لا يوجد تفسير لما تقوم به القوي العلمانية، إلا أنها تخشي من خيارات الشعب . فلا يوجد معني لفرض مبادئ دستورية حاكمة علي اللجنة التأسيسية، لأن هذه اللجنة سوف تضع دستورا يستفتي عليه الشعب، وإذا قبله الشعب سوف يصبح الدستور الجديد للبلاد، وإذا رفضه الشعب، سوف يوضع دستور جديد يرضي عنه الشعب . والغريب أن البعض يفكر وكأن الشعب سوف يوافق علي ما يعرض عليه . فإذا تركت اللجنة التأسيسية تمارس دورها بحرية، فسوف تضع دستورا لا يرضي القوي العلمانية، وسوف يوافق عليه الشعب . وإذا فرضت مبادئ دستورية حاكمة علي اللجنة التأسيسية، فسوف تضطر لوضع هذه المبادئ مجبرة، وسوف يوافق الشعب علي الدستور . وكأن الشعب سوف يوافق علي أي دستور يعرض عليه، حسب تصورات القوي العلمانية . وهذه القوي العلمانية تتكلم ليل نهار عن سيطرة الإسلاميين علي المجالس النيابية المقبلة، رغم أن أي قوة تفوز بالأغلبية النسبية أو حتي المطلقة، في انتخابات حرة نزيهة، سيكون هذا تعبيرا عن الإرادة الشعبية، وليس سيطرة من فريق علي المجلس النيابي . فمادام الاختيار للشعب، ومادامت هناك قواعد للانتخابات الحرة والنزيهة، يصبح الشعب حرا في الاختيار . وكل قوة يختارها الشعب، تصبح هي القوة التي فازت بثقة الشعب هذه المرة . وبهذا لا يجوز اتهام أحد بأنه يسعي لنيل ثقة الناس، ويسعي لأن ينتخب من الناس . كما أن الخوف المبالغ فيه من بقايا الحزب الوطني المنحل، تؤكد مرة أخري تجاهل البعض لوجود الشعب . فالبعض يتكلم وكأن بقايا النظام السابق قادرة علي العودة، ووضع دستور استبدادي، وبناء النظام المستبد والفاسد مرة أخري، وهذا أمر لا يمكن أن يتوقعه أحد . وكل ما يمكن لبقايا النظام السابق فعله، هو التسرب داخل العملية السياسية، لعرقلة الإصلاح، أو التسرب داخلها في محاولة للحفاظ علي دور في العملية السياسية الجديدة . كما أن كل الرؤي التي تتكلم عن مبادئ دستورية غير قابلة للتعديل، هي رؤي تتصور أن الشعب سوف يغير أي دستور يتم وضعه، وهذا التغيير سوف يكون للأسوأ، من وجهة نظر القوي العلمانية . وكأن القوي العلمانية تري أنه من الخطورة ترك الأمر للشعب واختياراته، وهو ما يعني أنها تعرف أن خياراتها غير خيارات الشعب . ويضاف لهذا ما يروجه البعض من مخاوف، تفترض أن الشعب كله متطرف أو متشدد، لذا فإن ترك الأمر للشعب، سوف يؤدي إلي سيطرة القوي المتطرفة ووضع دستور متطرف . ولأن بعض القوي العلمانية تري أن الشعب متطرف، لذا فهي تريد فرض الوصاية عليه، علي أن يكون لها حق الوصاية، وتقوم بدور الوصي، الذي يحمي الشعب من التطرف، أو يحمي الشعب من تطرفه . وفي كل تلك الأحوال نجد المشكلة في تصور القوي العلمانية، أو أغلبها، عن دور الشعب ومواقفه في ظل ديمقراطية حقيقية وحرية حقيقية . لأن من يؤمن بالشعب المصري، ويعرف أنه شعب متحضر ومسئول، سوف يعمل من أجل أن ينال الشعب المصري كل حريته، ويتمتع بكل حقوقه، مثل أي شعب في العالم . أما معاملة الشعب المصري باعتباره جاهلا وغير عاقل، تعني أننا بصدد مبررات جديدة لبناء نظام مستبد، وكأن بعض القوي العلمانية كانت تريد إزاحة مستبد، حتي تقوم هي بدور المستبد، طبقا لقواعد أكثر ديمقراطية، ولكنها الديمقراطية المقيدة، والتي لا تسمح للشعب بحرية الاختيار، ولكن تسمح للشعب بأن يختار مما هو مفروض عليه . ولأن بعض القوي العلمانية بدأت تدرك أن تقييد حرية الشعب أمر صعب أو مستحيل، لهذا بدأت بعض هذه القوي في سيناريو الدخول في مرحلة السيولة العميقة، وهي تريد بهذا وقف أي عملية بناء، حتي لا يتم البناء دون أن تضمن لها موقعا متميزا، ودون أن تحوز علي حق الوصاية الذي تريد أن تتمتع به . لهذا نجد أن بعض المظاهرات أصبحت تمثل دعوة لوقف مسيرة الانتقال إلي الانتخابات وتسليم السلطة للمدنيين . وأصبحت بعض التظاهرات هي محاولة لتفكيك جهاز الدولة، خاصة جهاز الأمن، حتي نعود مرة أخري إلي مرحلة الانفلات، ويتم تأجيل الانتخابات .