التكنولوجيا المالية تشير إلى استخدام البرمجيات والمنصات الرقمية لتقديم الخدمات المالية للمستهلكين. وغالبا ما يواجه استخدام هذه التطبيقات الرقمية عوائق سببها نماذج الأعمال القائمة وتتطلب إيجاد قنوات جديدة وفعالة لتقديم الخدمات. وأصبح الوصول إلى المنتجات والخدمات المالية أكثر قابلية للتحقيق من أي وقت مضى، وخاصة بالنسبة لفئات المتعاملين الذين يعيشون في المناطق الريفية أو المناطق المحرومة من الخدمات المالية. فالتكنولوجيا المالية لا تجعل هذه المنتجات والخدمات أكثر سهولة فحسب، بل يمكن أيضا أن تجعلها أقل تكلفة من خلال خفض تكلفة مزاولة الأعمال للمؤسسات المالية، وبالتالي يمكن الاستفادة من تخفيض التكلفة بتوفير خدمات بتكلفة أقل الى المستفيدين من الخدمات المالية. يضاف الى هذه الميزة توافر التليفونات الذكية بأسعار معقولة وكذلك انتشارشبكات التليفون المحمول على نطاق واسع حتى أنه يمكن القول أن حرمان الأفراد من الخدمات المالية لن يكون له وجود في المستقبل. وهذا هو غاية الشمول المالي. والشمول المالي ليس مجرد وجود حساب مصرفي للجميع في المجتمع، بل يتعلق الأمر بإنشاء منظومة تُمكن الأفراد وتشجعهم على استخدام الأدوات المالية في حياتهم اليومية للتمتع الخدمات التي يتيحها النظام المالي الرسمي وهي الدفع والائتمان والتأمين والاستثمار. وهنا يمكن تسخير التكنولوجيا المالية والاتصالات الحديثة من خلال تطبيقات سهلة الاستخدام لتحقيق أهداف الشمول المالي وإحداث أثر ملموس على الفئات المحرومة من الخدمات المالية للاستفادة من المزايا التي توفرها المؤسسات المالية، وعلى رأسها البنوك. إن القدرة على دفع وتلقي الأموال هي حاجة أساسية لأفراد المجتمع . ولطالما لبى تداول الأموال النقدية هذه الحاجة منذ أن عرفت المجتمعات النقود واستخدمتها كوسيلة للدفع. لذلك أدى الاستخدام المتنامي للنقد كوسيلة أساسية لتسديد المدفوعات إلى إنشاء بنية تحتية مُكلفة لإدارة النقد، وتم تطوير طرق مبتكرة لتبسيط نظم إدارة النقد وجعلها أكثر سهولة وكفاءة. وفي السنوات القليلة الماضية مع التطور التكنولوجي، استُحدثت وسائل للمدفوعات يتم من خلالها استبدال العملات النقدية بالعملات الرقمية، غير أن هذه الوسائل الحديثة للمدفوعات تبدو حلما بعيد المنال لمصر لأسباب تقنية وتشريعية. في الآونة الأخيرة كان هناك الكثير من الحديث عن مساعي نحو التخلص التدريجي لاستخدام العملات النقدية لصالح المدفوعات الإلكترونية. وتوقع جون كريان، الرئيس التنفيذي لشركة دويتشه بنك، أن تختفي العملة النقدية خلال عقد من الزمان. ومع ذلك، عند النظر إلى عادات الإنفاق في ألمانيا التي تعد أكبر اقتصاد في أوروبا، لا يبدو أن هذا الافترض يمكن أن يتحقق. فما بالك بالحال في دولة مثل مصر. جعلت الزيادة السريعة في استخدام الهواتف الذكية والإنترنت حلم استخدام العملات الالكترونية يبدو أكثر واقعية في العشر سنوات القادمة، وخصوصا مع استخدام التكنولوجيات الحديثة التي تحل محل العملات النقدية. دعونا نتذكر مصر في التسعينيات عندما كانت بطاقات الائتمان ابتكارا حديثاً . استغرق الأمر عدة سنوات حتى أصبح العملاء أكثر اعتمادا عليها بدلا من استخدام العملات النقدية في تسوية