ومن هذا المنطلق، وللأسباب التى سبق ذكرها فى الحلقات السابقة من سلسلة، )هيكل الأسطورة بين الصحافة والسياسة(، نصب )مصطفى أمين( محاكمات على صفحات الجرائد والمجلات لأستاذه ومعلمه )محمد حسنين هيكل(، ووجه له عشرات التهم، منها تواطؤه على الأخوين )أمين( وتلفيق تهمة مصطفى أمين ونفى على أمين.. وهل هيكل كان فوق كل مؤسسات الدولة المصرية، وعلى رأسها التنفيذية والقضائية والأمنية والمخابراتية، لهذه الدرجة؟! بالطبع لا، لأن، الدولة المصرية بمؤسساتها، أقوى من أى ترتيب، فضلا عن أن سلطات الدولة بأجهزتها المختلفة، هى التى تابعت، وراقبت، وسجلت، وصورت، وقبضت على مصطفى أمين، متلبسًا بجريمته، فى وجود الطرف الدبلوماسى الأمريكى، الذى تخابر معه، واتهمته بأربع تهم، منها إفشاء أسرار عسكرية فى وقت الحرب، وبرأته المحكمة من هذه التهمة، وعاقبته بالأشغال الشاقة المؤبدة على التهم الثلاث الأخرى. وإذا كانت هيمنة هيكل على السلطة هكذا بهذه القوة وهذه الشراسة وهذه العجرفة التى تصل إلى تلفيق التهم لبريء، فهل كانت هذه الهيمنة والسيطرة اللتين تربع هيكل على عرشهما -على حد زعمهم- تدفع السلطة المصرية إلى التصادم مع الإدارة الأمريكية وإلقاء القبض على أحد دبلوماسييها، وتلزمه أيضا بالاعتذار عما اقترفه، ثم تقوم أمريكا بسحبه كدبلوماسى أمريكى فى القاهرة، من مصر عقب الإفراج عنه مباشرة، وتلزم السفير الأمريكى بتقديم اعتذار باسم حكومته للدولة المصرية؟ أزف مجددًا خبرًا سيئًا ومعلومات مخابراتية مهمة، أستطيع أن أجددها، لكل من تبنى براءة مصطفى أمين من تهمة «التجسس»، والتى تؤكد حزمة من المحددات والتأكيدات، فكانت دهشتى عندما كنت أتصفح كتابا، صدر فى أمريكا، عنوانه: )ميراث من الدماء، تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية(، جدير بالذكر.. أن مؤلف هذا الكتاب هو )تيم وينر(، الذى كان يعمل مراسلا صحافيًا لواحدة من أهم الصحف الأمريكية، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، وهى جريدة )نيويورك تايمز(، ويكشف هذا الكتاب للمرة الأولى النقاب عن عمليات وترتيبات وتنسيقات، أجراها جهاز المخابرات الأمريكية CIA، فى الوطن العربى، منها التنسيق مع جماعة الإخوان ومحاولة اغتيال الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، وكشف الكتاب أيضا تأكيدًا ويقينًا عن علاقة )مصطفى أمين( بالمخابرات الأمريكية، حيث عرض الكتاب الأمريكى، أهم تفصيلة، وهى: )حدث أن قام ضابط مستهتر، يتبع المخابرات الأمريكية، بكشف علاقة المخابرات مع صحافى بارز لإحدى صحف القاهرة، يُدعى «مصطفى أمين» كان أمين، مقربًا من عبد الناصر، وكانت ال»سى آى أيه» تدفع له الأموال، مقابل الحصول على معلومات وعلى نشر تقارير إخبارية مؤيدة للسياسات الأمريكية، وكان مدير محطة المخابرات فى السفارة فى القاهرة، يكذب على السفير بخصوص علاقة الوكالة ب«مصطفى أمين»، ولكن أكاذيب مدير المحطة انكشفت، واتضح أن مصطفى أمين، كان على قائمة من تدفع لهم المخابرات الأمريكية مبالغ مالية، وأن مدير المحطة واسمه «بروس أوديل» كان يتقابل بصفة منتظمة مع مصطفى أمين، وتم التأكيد على أنه لم يتم تبادل أى أموال معه فى مصر، ولكن حدث أن هناك صورة التقطت لإحدى الصفقات، وتم القبض على مصطفى أمين، وتصدرت القضية عناوين الصحف حول العالم، وبها صورة بارزة ل«أوديل»، الذى كان يعمل تحت غطاء دبلوماسى(. جدير بالذكر أن محكمة أمن الدولة العليا أصدرت فى 10 فبراير عام 1966 حكمها فى القضية رقم 10 لعام 1965، حيث قضت بمعاقبة )مصطفى أمين يوسف( بالأشغال الشاقة المؤبدة، وكانت قد انتهت المحكمة فى حكمها إلى إدانة المتهم المذكور فى التهم الثلاث: الأولى، والثالثة، والرابعة، وبرأته من التهمة الثانية، وقضت بمعاقبته بالأشغال الشاقة المؤبدة وكانت استندت المحكمة فى حكمها بالإدانة بصفة أساسية إلى ثمانية تسجيلات صوتية، كانت مسجلة على أحد عشر شريطاُ، تضمنت كثيرًا من أحاديث مصطفى أمين، جرت بينه وبين هذا الدبلوماسى المخابراتى، الذى كان يعمل ملحقا دبلوماسيا بالسفارة الأمريكية، كما استندت المحكمة إلى إقرار فعلى، خطى، مكتوب بخط يده، كان قد حرر فى ستين صفحة، وكذلك اعترافات مصطفى أمين فى محاضر التحقيق. ملحوظة: سأذكر فى الحلقة القادمة، رقم 32، التهم الأربع بالتفصيل وعلاقة التهم وصاحبها بوكالة الاستخبارات الأمريكية. مستشار بالسلك الدبلوماسى الأوروبى