تعليم الفيوم يحصد 5 مراكز متقدمة على مستوى الجمهورية فى المسابقة الثقافية    «مصادرة الآلة وإلغاء مادة الضبط».. إحالة 12 طالبًا ب«آداب وأعمال الإسكندرية» للتأديب بسبب الغش (صور)    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في أول أيام عمل البنوك    أسعار البيض والفراخ فى الأقصر اليوم الأحد 19 مايو 2024    الاحتلال الإسرائيلي يرتكب 9 مجازر في اليوم ال226 للعدوان على غزة    الدفاعات الجوية الروسية تدمر 61 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليلة الماضية    قبل زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا اليوم    اليوم.. الزمالك يسعى للفوز على نهضة بركان للتتويج بالكونفيدرالية للمرة الثانية في تاريخه    بعد نشرها على «شاومينج».. «التعليم» تكشف حقيقة تداول امتحان اللغة الأجنبية في الإسكندرية    مصرع 6 أشخاص وإصابة 13 آخرين في تصادم أتوبيس على الدائري بشبرا الخيمة    كشف تفاصيل صادمة في جريمة "طفل شبرا الخيمة": تورطه في تكليف سيدة بقتل ابنها وتنفيذ جرائم أخرى    الإثنين المقبل.. إذاعة الحوار الكامل لعادل أمام مع عمرو الليثي بمناسبة عيد ميلاده    دراسة طبية تكشف عن وجود مجموعة فرعية جديدة من متحورات كورونا    ترامب: فنزويلا ستصبح أكثر أمانًا من الولايات المتحدة قريبا    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 19 مايو    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    ماس كهربائي وراء حريق أكشاك الخضار بشبرا الخيمة    الأهلي ينشر صورا من وصول الفريق إلى مطار القاهرة بعد التعادل السلبي أمام الترجي    الفنان سامح يسري يحتفل بزفاف ابنته ليلى | صور    حظك اليوم وتوقعات برجك 19 مايو 2024.. مفاجأة للجوزاء ونصائح مهمة للسرطان    جانتس يطالب نتنياهو بالالتزام برؤية متفق عليها للصراع في غزة    تعرف على سعر الدولار اليوم في البنوك    ظاهرة عالمية فنية اسمها ..عادل إمام    بأسعار مخفضة.. طرح سلع غذائية جديدة على البطاقات التموينية    انخفاض أسعار الفائدة في البنوك من %27 إلى 23%.. ما حقيقة الأمر؟    خبير اقتصادي: صفقة رأس الحكمة غيرت مسار الاقتصاد المصري    رامي جمال يتصدر تريند "يوتيوب" لهذا السبب    8 مصادر لتمويل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وفقًا للقانون (تعرف عليهم)    استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة خلال اقتحامها بلدة جنوب جنين    الخارجية الروسية: مستقبل العالم بأسرة تحدده زيارة بوتين للصين    القومي للبحوث يوجه 9 نصائح للحماية من الموجة الحارة.. تجنب التدخين    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    بوجه شاحب وصوت يملأه الانهيار. من كانت تقصد بسمة وهبة في البث المباشر عبر صفحتها الشخصية؟    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    إجراء من «كاف» ضد اثنين من لاعبي الأهلي عقب مباراة الترجي    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    رقصة على ضفاف النيل تنتهي بجثة طالب في المياه بالجيزة    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    مدافع الترجي: حظوظنا قائمة في التتويج بدوري أبطال أفريقيا أمام الأهلي    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    وزير روسي: التبادلات السياحية مع كوريا الشمالية تكتسب شعبية أكبر    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من ورط وحيد حامد فى مسلسل "الجماعة 2"؟!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 19 - 06 - 2017


أخطاء تاريخية.. مغالطات درامية.. ضعف فنى
د. عاصم الدسوقى: الكاتب حول «الهندى» سيد قطب إلى محرك أحداث وآمر لثورة يوليو
د. أحمد يوسف يشكك فى كتابة وحيد حامد للمسلسل بسبب غياب لمساته الفنية
د. رفعت السعيد يتهم مسئول المادة التاريخية بأنه «ذو ميول إخوانية واضحة».
