في هذه الحلقة، أود غلق ملف (قضية تجسس، مصطفى أمين)، لاستكمال مسيرة الأسطورة هيكل، التي لا تنتهي. فلقد ذكرت في الحلقات الثلاث الفائتة، أنه من خلال الكتابين، الهامين، الوثائقيين، التاريخيين، (ميراث من الدماء، تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية)، والكتاب الوثائقي لهيكل، (بين الصحافة والسياسة)، أن الاستخبارات الأمريكية، من خلال ممثلها في مصر، طلبت من مصطفى أمين، تسجيل جميع مكالماته مع الزعيم عبد الناصر، فتقوم الاستخبارات الأمريكية، بتحليل صوته، لمعرفة حالته النفسية، وكذلك لمعرفة أفكاره، ومعتقداته، وخططه، وحقيقة نواياه، والطريقة التي يفكر بها، من خلال كلامه. وإذا ما قمنا بالربط بين اهتمام مصطفى أمين، بمعرفة الحالة الصحية للرئيس عبد الناصر، وقيامه بإبلاغ المخابرات الأمريكية بذلك، فهل يكون للمخابرات الأمريكية، دور فى وفاة الرئيس عبد الناصر، خاصة أن كتاب، (ميراث من الدماء، تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية)، الذي يروي تفصيليا، قضية تجسس مصطفى أمين، ومحاولات الوكالة المستمرة، لاغتيال الزعيم، والإطاحة بنظام حكمه؟. حصل علي جائزة (بوليتزر الأمريكية)، الصحفية المعروفة، تقديرا، واعترافا، بأهمية، ودقة، هذا الكتاب، الذي وصل إلى أكثر من 700 صفحة، تناولت وقائع، وأحداثا، جرت على مدى 16 قائدا للمخابرات الأمريكية، أهم ما كشف عنه هذا الكتاب التاريخي، هو صلة مصطفي أمين، بالمخابرات الأمريكية، حيث كانت ال«سي آي إيه»، تدفع المال، مقابل الحصول علي معلومات، ونشر تقارير إخبارية، تؤيد السياسة الأمريكية، كذلك يؤكد الكتاب، بالدلائل، والوثائق، والتسجيلات، والاعترافات، وكان مصطفي أمين، ضمن قائمة من تدفع لهم المخابرات الأمريكية، مبالغ مالية، وأن (بروس أوديل)، كان يتقابل معه بصفة منتظمة، في شقته بالزمالك. وذكرت أيضا أن كتاب هيكل، (بين الصحافة والسياسة)، صدر عن الأستاذ، عامدا، متعمدا، قبل وفاة الأستاذ مصطفى أمين، بحوالى 13 عاما، وفي مقدمته، أشار هيكل، إلى أنه تعمد، إصدار هذا الكتاب، فى حياة مصطفى أمين، حتى يتمكن أمين، من الرد عليه، (يكذبه، يؤكده، ينفيه، يطلب إعادة محاكمته من جديد)، لكن المفاجأة تأتي، والقارعة تدق، ولم يحدث شىء من هذا على الإطلاق. لا أريد أن ألفت الانتباه إلى أحداث جاسوسية مصطفى أمين، في هذه الحلقات، من سلسلة مقالات، (هيكل الأسطورة بين الصحافة والسياسة)، ولكن أردت أن أعرض جزئية هامة، تعد تفصيلة، تبدو كما لو كانت بسيطة، تظهر خفيفة، بين سطور مقالاتي، وهي أنه بعد رحيل الزعيم الخالد، جمال عبد الناصر، تولى السلطة، الزعيم الخالد، محمد أنور السادات، وتحديدا، بعد حرب استرداد الكرامة، نصر أكتوبر العظيم، بعام واحد، طالبت أمريكا، بل ألحت على مصر، أن تفرج عن عدد من السجناء، المهمين جدا بالنسبة لأمريكا، المهتمين بقضيتهم. بالطبع كان منهم السجين مصطفى أمين، لدرجة أن الرئيس السادات، وافق على أن يفرج عنه، ضمن مجموعة، من عملاء أمريكا، لتكون بوضوح، رسالة للناس، بأنه واحد منهم، وكما ذكر هيكل، فى كتابه، (بين الصحافة والسياسة)، أنه قال للسادات: إن على أمين مستعد للحضور، من لندن، التي يقيم فيها، طوال هذه الفترة، ليستقبل توأمه، لحظة خروجه من السجن، ثم يغادران القاهرة معا، الى لندن، فقال السادات بالحرف الواحد: (يغوروا هم الاتنين)، على اعتبار أن صفحة على أمين، أيضا، لم تكن بيضاء. فضلا عن أن هناك جزئية، ذات خصوصية، تمس حزمة من الإخفاقات، لوكالة الاستخبارات، عبر ستين سنة متواصلة، بدءًا برؤسائها: جون ماكون، وليم رابورن، وريتشارد هيلمز، مدير المخابرات الأمريكية، وأكثرهم إثارة للجدل، الذي سبقته بعض الإنجازات للوكالة، وسط حالة من طوفان الأخطاء، والفوضى، وكان معظم هذه الأخطاء، آتيا من قسم المخابرات، بالسفارة الأمريكية، فى القاهرة، ومحاولاتها في التعتيم على هذه الحوادث، والإخفاقات، ودفنها تحت الأرض، وهذا ما لا يمكن أن تسمح به المخابرات المصرية. وفي الختام، كانت وقائع علاقة الأسطورة هيكل، مع (الأخوين أمين)، تصلح فنيا، ودراميا، وكوميديا، لإنتاج الكثير من الأفلام السينمائية، والمسلسلات التليفزيونية، والمسرحيات الكوميدية، تدهش الجمهور بأحداثها، وتذهل المتلقي بحقائقها، فبدأت هذه العلاقة هادئة، وطبيعية، وجيدة، وجديرة بكل احترام وتقدير، ولكنها بمجرد اكتشاف، بل التأكيد على جاسوسية (مصطفى أمين)، من قبل جهاز المخابرات المصرية العظيم، انتهت العلاقة، وأصبحت صاخبة، وعاصفة، وجارحة، وكأنها تحولت بالفعل إلى فيلم سينمائي عريق، تحكي قصة (صراع حيتان هائجة في بحر لجي، حولته بأنيابها، وجراحاته، إلى بقعة حمراء، تنزف سيولا من الدماء). رحل مصطفى أمين، في 13 أبريل 1997، إلى جوار ربه، تاركا وراءه اشكالية كبيرة، تختفي وراء سؤال خطير، : لماذا كان هذا الرجل عميلا للمخابرات الأمريكية؟ غفر الله له، فقد كان كاتبا عظيما، وصحافيا عملاقا، شاء أن يكون خطؤه عملاقا مثله. مستشار بالسلك الدبلوماسي الأوروبي