مأساة ثلاثية يعانيها منها حاليًا أهل الموصل تتمثل فى التشريد فى الصحراء ومواجهة فلول داعش وميليشيا الحشد الشعبى التى مارست أقسى أنواع الفصل العنصرى لأهل السنة فى العراق ما بين اختطاف وقتل وحرق ومصادرة الممتلكات حتى أن رئيس الوزراء العراقى – ورغم دمجه لميليشيا الحشد الشعبى داخل الجيش العراقي-أعلن مؤخرًا عن تخوفه من انتهاكات للحشد الشعبى قائلًا: «لم نحارب الديكتاتورية لتحكمنا العصابات» فى إشارة لميليشيات الحشد الشعبى. كما اتهم العبادى عصابات لم يسمها بأنها تريد خطف العراق، وبأنها تحتال على الشعب بحجة الدفاع عن المذهب قائلًا: «لن نسمح لمن يريد إضعاف الدولة والمجتمع، ويقوم بالخطف لمجرد أن تخالفه الرأى». وكان العبادى قال قبل أيام، فى إشارة إلى بعض الفصائل المسلحة، إن عناصرها «يخطفون الناس ويريدون المشاركة فى الانتخابات». ويبدو أن المعارك ستتحول قريبًا من محاربة داعش لمعارك عشائرية بالدرجة الأولى حيث زاد الاستقطاب الطائفى بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة فى العراق فبعد تصريح العبادى الأخير والذى قد يمثل تحولًا جذريًا فى التعامل مع الحشد الشعبى طالبت زعامات عشائرية من محافظة نينوى المجتمع الدولى بإبعاد ميليشيات الحشد الشعبى عن الموصل وضواحيها وإيقاف التمدد الإيرانى بالمنطقة. وجاء ذلك فى مؤتمر عشائرى عقد فى منطقة اسكى موصل شمال غربى الموصل، حيث اتهمت العشائر الحشد الشعبى بتجريف المنازل بعد سرقة محتوياتها، محولة مناطق غرب الموصل إلى «ركام». وأكدت العشائر أن ما سلم من سطوة تنظيم داعش، أجهزت عليه ميليشيات الحشد الشعبى، فكلّ القرى هناك باتت، حسب شيوخ العشائر، غير مؤهلة للعيش، فضلًا عن تسجيل عمليات اختطاف وتعذيب طالت مواطنين أبرياء. سليم الجبورى رئيس البرلمان العراقى انتبه أيضًا للحرب المكتومة التى قد تنفجر قريبًا فى وجه العراق حينما اجتمع مع ممثلى لجنة العشائر البرلمانية لمواجهة للتداعيات التى خلفها الإرهاب على المجتمع العراقى حيث أدار الاجتماع الشيخ عبود العيساوى رئيس لجنة العشائر البرلمانية وأعضاء اللجنة وعدد من الشيوخ والوجهاء الذين يمثلون العشائر العراقية. وقال الجبورى خلال الاجتماع «إن المجتمع العراقى يراد له أن ينجر إلى أتون فتنة كبيرة تجعله حبيس النعرات والتجاذبات، ويكون نسيجه الاجتماعى ووحدة شعبه ضمن إطار التهديد المتواصل»، مشيرًا إلى أن «أهل الحكمة والرأى وفى مقدمتهم شيوخ ووجهاء العشائر هم من يعول عليهم فى درء هذه الفتنة ومعالجة كل المشاكل الناجمة عنها». وأكد الجبورى أهمية السعى بجدية لتجنيب المجتمع كافة المشاكل والأزمات الناجمة عن الفتنة التى خلفها الإرهاب، مشددًا على أن ما سيتم الاتفاق عليه خلال هذا الاجتماع سيعرض على مجلس النواب وستترتب عليه قرارات مهمة. يذكر أن العديد من الاشتباكات العشائرية بدأت تظهر فى الأفق مثلما حدث فى منطقة أبى صيدا شمال شرق محافظة ديالى وسط العراق واستخدم فيها قذائف هاون مما أدى لإصابات عديدة بعد تدخل القوات الأمنية لفض الاشتباكات. كما أكد شيوخ العشائر السنية خلال لقائهم بنائب الرئيس العراقى أسامة النجيفى وجود انتهاكات بحق السنة فى المناطق الواقعة شمالى محافظة بغداد،حيث يتعرضون لاعتقالات عشوائية مرتبطة بالإرهاب إضافة إلى ابتزاز من القوات الأمنية العراقية على حد قولهم. وتأتى هذه الشكاوى إثر عملية تمشيط واسعة النطاق نفذتها القوات العراقية على مدار 8 أيام تحت اسم «السيل الجارف»، فى منطقة الطارمية شمالى محافظة بغداد، لملاحقة عناصر «داعش». وتقول السلطات الأمنية العراقية إن خلايا ل«داعش» تتمركز فى مناطق محيطة بالعاصمة بغداد، تسكنها أغلبية سنية ومنها يشنون هجمات داخل المدينة عبر السيارات الملغومة والانتحاريين. وتواترت أنباء عن استبعاد رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى لقائد الفرقة السادسة فى الشرطة الاتحادية أبو ضرغام المطورى والمقرب من قاسم