د. جمال شقرة يرد على انتماء عبدالناصر ل«الإخوان» ويكشف توظيفه لهم
كتب الشاعر السورى «أدونيس» كتاب «زمن الشعر»، فردّ الدكتور جابر عصفور بكتاب «زمن الرواية»، واحتدم النقاش بين المثقفين والنقاد: هل نحن فى زمن الشعر أم فى زمن الرواية؟، وعندما عُرض السؤال على د.عبد القادر القط قال: نحن لسنا فى زمن الشعر ولا فى زمن الرواية وإنما نحن فى عصر الصورة. وكان يقصد بذلك صورة الدراما التلفزيونية، التى اجتذبت الجماهير من كافة الطبقات وصرفتهم عن قراءة الفنين العريقين: الشعر والرواية.
فالدراما التلفزيونية خطيرة جدًا؛ لانتشارها الشديد الاتساع، وعمق تأثيرها فى مشاهديها، وترسيخ الصورة الذهنية التى تريد بثها فى عقولهم. ويزداد الأمر خطورة عندما يمتزج الدرامى بالتاريخى فى عمل واحد. هنا قد يصعب الفصل بين الحقيقة التاريخية الموضوعية الثابتة والحدث الدرامى الذى هو من صنع خيال المؤلف، ومن ثم يحمل وجهة نظره، وطبيعة الرسالة التى يريد إيصالها للملايين.
تلك هى الإشكالية التى يطرحها مسلسل « الجماعة 2» للكاتب والسيناريست وحيد حامد، الذى أثار الكثير من الجدل واللغط فى أوساط المثقفين والناصريين منهم على وجه الخصوص؛ لتعرض المسلسل لشخصية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وعلاقته الجدلية بالإخوان المسلمين، ومسألة انتمائه إليهم ثم انقلابه عليهم، وطريقة تفاعله مع زعمائهم الكبار كالمرشد حسن الهضيبى المتعالى المتغطرس، وسيد قطب الذى نراه يحضر اجتماعات مجلس قيادة الثورة ويتكلم وكأنه يملى الشروط ويفرض الوصاية.
فإلى أى مدى تصادمت الأحداث الدرامية مع الحقائق التاريخية فى دراما وحيد حامد؟ هل كان وحيد حامد منحازا لوجهة النظر الإخوانية سواء بقصد أو بغير قصد؟ هل ارتكب وحيد حامد أخطاء تاريخية أو زيفها؟ وإلى أى مدى كان موفقا فى البناء الدرامى الداخلى والخارجى لأبطال المسلسل الكبار: الزعيم جمال عبد الناصر جماعة الإخوان الوفديين والملك فاروق؟
هنا محاولة للإجابة عن كل تلك التساؤلات القلقة المنزعجة. وقد استقينا مضامين تلك الإجابات المدعومة بالمعلومات والحقائق من مصادرها الموثوقة من مؤرخين ونقاد دراما.
فى البداية يستهل د.جمال شقرة، أستاذ التاريخ المعاصر ومستشار جامعة عين شمس ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط حديثه ل«الأسبوع» بشن هجوم شرس على وحيد حامد مخاطبًا إياه: أبشِر يا وحيد إنه ستواتيك الفرصة لاحقا لتزييف تاريخ السيسى؛ لأنك إذا سرت على منهاجك هذا فستعتمد أيضا على شهادات مرسى والإخوان الموتورين بعد زوالهم من على كراسيّ السلطة بعد ثورة 30 يونية 2013 فهذا امتداد لرؤيتك فى مسلسلك «الجماعة 2»، وماذا ستقول عن «تيران وصنافير» وكل الثورة المضادة للسيسى ولثورة 30 يونية بعد مرور عدد من السنوات؟
ثم دخل د.جمال شقرة فى نقد مباشر لمسلسل «الجماعة 2» متهما إياه باعتماد المصادر التاريخية الإخوانية ومجرَّحا شهادات الضباط الأحرار الذين استند إليهم وحيد حامد كخالد محيى الدين وعبد اللطيف البغدادى، فهذه شهادات لا يمكن قبولها والوثوق بها، والأحرى من ذلك الرجوع إلى الوثائق الأصلية الموجودة فى قصر عابدين.