المدفوعات. وبالمثل استخدام الانترنيت في التسوق الالكتروني وسداد القيمة باستخدام بطاقة الإئتمان أو الخصم المباشر أو البطاقة المدفوعة مقدما. والآن نرى انتشار بطيئ للمحافظ الالكترونية واستخدام التليفون المحمول في تسديد المدفوعات كوسيلة مريحة وآمنة للاستخدام. ربما يكون من المثير للاهتمام أن نرى أي من هذه الوسائل التكنولوجية تأخذ مركز الصدارة في تسوية المعاملات. يمكن أن تقدم المدفوعات الالكترونية كحل لجعل الفئات التي لا تتعامل مع البنوك أو التي لديها تعاملات محدوة تبدوا ذات جدارة ائتمانية مقبولة لدى البنوك. على سبيل المثال، في الصين حصل الملايين من صغار التجار على القروض استنادا إلى بيانات عن معاملاتهم باستخدام التجارة الإلكترونية والمدفوعات الالكترونية . وفي الهند، بدأ هذا الاتجاه مؤخرا مع شركات التمويل التي تتحالف مع شركات التجارة الإلكترونية في منح القروض إلى تجار التجزئة الصغار الذين يبيعون عبر الإنترنت. والميزة هنا أن بائع التجزئة الصغير الذي يقبل الدفعات من خلال وسائل الدفع الالكترونية يصبح لديه بيانات أكثر موثوقية لإثبات جدارته الائتمانية، وسيكون لدى شركات التمويل المزيد من الثقة في منحه تمويل جديد بالمقارنة مع بائع التجزئة الذي يقوم بتسوية معاملاته نقدا. حتى في البلدان النامية التي تعاني مشاكل ضخمة في النظام المالي والبنية التحتية، اكتسبت المدفوعات الإلكترونية أرضية جيدة تحل محل الاستخدام التقليدي للنقد لتسوية المدفوعات. على سبيل المثال، في الصومال، البلد الذي تعافى بعد عقدين من الحرب الأهلية، يملك 51 من كل 100 شخص اشتراك في خدمة التليفون المحمول. تم استبدال النظام المصرفي المدمر بالكامل في البلاد باستخدام التليفون المحمول. وعن طريق استخدام أنظمة تحويل الأموال التى تشغلها شركة الاتصالات ، يستطيع الصوماليون نقل ما يعادل 3000 دولار أمريكي يوميا داخل الصومال. فبالنسبة للعديد من مواطني الصومال، فإن حملهم الأموال النقدية يجعلهم عرضة للخطر، حيث لا تزال المنطقة تعاني من الاضطرابات الاجتماعية. ومن ناحية أخرى، يمكن للمعاملات غير النقدية التي يتم تنفيذها الكترونيا أن تساعد في منع تمويل الإرهاب، وغسل الأموال، والاحتيال، والتهرب الضريبي، بسبب إمكانية تتبعها. بينما من الممكن للتعاملات النقدية أن تصب في نهاية المطاف في السوق السوداء أو الاقتصاد السري لأنه لا يمكن تتبع الطريقة التي تتم بها المدفوعات. يجب تسخير التكنولوجيا المالية لتحقيق نجاح ملموس من أجل تنشط المدفوعات الالكترونية، ومن ثم تحقيق أحد أهداف الشمول المالي. كما ينبغي الاستثمار في التكنولوجيا المناسبة لضمان تكلفة العملية تكون قليلة للغاية تكاد أن تقترب من الصفر. سواء كانت معاملة من شخص إلى شخص أو معاملة من شخص إلى تاجر، فإن تحويل الأموال من حساب إلى حساب آخر يجب أن تحدث بتكلفة منخفضة للغاية. على الرغم من المزايا التي يوفرها أداء المدفوعات من خلال الوسائل الالكترونية، سوف تستمر نسبة استخدام الأموال النقدية في المجتمع في النمو بمعدلات مختلفة بسبب القيم والعادات السائدة .ومع ذلك يمكن أن يحدث التحول نحو اقتصاد غير نقدي، بشرط أن توفر شركات التكنولوجيا مجموعة من الحلول المناسبة لهذا التحول.