لن ينسي التاريخ ذلك المشهد المهيب عندما توقف اللواء محسن الفنجري عن قراءة بيان 'انحياز الجيش لمطالب الشعب' ليؤدي 'التحية العسكرية' لشهداء الثورة وشهداء مصر عبر العصور. بل سيظل هذا المشهد الجليل محفوراً في وجدان الأجيال التي شاهدته والأجيال القادمة كرمز خالد لانتماء الجيش المصري لنسيج أمته الوطني، عكس جيوش أخري أشهرت سلاحها في وجه شعوبها، هذا المشهد الجليل حسم معركة الشعب مع نظام مبارك بقوة وحزم، لذا لا ينبغي أن يخفيه عن أعيننا وضميرنا الوطني غبار المعارك السياسية والمناورات الحزبية، وغسيل السمعة السياسية وانفلاتات الطفولة الثورية 'النقية' قليلة الخبرة لأن هذا الغبار يغلف المشهد السياسي نتيجة صراعات وانشقاقات وانهيارات ومؤامرات داخلية يقودها فلول الحزب الوطني، والرأسمالية 'التابعة' التي مازالت تملك وسائل الإنتاج ووسائل الإعلام وتتحكم في السوق وأرزاق العباد، بالإضافة لمؤامرات خارجية تقودها أمريكا وإسرائيل والرجعية العربية لحصار الثورة المصرية، ومنع انتشار تأثيرها في المنطقة، وتقزيمها والابقاء عليها كسوق نموذجي تابع للآلية الرأسمالية العالمية ومنعها من إقامة اقتصاد وطني مستقل، وشل إرادتها الوطنية من جديد لصالح العربدة الصهيونية، ورغم أنني ضد نظرية 'المؤامرة الخارجية' وأعي دور المؤامرات الداخلية التخريبي الرجعي، لكن أمريكا أعلنت علي لسان سفيرتها التي لم تسكن بعد في 'جاردن سيتي' أن الولاياتالمتحدة 'ستتدخل' بأموالها في إعادة تشكيل المشهد السياسي الداخلي، بل راحت توزع صكوك الرضا علي من شاءت من القوي السياسية عبر إعلانها عن نيتها في استئناف الحوار مع 'الإخوان المسلمين' دون الرجوع للخارجية المصرية!! وكأنها تمارس حقا شرعياً في توجيه مسيرتنا الوطنية! هل يعني ذلك أنني ضد انتقاد المجلس العسكري أو الاختلاف معه أو الاعتراض عليه؟! بالعكس أنا مع الاختلاف والاعتراض والغضب، وأطالب مع المطالبين بضرورة الحزم محاكمات رموز النظام الفاسد، ومع تطهير الدولة من فلوله التي مازالت تتحكم في مؤسسات الدولة ومع القصاص العادل ممن قتل أبناءنا، وضد المصالحة علي دم الشهداء، لكن الاختلاف والاحتجاج شيء، واتهام الجيش بالتآمر شيء آخر، خاصة أن القوي السياسية، والائتلافات المنسوبة للثورة تتكاثر بالانقسام وتتناحر من أجل مكاسب حزبية ضيقة، ولمواجهة ذلك كله مطلوب من عقلاء الأمة، وقفة مع النفس، والبدء فوراً في حوار وطني جديد بين الأطراف كلها دون تخوين أو اقصاء، فكلنا شركاء في الوطن، ولولا انحياز الجيش للشعب ما نجحت الثورة، وعلينا أن ننطلق من مشهد 'تحية الشهداء' كرمز لالتحام الجيش مع شعبه وألا نسمح لأحد بخدش ذلك المشهد الجليل.