ومن ثم كما يرى د.شقرة أن مسألة انتماء جمال عبد الناصر إلى الإخوان غير مقطوع بها حتى من داخل الإخوان أنفسهم، ففى مقابلة لى والكلام للدكتور جمال شقرة مع صلاح شادى أكد لى أنه كان متشككا فى انتماء جمال عبد الناصر للإخوان.
وأكد د.شقرة أن علاقة «ناصر» بالجماعة لم تستمر إلا فى الفترة من 1944 1945، وهذا ما واجه به د.جمال شقرة صلاح شادى نفسه الذى سجل فى مذكراته أنه استشعر أن جمال عبد الناصر قد ابتعد عن الجماعة وأخذ يجند من تعرَّف عليهم من أعضاء الجماعة إلى تنظيمه الخاص سنة 1946. وحسب ما تجمع من روايات وبعد استبعاد روايات الضباط الذين تعرف عليهم جمال عبد الناصر سنة 45 تبقى لنا رواية محمود لبيب وأخذ عنها صلاح شادى وعبد المنعم عبد الرؤوف وأنور السادات، التى تؤكد جميعها أن جمال عبد الناصر أسس نواة تنظيم الضباط الأحرار سنة 1945 منفصلًا عن الإخوان وغيرهم.
ثم يتطرق د.جمال شقرة إلى نقطة خلافية وذات دلالة خطيرة هى قسم عبد الناصر يمين الولاء للإخوان على المصحف والمسدس، فإن الروايات التى ذكرتها من إخوان وضباط أحرار يمكن تجريحها فضلا عن الطبيعة الخاصة لشخصية جمال عبد الناصر وكيف كان يفكر وقتئذ، وهو الأمر الذى اتضح من أوراقه الخاصة المحفوظة بمنشية البكرى وخطبه أنه أراد بهذا القسم والانضمام أن يخبُر حقيقة جماعة الإخوان وغيرها من الجماعات الأيديولوجية الأخرى ويعرف كيف تفكر وكيف سيكون موقفها منه إذا ما انقلب على الملك.
ونتيجة لهذا استطاع «ناصر» أن يعرف حقيقة الإخوان عندما سألهم: ماذا أنتم فاعلون إذا ما وصلتم لحكم مصر؟ فكانت إجابتهم أنهم ليس لديهم تصور مقنع لانتشال مصر من الهوة السحيقة التى وقعت فيها خاصة فى السنوات العشر الأخيرة من حكم الملك فاروق.
شخصية «سيد قطب» فى مسلسل «الجماعة 2» أثارت استفزاز وحنق د.جمال شقرة الذى يرى أنه من المثير لدهشة المفكرين والسياسيين أن يبدو «سيد قطب» ندًّا لجمال عبد الناصر ويناديه باسمه مجردًا. ثم يتساءل د. شقرة مستنكرًا: ألم يكن على الساحة الفكرية مفكرون وكتاب من التيارات السياسية المختلفة من تعلو قامتهم على «سيد قطب» ليجلس قطب على كرسى رئيس مجلس قيادة الثورة ليدلى برأيه فى قضية حل الأحزاب وبحث الموقف من حلّ جماعة الإخوان المسلمين.
