تفرَّست وجوه الميدان.. تأملتها مليًا.. وقفت عند أطرافه المتناثرة.. أبحث عن وجوه الثوار، الذين صنعنا معهم أعظم الثورات. ضاعت ملامح الثوار.. وتاهت معالمهم وسط حشود من 'الغرباء' احتلوا جنبات الميدان، وتسيروا مقدمته.. وجوه تحمل ملامح شاردة تبدو غريبة عن 'مصنع الصدق' الذي أفرز لنا أنبل الشباب الذين رسموا بدمائهم الزكية أعظم الثورات في تاريخ البشرية. ليس هذا بميدان التحرير ولا يحمل من اسمه غير بقايا عنوان وصفحات ذبلت بفعل آلة الزمن والتي بدلت واقعه وقلبت مفرداته واسقطته أسيرًا لثلة من المشبوهين سياسيًا والمحملين بآفات المجتمع وأمراضه من بلطجة وإجرام وإرهاب. ليس هؤلاء من الثوار الحقيقيين فالثوار الحقيقيون الذين تواجدوا في الميدان فقدوا القدرة علي السيطرة أمام حجافل الممولين داخليًا وخارجيًا.. عانوا مثل كل الشرفاء أفاعيل سدنة الباطل وبقايا النظام الساقط والعملاء الذين كرسوا حياتهم لخدمة مخططات الشيطان وسلوك أساليبه الممقوتة. ما نعرفه عن ثوار التحرير وشرفائه أنهم أبعد ما يكونون عن التخريب والقتل وتدمير مؤسسات بلدهم ووطنهم.. ثوار التحرير لا يمكن أبدًا أن يتحولوا لأداة تهدم مجد الثورة الذي بنوه وشيدوه بعرقهم وجهادهم، ولا يقبلون أبدًا أن يكونوا وسيلة أو أداة لإلحاق الضرر بمجتمعهم.. فهم الشرفاء الأطهار الذين خرجوا بصدورهم العارية ليطهروا الوطن من استبداد نظام طغي وتجبر وسيطر وتكبر حتي أخرجوا مصر كلها من النفق المظلم الذي قادنا إليه نظام الفساد والاستبداد والطغيان. هكذا تبدو الصورة جلية بالغة الوضوح فالذين أحرقوا المجمع العلمي والذين استباحوا حرمات الوطن ومن سعوا لإحراق مجلسي الشعب والشوري ومن اجتمعت أفئدتهم السوداء علي إضرام النار في قلب الوطن لا يمكن أن يكونوا ثوارًا بل هم ثلة من القتلة والبلطجية ومن أصحاب الأيدي العابثة والمستهترة والمتآمرة الذين يتربصون بأمن الوطن واستقراره بل هم من الحاقدين علي ثورته وثواره والساعين دومًا لإبقاء مصر رهن الاستبداد والحاجة الدائمة للخارجين علي النص والشرعية والقانون. هم المتآمرون لا محالة.. عقولهم الشريرة التي تحيك خطة التآمر ضد الوطن وأهله وأياديهم الطويلة التي تقذف بلهيب النار من قواعد الارتكاز في تل أبيب وواشنطن ومزرعة طرة إلي ركائز الوطن وأطرافه المتشعبة من مسرح البالون إلي ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية وغيرها من بؤر تكتوي بنار مشعلي الحرائق في قلب مصر. خطة جهنمية لا مراء فيها تنفذها جيوش منظمة وتقودها عقول متآمرة تفتح طاقات الشر في كل اتجاه ساعية لحرث أمن الوطن وتدمير كيانه وبنيانه تختلق من الذرائع ما يحقق لها بعض غاياتها ترفع شعارات كاذبة ورايات واهية تتغني بأهازيج الثورة وتنشد حب الوطن ولكنها ما فتئت تضرب الوطن في مقتل ناشرة سمها الزعاف في عقول أبنائه وقلوب مواطنيه لعلها تظفر بنصيب من مخطط الشر المتواصل بلا هوادة. مصر اليوم حاضرة الزمان والمكان وسيدة الأمم التي يسعون لتقويض تاريخها هي مصر التي استعصت علي الغزاة وقهرت الطغاة علي مر تاريخها هي مصر التي تنادي أبناؤها وشبابها في ميدان التحرير وميادين مصر أن طهروا ميادينكم واجتثوا تلك العناصر الضالة التي تسعي لحرق الوطن بما فيه.