أثارت فتوى هيئة كبار العلماء الأزهر بوقوع الطلاق الشفهى دون اشتراط توثيق أو إشهاد جدلًا واسعًا وتسببت فى هجوم لاذع على مؤسسة الأزهر بشكل غير مسبوق، حيث أثارت هيئة كبار العلماء جدلا واسعا بعد بيانها الأخير بإقرار الطلاق الشفوى مستوفى الشروط، وهو ما حاول البعض ربطه بدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى بأن يكون الطلاق مشروطًا بالتوثيق فى محاولة لمواجهة ظاهرة الطلاق التى وصلت إلى أعلى معدلاتها، حيث وصلت نسبة الطلاق فى مصر إلى أكثر من 40% وهى نسبة مرتفعة جدًا. وتعكف اللجنة الدينية بمجلس النواب، خلال الفترة المقبلة على وضع التصور النهائى لمشروع قانون توثيق الطلاق الشفوى بعد إقرار هيئة كبار العلماء برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف وقوع الطلاق الشفهى دون اشتراط توثيق أو إشهاد، الأمر الذى أثار غضب عدد من الكتاب ومن أعضاء مجلس النواب، الذين طالبوا بإعادة تشكيل هيئة كبار العلماء، بدعوى ضم علماء فى مناحى الحياة كافة لتكون قرارات الهيئة أكثر ارتباطا بواقع الحياة اليومية، على حد قولهم. من المعروف أن بداية الطريق لإسقاط أى دولة يبدأ بتشويه رموزها ومؤسساتها والتشكيك فيها، والسب والشتم الدائم لها للمساس بهيبتها والنيل من وقارها، والضغط بهذا الأسلوب باستخدام شتى الوسائل ومنها بل أهمها استخدام الوسائل الإعلامية، وهو ما يتم بالفعل تجاه مؤسسة الأزهر، المرجعية الدينية الأساسية للمسلمين ليس لمصر فقط بل للعالم كله وهذا كان ومازال دور مؤسسة الأزهر على مر التاريخ. لا خلاف على حاجتنا لتجديد الخطاب الدينى وابتكار طرق أكثر فاعلية للتواصل مع المواطنين خاصة الشباب الصاعد الذى هو فى أشد الحاجة لأن يجد القدوة ممثلة فى كبار علمائه ومفكريه، ولكن ليس معنى هذا أن يتم طعن مؤسسة الأزهر من كل اتجاه بأيدينا نحن أبناء الوطن، علينا أن ننتقد ونقاوم الفكر الجامد وأن نطالب بتنقيح الكثير من الكتب التراثية وما إلى غير ذلك من تجديد لغة الخطاب الدينى بحيث تكون أكثر قربًا للناس وفقًا للتغيرات الحياتية اليومية وفى ظل تطور الوسائل التكنولوجية، ولكن أن يتعدى الأمر حدود النقد البناء إلى السب والقذف والطعن لمؤسسة الأزهر والقائمين عليها، والتجريح والتشكيك فيها إلى هذه الدرجة من التشويه، فهو الأمر غير المقبول، فهل يعقل أن يكتب أحدهم واصفًا الأزهر أنه «مجلس الملالى على الطريقة الإيرانية» ويتهجم أكثر وهو يصف الأزهر ب«زمن المجامع المقدسة للكهنة» ثم يتساءل: «هل نحن فى دولة مدنية اسمها مصر؟ أم فى دولة دينية اسمها- قندهار؟» بينما كتب آخر يقول: «إن الأزهر فى عهد الدكتور أحمد الطيب أصبح يهدد الأمن القومى وأصبح خطرًا على البلاد، وأنه ترك قيادة مؤسسة الأزهر لشاب صاحب توجهات إخوانية وأن هذا الشاب ينتقم من النظام الحالى لعزله الرئيس محمد مرسى وفض اعتصام رابعة المسلح، وأن مؤسسة الأزهر التى كانت داعمة للنظام فى الماضى أصبح يتكالب عليها الإخوان، ولا ندرى ما علاقة الإخوان بفتوى وجوب الطلاق الشفهى من عدمه؟ كما اتهم الأزهر أنه أصبح يضم «تحالف الفساد والإرهاب» بينما نشرت إحدى الصحف عنوانًا رئيسًا على صفحاتها يقول: «الأزهر فى قبضة اللصوص!!» الهجوم على مؤسسة الأزهر تخطى وفاق كل الحدود، حين تحول النقد الموضوعى إلى مسلسل من الشتائم والبذاءات، صحف تصدر فى مصر وكُتَّاب يكتبون، سبًا وقذفًا وتشويهًا بشكل غير مسبوق، وبما يمس جلال المؤسسة الدينية العريقة، ويفقد الثقة فيها، وهو الأمر الذى يجب التصدى له، فالنيل من مؤسسة الأزهر لا يصب إلا فى صالح الجماعات التكفيرية الظلامية وأصحاب الفكر الإرهابى المتطرف الذين يريدون هدم الإسلام الوسطى المتمثل فى الأزهر لخدمة مصالحهم وترك الساحة لهم وحدهم للعبث فى العقول وتغييب الناس عن دينهم الوسطى. لا ننكر أننا بحاجة إلى التطوير والتجديد ولكن يجب ألا يتم ذلك بالهدم بل بالدعم وطرح الأفكار الإيجابية واقتراح الوسائل والطرق لذلك التطوير، يكفينا ما نمر به من أزمات وتفتت وشتات، فمن الأولى أن نحاول لملمة شتاتنا ودعم مؤسساتنا، ولننظر لكل ما يحيط بنا من خراب ودمار فى دول مجاورة لم يعد فيها شيخ ولا قس ولا حتى وطن، ندرك أن لدينا الكثير من المشاكل والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التى تعج بالمشكلات، ومعاناة وأزمات حياتية نعيشها كل يوم، لكن ما زال لدينا وطن علينا أن نتكاتف لننهض به ونحاول انتشاله من عثرته لا أن نكمل انتكاساته ونزيد إحباطاته وأزماته. جدير بالذكر أن هيئة كبار العلماء تُعتبر أعلى مرجعية دينية حاليًا تابعة للأزهر الشريف، وهى هيئة إسلامية علمية مستقلة، تختص دون غيرها بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء، وعلى الدولة أن تلتزم ليس فقط بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، بل لحماية هذا الكيان العريق من التشويه والهدم المعنوى. معركة الأزهر التى تدور رحاها الآن على صفحات الجرائد والفضائيات أصبحت فى حاجة ملحة لمن يتصدى لها، ليس دفاعًا عن أشخاص يجيئون ويرحلون وإنما حماية ودعم لأهم مؤسسة دينية إسلامية على مستوى العالم عبر التاريخ.