والثابت تاريخيا أن جمال عبد الناصر كان قد حسم مسألة حلّ الأحزاب السياسية مبكرا، وأنه خطط بمهارة ودهاء ومكر سياسى كبير لتبقى جماعة الإخوان بعد حلّ الأحزاب حتى لا يصطدم بكل القوى السياسية مرة واحدة، ثم يتفرغ بعد ذلك لجماعة الإخوان ويكون له معها شأن. وقد تجلى دهاء عبد الناصر فى مسألة حلّ الأحزاب فى النقاط الثلاث التى وضعها: أنه طلب من الأحزاب تطهير نفسها.. أنه طلب من الأحزاب تقديم برامج جديدة.. القيام بحلّ الأحزاب بعد أن تكون قد بلعت طُعم التطهير لأنه اعتراف ضمنى بالفساد والتلوث.
ثم أخذ المؤرخ د.جمال شقرة فى تعداد السقطات الدرامية التى وقع فيها وحيد حامد فى مسلسله «الجماعة 2»، لاسيما أنه أعطى لسيد قطب شرف وصف حركة الضباط الأحرار بأنها «ثورة» وليست انقلابا، وهذا تزييف لحقيقة ثابتة وهى أن عميد الأدب العربى د.طه حسين هو أول من قال: إن ما أشعر به بعد 23 يوليو يوجب ألا توصف إلا بأنها ثورة، وكان ذلك سنة 1953م وهناك إجماع على ذلك.
أما الجريمة الكبرى ل«وحيد حامد» كما يصفها د.جمال شقرة فهى أنه وضع على لسان قيادات الإخوان وكوادرهم شتائم لجمال عبد الناصر وأوصافا قبيحة له من قبيل العلمانى، الكافر، الطاغية، المستبد، الخائن، دون أن يدفع بطرف مضاد يرد غيبة عبد الناصر ويدافع عنه وينفى تلك الاتهامات حتى ولو كان حديثًا بين اثنين على مقهى. وهو ما يرسخ فى الأذهان كل ما تلفظ به الإخوان ضد جمال عبد الناصر، وهنا مكمن الخطورة.
أن قراءة وحيد حامد لأزمة مارس 54 كما يؤكد د.شقرة قراءة إخوانية مغلوطة. لقد أخطأ فى حق محمد نجيب وبالغ فى تآمره ضد جمال عبد الناصر، فلا توجد مصادر ثقة تشير إلى تورط محمد نجيب فى كتابة منشورات أو الاشتراك فى محاولة اغتيال جمال عبد الناصر، ومصدر الخطأ فى هذه القراءة هو اعتماد وحيد حامد على كتاب للدكتور عبد العظيم رمضان وهو معادٍ لثورة 23 يوليو.
من سقطات وحيد حامد فى مسلسله « الجماعة 2 « فضلا عن كل ما سبق مبالغته الشديدة فى أعداد المقبوض عليهم من الإخوان. ولو عاد لمصادر الإخوان أنفسهم لعلم العدد الحقيقى.
والأدهى من ذلك أن «حامد» رغم خبرته أغفل تماما أن عبد الناصر كان رحيمًا بأسر الإخوان المعتقلين وكان يقدم لهم الإعانات والمساعدات ومنهم أسرة «صلاح شادى» نفسه، وهذا موثق بوثائق رئاسة الجمهورية. فلم يكن عبد الناصر انتقاميا ولا مستبدا ولكنه كان يحمى ثورته ويحافظ على وطنه من عناصر الثورة المضادة التى لم تكن مقصورة على الإخوان وحدهم بل كان معهم الشيوعيون وكبار الملاك الذين تقلصت ملكياتهم حسب قانون الإصلاح الزراعى.
5٪ حقائق
د.عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان يواصل النقد والتحليل لمسلسل «الجماعة 2» مستهلًا قراءته بهذه الخلاصة المركزة الجازمة وهى: أن مسلسل «الجماعة 2» عبارة عن 5% فقط من حقائق ووقائع سليمة و95% توليفة درامية من صنع خيال كاتب السيناريو الذى دخل إلى الموضوع بفكرة مسبقة، حاول أن يجند لها وقائع لم تحدث، ومفاد هذه الفكرة أن جمال عبد الناصر خان الإخوان المسلمين وأن الإخوان شرفاء وأهل دين وحكمة.