سليمانى قائد فيلق القدس الإيرانى من منصبه وعين مكانه العميد خلف البدران حيث كان المطورى يقود اللواء الخامس بميليشيا بدر الإيرانية فى إشارة لمحاولة العبادى الحد من النفوذ الإيرانى داخل أروقة القوات العراقية أو لتأخر العمليات فى تحرير الموصل. وكان مجلس محافظة الأنبار وتحالف القوى العراقية قد وجها اتهامًا مباشرًا لميليشيا الحشد الشعبي–بعد مظاهرات أهل الفلوجة واختطاف آلاف من مناطق الكرمة والسجر والصقلاوية–باختطاف الاف من أهل الأنبار أيضًا دون الكشف عن مصيرهم وكان رد كريم النورى القيادى فى ميليشيات الحشد بأن المختطفين كانوا يقاتلون مع تنظيم داعش وتم قتلهم أثناء دخول القوات الأمنية، وقد اتهم الحشد للتغطية عن ذوى قتلى التنظيم ما دفع تحالف القوى العراقية بالمطالبة بالكشف عن قائمة الأسماء تلك. من جهته اعتبر أحمد الأسدى المتحدث باسم الحشد أن النورى ليس متحدثا باسم الحشد وما صرح به يمثل رأيه الشخصى. وكان مجلس محافظة الأنبار قد اتهم قيادة ميليشيات الحشد الشعبى بأنها تتملص عن مسئوليتها فى المساعدة فى معرفة مصير نحو 3 آلاف مختطف من سكان الأنبار أوقفوا عند حواجز تتبع لميليشيات كتائب حزب الله العراقى فى مناطق الرزازة وبين محافظتى الأنبار وكربلاء، واقتيدوا على فترات متقطعة بحسب إفادة العائلات الفارة من داعش باتجاه العاصمة بغداد. يأتى هذا فى ظل أنباء عن وجود معتقلات سرية لحزب الله العراقى فى بغداد، تضم مئات المعتقلين الذين يعانون أوضاعًا مزرية. وكان على الصالح قائم مقام الحضر جنوب الموصل قد أعلن فى تصريحات صحفية عن اختفاء قرابة 100 شاب من القضاء كانوا قد نزحوا إلى منطقة حمام العليل واتهم عناصر ميليشيات لم يسمها باختطافهم إلا أن 250 شابًا آخرين تم اختطافهم من قبل ميليشيا الحشد الشعبى. وكانت مجلة )دير شبيجل( الألمانية قد أبرزت فى ملف مصور جرائم وفظاعات ارتكبتها ميليشيات الحشد الشعبى تجاه أهل السنة بالموصل بروايات موثقة من مصور رافق اثنين من الضباط. ونشرت المجلة الألمانية صورا وثقها المصور على أركادى بنفسه، تظهر كيفية تعامل قوات الحشد مع المعتقلين فى السجون، ومع أهالى المناطق التى يدخلونها. ونوهت المجلة الألمانية بأن أركادى يتعاون معها منذ عام 2011، موضحة أنه تمكن من توثيق عملية تطهير عرقى ضد السنة، فى مدينة طوز خورماتو جنوبىكركوك، فى مايو من العام الماضى. وقد أعلنت وزارة الداخلية العراقية فتح تحقيق حول ما نشرته المجلة الألمانية بشأن انتهاكات عناصر الحشد لحقوق الإنسان فى الموصل واتهمت عناصر من قوات الرد السريع التابعة للداخلية العراقية بالقيام بعمليات تعذيب وقتل واغتصاب خلال معارك الموصل. يذكر أن لقاء العبادى مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وأعضاء الكونجرس الأمريكى فى مارس الماضى أكد أهمية إبعاد المؤمنين بولاية الفقيه أو التابعين لإيران من الحشد الشعبى حيث أكدت هذه اللقاءات أهمية الحد من النفوذ الإيرانى داخل منظومة الجيش العراقى حيث كتب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى رسالة إلى الرئيس دونالد ترمب يطالبون فيها باغتنام الفرصة لهزيمة داعش وإعادة بناء العراق بما يتطلب تحقيق لا مركزية لبعض مهام الحكومة العراقية وحل الميليشيات الموالية لإيران وتلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب العراقى والالتزام ببرنامج المصالحة. وعلى الصعيد الإنسانى توقعت ليز جراندى منسقة الأممالمتحدة للشئون الإنسانية فى العراق فى بيان لها فرار ما يصل لأكثر من 200 ألف شخص من مناطق الموصل مع وصول المعارك للمدينة القديمة وحذرت من أزمة طاحنة بعد نشر داعش قنابل ومتفجرات قرب المداخل الرئيسية وسط الأحياء لمنع المدنيين من الهروب بعد سيطرة القوات العراقية على 90% من الموصل ولكن يظل حوالى ربع مليون شخص محاصرين داخل المدينة بعد أن وصل عدد الفارين من العمليات إلى حوالى نصف مليون شخص يواجهون أقسى الظروف فى الصحراء.