بعد سلسلة الارتفاعات المتوالية فى الأسعار والتى انتهت بقرار زيادة أسعار تذاكر مترو الانفاق، أصبح هاجس كل مواطن من محدودى الدخل كيفية تدبير أمور حياته وتوفير نفقات أسرته المتزايدة يومًا بعد يوم، فى الوقت الذى لاتطرأ فيه زيادات على المرتبات إلا بقدر العلاوات السنوية لموظفى الدولة، وزيادات طفيفة للعاملين بالقطاع الخاص، وهى جميعها لاتوازى بأى حال من الأحوال تلك الطفرة فى أسعار السلع والخدمات التى أعقبت قرار تعويم الجنيه فى نوفمبر الماضيى. زادت أسعار فواتير الكهرباء والغاز والمياه إلى أكثر من الضعف تقريبا، بعد أن تم تقسيم شرائح الاستهلاك، فى حين ان الشريحة الأولى الأرخص سعرًا والأكثر دعمًا لا تفى بحاجة أى منزل، يمتلك ثلاجة وتليفزيون وغسالة، وكلها أجهزة لم تعد من قبيل الرفاهية، وكذلك تضاعفت قيمة فواتير الغاز والمياه، والبنزين وبالتالى المواصلات، وطبقًا للجدول الزمنى لرفع الدعم نهائيًا عن الوقود والكهرباء خلال ثلاث سنوات، فإن هذه الأسعار مرشحة لتتضاعف مرات ومرات. قد تكون الزيادة فى أسعار تذاكر المترو زيادة ليست كبيرة، فلم يعد للجنيه نفس القيمة الشرائية التى كانت من قبل، وبالتالى لن يؤثر كثيرًا فى معدلات إنفاق الأسرة، ولكن هذه الزيادة كانت ستكون زيادة طبيعية وسيتقبلها المواطن بصدر رحب، إذا لم يكن هذا الانفلات فى باقى السلع والخدمات حادثا على النحو الذى رأيناه فى الأشهر الأخيرة. ما أثار حفيظة المواطنين تجاه هذه الزيادة فى هذا المرفق الحيوى الذى ينقل ما يقرب من نحو ثلاثة ملايين مواطن يوميًا، وبالتالى استياؤهم من الأعباء المادية التى أضيفت عليهم، وهو ما ذكره النائب عماد محروس أمام وزير النقل فى مجلس النواب، أثناء مناقشة زيادة أسعار تذاكر المترو، من أن أى أسرة مكونة من أربعة أفراد يتنقلون يوميًا بالمترو سيضاف لمعدل إنفاقهم ما لايقل عن 400 جنيه شهريا..وتساءل: أى أسرة تستطيع تحمل هذه الزيادة..؟! مشكلة حكومتنا انها لاتجد ملاذا تستطيع من خلاله تنفيذ خططها التى تعتقد انها «إصلاحية» الا محدودى الدخل، فزيادة الأسعار فى السلع والخدمات لايتكبد آثارها إلا المواطن البسيط، ولاتُحَمَّل فواتيرها إلا على الفقراء ومتوسطى الدخل، الذين أنهكتهم الشكوى، ولم يعودوا قادرين على تحمل المزيد من الأعباء. نعلم اننا نعانى وضعًا اقتصاديًا غاية فى الصعوبة، ونعلم أيضًا ان تدبير النفقات وسد العجز بين الإيرادات والمصروفات، أصبح أمرًا فى غاية الأهمية، ونعلم كذلك ان اتخاذ التدابير للوصول إلى صيغة للإصلاح الاقتصادى، بات ضرورة ملحة، لكننا أيضًا نعرف ان أعتى الدول الرأسمالية تدعم البسطاء من أبناء شعبها وتوفر لهم خدمات التعليم والعلاج المجانى والتأمين الاجتماعى، ولم ترفع تلك الدول يدها عنهم ولم تتخل عن مساندتهم، ولم تتركهم نهبا لثلة من التجار الفاسدين الذين يقتاتون على معاناة البسطاء. يجب ان تتخلى حكومتنا عن قاعدتها الذهبية «ادفع يا مواطن» التى تلجأ إليها كلما ضاق عليها الخناق.. فالمواطن لم يعد قادرًا على الدفع..ولا قادرًا حتى على تحمل المعاناة.