وعند الحديث عن التصادم الواضح بين الحقائق التاريخية الموضوعية ودراما وحيد حامد؛ آثر د.عاصم الدسوقى البدء بالإشكالية الأساسية فى المسلسل التى أثارت جدلا ولغطا كثيرا خاصة بين أوساط الناصريين، وهى إشكالية انتماء جمال عبد الناصر إلى الإخوان ثم انفصاله عنهم وتنكره بعد ذلك لهم، فيقول: بداية عبد الناصر لم ينكر أنه كان فى الإخوان، وقد قال: فى كلام موثق: انتهت الحرب العالمية الثانية سنة 1945م وانتهت معها علاقتى بالإخوان تنظيميا. ولكن علاقة عبد الناصر بالإخوان كما يرى د.عاصم الدسوقى كانت علاقة استكشافية وكذلك كانت علاقته بالشيوعيين حيث انتماؤه مع خالد محيى الدين إلى منظمة )حدتو( أو الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى )إحدى المنظمات الشيوعية المصرية(، فقد كان ناصر يريد أن يستكشف الشيوعيين وكان اسمه الحركى داخل منظمة )حدتو( هو «موريس»، كما كان اسمه الحركى داخل الإخوان هو «زغلول». وانتمى ناصر كذلك إلى حركة مصر الفتاة. ولكن علاقته بالإخوان أخذت هذا البعد الإشكالى لأسباب منها: أنه أراد أن يأمن مكرهم؛ لقوة انتشارهم داخل المجتمع المصرى، والأهم من كل ذلك أن جمال عبد الناصر خشى أن يقوم بثورة منفردا بتنظيم ضباطه الأحرار فيقوم الإخوان ضده بثورة مضادة، فأراد أن يحتويهم ويفهمهم أنه معهم، ولذلك كما يروى المؤرخ عاصم الدسوقى فإن جمال عبد الناصر أفشى سر الانقلاب الذى ينوى القيام به إلى صالح عشماوى ليلة القيام بالثورة، وطلب منه تحريك النظام الخاص لحراسة المنشآت الحيوية ليتصدوا للإنجليز إذا ما أرادوا إفشال الثورة وحماية مليكهم المدلل. فاعتقد الإخوان أن الثورة ثورتهم وهم مفجروها وصانعوها ولكن عبد الناصر كان يستخدمهم فقط كظهير شعبى قوى.
ومن هنا يكون د.عاصم الدسوقى قد حل إشكالية انتماءات عبد الناصر المتعددة ومن بينها انتماؤه للإخوان باعتباره صاحب مشروع وطنى كبير وذلك يقتضيه التعرف على كل الحركات التى كان يموج بها المجتمع المصرى والاستفادة منها كل بقدر حجمها؛ حماية لمشروعه القومى الكبير.
ثم يتابع د.عاصم الدسوقى سرد الثقوب التاريخية بدراما «الجماعة 2» ومنها مثلًا:- لم يرد ذكر شىء عن التنظيم الدولى للإخوان على يد سعيد رمضان زوج بنت حسن البنا، حتى وصول الأحداث إلى عام 56 عند ترشح جمال عبد الناصر للرئاسة، هنا يتساءل «الدسوقى»، مستنكرًا: فلماذا لم يذكر هذا؟ هل سعيد رمضان من خارج الجماعة؟
- أن النقراشى باشا ليس هو الذى حل جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه أغلق المقر العام للإخوان فى الحلمية، فانتقل « البنا « وإخوانه إلى جمعية الشبان المسلمين ليقيموا اجتماعاتهم فيها مؤقتا ولو كان النقراشى هو الذى حل جماعة الإخوان المسلمين فلماذا أصدر عبد الناصر قرار الحل فى يناير 1954م؟
- أن لقاء جمال عبد الناصر بصالح عشماوى فى نهاية 1949م وإخباره بنيته الانقلاب، خطأ تاريخى فادح؛ لأن عبد الناصر كان فى حصار الفالوجا ولم يغادرها إلا بعد توقيع اتفاقيات هدنة رودس من فبراير إلى يوليو 1949م، إذ عاد فى سبتمبر 1949م إلى مصر وأخذ يفكر فيما يفعل ولم يكوّن اللجنة التنفيذية للتنظيم إلا فى يناير سنة 1950م.
