لعل إرهاب اليوم، صار يتجسد فى عدوانية طاغية.. وبُغض وكراهية بلا حدود.. قد يتوارى، أو يختفى.. وقد يلتبس على البعض منا.. لكن من المؤكد أن مواطنه الأصلى والأساسى صار كامنًا فى العقل البشرى! ذلك العقل الذى عبئ بالتطرف، وحشد بالغلو والتشدد.. بل والكراهية العمياء لكل ما هو مختلف سواء كان بعيدًا فى الغرب، انظر واقعتى «نيس وميونخ» أو قريبًا فى الشرق انظر ما يحدث فى سوريا والعراق، واليمن وليبيا.. نعم هناك الرغبة العارمة فى الانتقام.. بعد أن ضاق هذا العقل، وتضاءل انغلق على أفكار بعينها تؤدى إلى تدمير البرية.. ليقف فى النهاية.. يزهو بما فعل، أشياء تذكرنا بما فعله مجنون روما وحاكمها القديم «نيرون».. عندما أحرق روما.. وهو يتراقص على أنقاضها وأطلالها!! إن إرهاب اليوم بلغ مبلغًا من العدوانية والفاشية والتوحش.. غير مسبوق بحيث بات الضمير العالمى الحىّ يتساءل بحرارة عن كيفية المواجهة.. ولكن قبل هذا السؤال علينا أن نتساءل عن المحرك الأساسى، أو المجهول المعلوم القابع خلف الستار والذى يحرك الدفة ذات اليمين تارة وذات اليسار تارة أخرى.. وإذا بالأوراق تختلط.. لتصبح ثمرة سرعان ما يقطفها اليمين المتطرف فى الغرب تحديدًا لصالحه.. وهو صار يعد العدة للقفز على السلطة.. واعتلاء إدارة العالم من جديد.. وهو يصوب عدوانيته وعنصريته ضد ما أسماه الإرهاب الاسلامى.. أو الإسلاموفوبيا، انظر ما صرح به «دونالد ترامب» المرشح الجمهورى لرئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية فى انتخابات عام 2017.. ومن قبله زعيمة اليمين المتطرف «مارى لوبان» فى فرنسا والتى تستعد بدورها للانتخابات الفرنسية المقبلة!!. إذن صار الإرهاب، يتلون ويتشكل.. ليصم الدين الاسلامى.. بينما الدين الاسلامى برىء منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب.. أما وقد صار السيف على الرقاب فيتوجب على العرب والمسلمين.. أن يواجهوا ذاك الإرهاب فى مساراته الفكرية المختلفة فى واقعهم وبيئتهم بالأساس.. وفى قول آخر ينبغى أن نواجه ثقافة الإرهاب التى تغللت فى الحياة العربية وانتشرت باستشراء الأفكار الجامدة والمحافظة والرجعية العتيقة والبالية.. بحيث صارت مجتمعاتنا بحيرات متفرقة يسبح فيها الأفكار السلفية على اختلافها من اليمين إلى اليسار والعكس صحيح.. ولهذا كما تبدو الصورة واضحة.. أننا بتنا نواجه نوعين من الثقافة.. ثقافة الموت التى يرعاها ذاك الإرهاب المتدثر بعباءة الدين زورًا وبهتانًا.. فى مقابل ثقافة الحياة التى رفع شعارها مدويّا رموز أو شموس كبرى فى سمائنا من التنويريين الأوائل.. من رفاعة الطهطاوى إلى محمد عبده إلى عبدالله النديم إلى طه حسين.. وعشرات وعشرات أو هكذا لخصهم المبدع الكبير «بهاء طاهر» فى كتابة القيم «أولاد رفاعة» على اعتبار أنه ابن بار فى هذه الكوكبة المجيدة.. والتى تمجد العقل والعقلانية وتحارب الجمود والتخلف وقد قطعت مشوارًا طويلاً وهى تعرى التحالف المقيت بين الاستبداد السياسى والتعصب الدينى.. وأصحابه الذين رفعوا شعار «الملك بالدين يبقى والدين بالملك يقوى»! ولعلنا فى مصر.. ورغم التجريف المنظم الذى مورس على حياتنا وبخاصة الثقافية والفكرية.. طيلة ما يقرب من نصف قرن بحيث ظن البعض أن أبناء رفاعة.. تلاشوا من الحياة العامة المصرية.. ومن الانشغال بالشأن العام.. وبذلك تتساوى الحشائش مع النخيل الباسق!! لكن خاب ظن هؤلاء السلفيين الجامدين.. فسرعان ما نرى بارقة أمل هنا وشعلة تضاء من بعيد هناك.. وبعض الاجتهادات الفرادى.. رغم رفع سيف الاتهام المسبق والجاهز.. وازدراء الأديان.. ليلصق بأى مجتهد عليه أن ينال العقاب.. وكأنهم يريدوننا أن نكفر بكل ما من شأنه أن يدفعنا للأمام.. ويزيل عن أعيننا وعقولنا غشاوة الجهل وقتامة التخلف والجاهلية. أو ليست الأحاديث النبوية تؤكد جوهر الدين الاسلامى الذى يدفعنا إلى العقل والعقلانية وإلى طلب العلم ولو فى الصين.. وإلى العدل والاجتهاد؟! فمن اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد ولم يصب فله أجر الاجتهاد.. وأن الإيمان الحق.. هو وما وقر فى القلب وصدقه العمل.. وأن إمام المجددين الشيخ محمد عبده قالها منذ ما يقرب الآن منذ قرن من الزمان.. أنه رأى فى فرنسا إسلامًا بلا مسلمين.. ورأى فى واقعنا المصرى مسلمين بلا إسلام.. هذا عن زمنه فما بالك بزماننا؟! أعود لأولاد رفاعة البررة.. وهو وزير الثقافة المصرى السابق والمفكر والمثقف الكبير د. جابر عصفور.. نعم هذا الرجل لم يتوان فى محاربة الإرهاب الفكرى بشتى أنواعه وصوره وفى أعلى مراتبه الآن ذاك من يتدثر بالدين.. نعم د. جابر عصفور.. يجتهد.. ويعبر عن أفكار خلاقة قد يكون أخفق فى تحقيقها لعقبات شتى واجهته.. لكن الذى لاشك فيه أنه اجتهد ومازال يجتهد.. فهل جزاؤه أن يرفع بعض المشايخ المنتسبين للأزهر.. فزاعة تتهم د. جابر بما ليس فيه، وتصادر على أفكار الرجل.. الجريئة والحرة، والتى من شأنها أن تؤسس لثقافة الحياة التى ننشدها جميعًا.. والتى تقوم على التسامح والعدل والحرية.. وإذا قال إن الأزهر بتكوينه الراهن لا يستطيع أن يقوم بتجديد الخطاب الدينى المأمول.. فليس هذا بجريمة يعاقب عليها.. ويتطاول على الرجل.. فرحم الله رجلاً قال كلمة صادقة وأمينة وحرة أمام شيخ جائر!!