ليت ترامب يكون قد استوعب الدرس بعد ولاية أوباما بحيث لا يكرر أخطاء سلفه الذى لم ينفذ ما بشر به وتراجع فى كل المواجهات التى خاضها فى السياسة الخارجية. ولعل أول ما سيواجهه ترامب ضغوط الاعلام المعارض والأجهزة الاستخبارية والجهاز الحكومى وقطاعات من الحزب الجمهورى ونسبة مهمة من الشعب الأمريكى. بل إن مراقبين يتنبأون من الآن بأن لمحات السياسة الخارجية الأمريكية فى المرحلة القادمة لا تبدو مطمئنة. لقد وصل «ترامب» إلى الرئاسة من خلال اعتماده على الشعبوية والهيمنة على خصومه وشعوره بأنه محاط بالمؤامرات التى تستهدفه. أحد عوامل القلق يكمن فى سياسة ترامب التى أعلن عنها خاصة تجاه الصينوإيران والتى قد تصل تداعياتها إلى حد استخدام القوة العسكرية، إذ أن موضوع الصين يمثل اشكالية من وجهة نظر إدارة ترامب، فبحر الصين يظل يمثل الخطر الأكبر على استقرار العالم، وجاءت تصريحات ترامب ومرشحه للخارجية «تيلرسون» لتؤكد أن الجزر الاصطناعية التى أنشأتها الصين والمنشآت العسكرية التى نصبتها عليها تعد أمرا غير قانونى. ولهذا وجدنا تيلرسون يشدد على أنه يتعين على أمريكا منع الصين من الوصول إلى هذه الجزر. الأمر الذى أثار غضب الصين فكان أن حذرت من مواجهة مدمرة. بل إنها تحاول اليوم استثمار توجه ترامب إلى الغاء اتفاقية التجارة الحرة مع الدول الآسيوية بالسعى إلى انشاء تكتل اقتصادى للتجارة الحرة فى آسيا. أما إيران، فلقد هدد ترامب بالغاء الاتفاق النووى الذى كان قد أبرم فى 14 يوليو 2015 بين إيران ومجموعة 5 + 1 وقال: «إنه أسوأ اتفاق على الاطلاق جرى التفاوض عليه» وهدد بالغائه أو السعى إلى اتفاق أفضل. ونسى ترامب أن الاتفاق المذكور أيده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كما أنه اتفاق متعدد الأطراف وبالتالى لا يمكن اعادة التفاوض عليه بشكل ثنائى. يدعم موقفه من إيران اختياره لشخصيات ثلاثة مهيئين لخوض صراع ضدها وهم الجنرال «مايكل فلاين» مستشارا للأمن القومى، «جيمس ماتيس» وزيرا للدفاع، « مايك بومبيو» مديرا لوكالة المخابرات «السى آى ايه». هذا فضلا عن الموضوع الخاص بروسيا التى يتعامل معها ترامب معاملة الصديق رغم أن ثلاثة من مرشحى ترامب الأربعة لتولى مناصب الأمن القومى يختلفون فى وجهات نظرهم معه بشأن قيمة العلاقة مع روسيا والصداقة مع بوتين؛ حيث يرى هؤلاء أن روسيا ليست صديقا طبيعيا لأمريكا. المثير للقلق أيضا سياسته تجاه سوريا، فلقد تبنى مواقف متناقضة وذلك عندما دعا مؤخرا إلى انشاء مناطق آمنة فى سوريا وهو ما يتناقض كلية مع رغبته فى التعامل مع روسيا التى لا تقر بأمر كهذا. واليوم نتساءل ماذا عن مستقبل أمريكا فى أعقاب تسلم ترامب للسلطة؟ هناك نسبة غير متفائلة بترامب رجل الأعمال الذى حتما سينتصر لأصحاب البلايين. ويرى آخرون أنه سيفشل وسيقود أمريكا إلى الهاوية فى المنافسة الاقتصادية وفى العلاقات السياسية مع الدول الأخرى، وبالتالى قد يهدر بدلا من أن يبنى. ولعل أولى البوادر على شطحاته تعيينه زوج ابنته» جاريد كوشنر» كبيرا لمستشارى البيت الأبيض، وهو المليونير واسع الثراء اليهودى الارثوذكسى الحفيد لناجين من المحرقة النازية، كما أنه ناشر لصحيفة الاوبزرفر التى تصدر فى نيويورك. وبذلك يكون ترامب قد خالف القانون الفيدرالى لمكافحة محاباة الأقارب الصادر فى 1967 وينطبق على العاملين فى البيت الأبيض. وهو القانون الذى كان «لندن جونسون» قد أصدره عام 67 ليمنع الموظف العمومي من ترقية أقاربه لوظيفة مدنية فى الوكالة التى يعمل بها أو يرأسها. وبمقتضى هذا القانون يمنع أى رئيس من اعطاء وظيفة وزارية لقريب. ولقد خرج على القانون الرئيس «كلينتون» عندما عين زوجته «هيلارى» فى منصب رئيسة برنامجه للرعاية الصحية عام 1993 . وهاهو ترامب يخرق القانون المذكور عندما يحابى زوج ابنته ويسند إليه منصب كبير مستشارى البيت الأبيض. واليوم نتساءل: ماذا عن مستقبل أمريكا فى ظل حكم ترامب؟ لقد كثر حديثه عن أمريكا الدولة التى يريد لها أن تكون عظيمة، وليته لا يجعلها ضعيفة عبر ممارساته.