- أن مقابلة الهضيبى للملك فاروق لم تحدث تاريخيًا والعبارة التى جاءت على لسانه بعد خروجه من المقابلة وهى «زيارة كريمة لملك كريم» هى أساسًا عبارة قيلت على لسان مكرم عبيد سنة 1943م بعد خصومته مع النحاس فاستقطبه القصر وتمت الزيارة التى قيلت بعدها هذه العبارة.
- أن شخصية الملك فاروق فى المسلسل مصطنعة تمامًا ف«وحيد حامد» يظهره واعيًا بالسياسة ومهمومًا بمشاكلها وقارئًا وفاهمًا، و«فاروق» لم يكن كذلك، فقد كان يلهو وخصوصًا بعد علمه بعلاقة أمه بأحمد حسنين باشا وزواجه منها.
- أن سيد قطب لم يرتبط بالإخوان إلا فى سنة 1953م وهو من أصول هندية )باكستانية( نزحت أسرته بعد نزاع طائفى إلى الحجاز ومنها إلى مصر «سيد قطب مهراجًا هندى» )ولعله من هنا نفهم سر التقارب بين أفكار سيد قطب والباكستانى أبو الأعلى المودودى وخاصة فكرة «الحاكمية» التى أول من قال بها هو المودودى وتلقفها ووسعها من بعده سيد قطب(.
وقد كان سيد قطب موظفا بوزارة الشئون الاجتماعية وليس بوزارة المعارف كما تروى دراما «حامد».
- أن حادث المنشية كان ينبغى أن يكون من اللقطات التوثيقية، خاصة أن الحادث موثق تاريخيًا بالصوت والصورة بدلًا من تمثيله، فالممثل )محمود عبدالمغنى( لم يكن مقنعًا وكان المشهد كله باردًا.
- وأخيرا عندما طلب عبد الناصر من الهضيبى بيان تأييد للثورة رفض الهضيبى إصدار البيان وذهب لقضاء عطلة فى الإسكندرية ولم يعد منها إلا بعد نجاح الثورة ومغادرة الملك بالرغم من أن الإخوان لا يكفون عن الزعم بأنهم أصحاب الثورة ومفجروها ومنظموها. )وهذا الموقف تكرر بحذافيره تقريبا عندما رفض الإخوان المشاركة فى ثورة 25 يناير 2011م من بدايتها ولم يشتركوا فيها إلا بعد التأكد من نجاحها يوم 28 يناير. فهل التاريخ يعيد نفسه كما يقولون أم أنها طبيعة الإخوان الانتهازية فهم لا يفكرون إلا فى أنفسهم وفى مكتسباتهم؟(.
وأما د.رفعت السعيد، المفكر اليسارى، المؤرخ الشهير الرئيس السابق لحزب التجمع، صاحب كتاب «حسن البنا متى وكيف ولماذا؟» والعديد من الكتب الأخرى التى تكافح التأسلم السياسى وزيف مقولاته وادعاءه القداسة سعيًا وراء أهداف سياسية، فيقدم فى بداية نقده لمسلسل «الجماعة 2» مجموعة من الحقائق الموضوعية أو المسلمات التى ينبغى الاعتراف بها وهى:
أولا الأستاذ وحيد حامد كاتب ناجح جدًا، ومؤرخ ناجح جدا، وله خبرة واسعة فى مكافحة التأسلم السياسى وأعماله الأخرى سوى مسلسل الجماعة بجزءيه تشهد بذلك ومنها: «الإرهاب والكباب» و«طيور الظلام».
