم ليسوا أعداء للصهيونية أو الرأسمالية في شكلها المتوحش، وسيخرجون ضدهم. لا أستبعد الأسوأ، ولكن أنا متفاءل لأن الشعب المصري قام وبدأ يفكر لنفسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.