ثانيًا نحن نعانى، فى زماننا الحاضر من أشخاص يؤلهون زعاماتهم السابقة، وأنا فى رأيى والكلام للدكتور رفعت السعيد لا يوجد أنبياء يعملون بالسياسة، وكل من يعمل بالسياسة يكون عرضة لسهام النقد والحكم والتقويم.
ثالثا هناك أستاذ لفلسفة التاريخ يقول: ينقسم التاريخ إلى قسمين: قسم جميل جدا هو الثرثرة والتخمين والتحايل والادعاء والزعم بأن ما يقوله هو الحقيقة. وقسم آخر قبيح جدًا هو الحقيقة. وهو ما ثبت عندنا فعلا، فعندما تقول الحقيقة يهبّ الناس فى وجهك مناهضين ومعارضين.
رابعا منذ أيام الإغريق وهناك تعريف واحد لكلمة «ستوريا» بأنها علم إيراد الحقائق الجديرة بالمعرفة وليس أى شىء آخر.
وعندما شرع د.رفعت السعيد فى تطبيق هذه الحقائق أو المسلمات النظرية على مسلسل «الجماعة 2» ل«وحيد حامد» نجده يرصد العديد من التناقضات والأخطاء التاريخية وتضخيم بعض الأمور التافهة وتجاهل بعض الحقائق الجديرة بالتنويه والإثبات.
وأول هذه التناقضات هو أن رئيس قسم البحث بالمسلسل الأستاذ الدكتور وحيد حسنى الذى اعتمد عليه وحيد حامد فى إعداد المادة التاريخية، كانت له ميول إخوانية واستعراضية. ولأن د. وحيد حسنى ذا ميول إخوانية فقد اندست بين مراجعه الكثير من المراجع الإخوانية مثل: «حقيقة الخلاف بين الإخوان وعبد الناصر» لمرشد الإخوان محمد حامد أبو النصر سراديب الشيطان صفحات من تاريخ الإخوان المسلمين لأحمد رائف «لماذا أعدمونى» لسيد قطب «أيام من حياتى» لزينب الغزالى «حصاد العمر مذكرات قادة الإخوان» لصلاح شادى.
ومن تناقضات المسلسل وما زال الكلام للدكتور رفعت السعيد أن مجلس قيادة الثورة يجتمع أكثر من مرة ولا يوجد شخصان غاية فى الأهمية هما: خالد محيى الدين ويوسف صديق، ودورهما فى الثورة لا ينكر، ف«يوسف صديق» هو الذى احتل مكاتب أركان الجيش و«خالد محيى الدين» استولى على ميدان روكسى، ومن ثم تحكم فى قيادة أركان الجيش، عضوان بمثل هذا الدور وهذه الأهمية لم يذكرا فى اجتماعات مجلس قيادة الثورة فى دراما وحيد حامد، بينما نجد فى المقابل « سيد قطب « هو الذى يحضر اجتماعات مجلس قيادة الثورة، ويتكلم كأنما يفرض الوصاية ويملى الشروط، وعندما توجهت «الأسبوع» للدكتور رفعت السعيد بسؤال: كيف يرتضى مجلس قيادة الثورة بمن فيهم جمال عبد الناصر أن يعاملهم سيد قطب بهذا الصلف والعنجهية والتكبر؟ قال: تلك أكذوبة وسيد قطب نفسه أكذوبة وصورته بالمسلسل مزيفة. ومثلها كثير من «العك» مثل صورة محمد نجيب صاحب الوجه الأحمر وكانت أمه سودانية وأورثته لونها، والفنانة صابرين التى أدت دور زينب الغزالى قصيرة نسبيًا عن الشخصية الحقيقية لزينب الغزالى فارعة الطول ويوسف طلعت كان طويلًا جدًا وعريضًا جدًا ك«الحائط» وهو ما لم نلمسه فى الدراما، فأين المقاربة بين الشخصيات التاريخية والشخصيات الدرامية؟
ثم نأتى إلى النقطة الأهم فى المسلسل وهى انتماء عبد الناصر إلى الإخوان وهو ما يرد صراحة فى الحلقة الثالثة من المسلسل.
وعنها يقول د.رفعت السعيد: عبد الناصر لم ينضم إلى الإخوان فكريًا، ولكنه أراد الاستعانة بهم كظهير سياسى وشعبى؛ لأنهم كانوا الأكثر تنظيما، وهذا شيء طبيعى فكل حاكم جديد يريد تيارًا يسنده. وفى هذا السياق يشير د.رفعت السعيد إلى بعض المفارقات التاريخية التى تؤكد ما ذهب إليه، وهى استعانة جمال عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة ب«سليمان حافظ» للعمل كنائب لرئيس الوزراء، وسليمان حافظ كان ذا ميول إخوانية. وبعد 11 فبراير 2011م استعان المجلس العسكرى المكلف بإدارة شئون البلاد بعد تخلى الرئيس الأسبق مبارك عن الحكم استعان بالمستشار طارق البشرى القريب جدًا من الإخوان أيضًا.
وأما عن الجانب الفنى فى مسلسل «الجماعة 2» فيحدثنا الناقد الفنى د. أحمد يوسف قائلًا: المسلسل من الوجهة الفنية ردىء جدًا جدًا، بل إن الجانب الفنى/الدرامى هو أسوأ ما فى المسلسل، لدرجة أنى أشك أن وحيد حامد هو الذى كتبه بنفسه وأغلب الظن أنه أسنده لبعض ورش الكتابة ولذلك فلم أر لمسة فنية واحدة تدل على شخصية وحيد حامد الذى صنع من قبل أعمالًا ممتازة.
وطلبنا منه مزيدًا من التفصيل فأجاب: خذ مثلًا بناء الشخصيات فى المسلسل، إنها ليست شخصيات درامية فيها روح تأكل وتشرب وتتنفس أى ليس لها وجود درامى حقيقى، ولكنها تحولت على يد وحيد حامد إلى عرائس «ماريونيت» أو عرائس خشب ولذلك كان من السهل عليه أن يضع على ألسنتها جملًا ومجتزءات وأكلاشيهات محفوظة.
وأما عن شخصية سيد قطب فى دراما وحيد حامد، فيرى د.أحمد يوسف فى بنائها خللًا جوهريًا؛ إذ يظهر فى الدراما على أنه الحكيم الذى يملى على الضباط الأحرار ما ينبغى لهم أن يفعلوه، بينما سيد قطب فى بداية الثورة كان ناقدًا أدبيًا فقط، وكانت هذه الفترة من حياته هى فترة الهزة النفسية والتحولات العنيفة جدًا فى شخصيته، و«سيد قطب» كان فاشيًا جدًا كما يصفه د.أحمد يوسف فمثلا عندما قام العمال بمظاهرات طالب سيد قطب بإعدامهم جميعا فكيف يبدو فى المسلسل بكل هذه الحكمة والرزانة.
وأما من الوجهة الموضوعية فقد طالب د.أحمد يوسف وحيد حامد بأن يعلن عن وجهة نظره بصراحة، فإذا كان يرى أن سيد قطب هو محرك ثورة يوليو والوصى عليها فليقل لنا ذلك وليكشف أوراقه كلها.
ولما سألنا د.أحمد يوسف عن مصدر هذا الخلل والضعف فى المسلسل، فقال: قد يكون وحيد حامد اعتمد على مراجع تاريخية إخوانية، أو كانت مراجعه قليلة جدا ولم يقرأ بما فيه الكفاية؛ لأن الفترة من 52 54 كانت مليئة بالألغام وفيها كلام مهم جدًا وصنعت عنها أفلام تسجيلية وفيديوهات، وأظن أن وحيد حامد لم يطلع عليها وآثر الاستسهال مما جعل المسلسل يخرج على هذه الصورة المهلهلة لدرجة أن شخصيات إخوانية سابقة مثل ثروت الخرباوى ومختار نوح اعترضت على وحيد حامد وقالت كلامًا يغاير كلامه تماما فهل هذا يعقل؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.