على متن طائرة حربية، انطلقنا من قاعدة جوية عسكرية بالقاهرة، متجهين إلى مدينة شرم الشيخ.. انطلقت بنا طائرة ال«كاسا» )EADS CASA C-295(، وهى لمن لا يعرف، طائرة نقل تكتيكى )أسبانية الصنع(، دخلت الخدمة فى صفوف الجيش المصرى منذ عام 1997.. وتعد طائرة متعددة المهام )نقل كبار الشخصيات.. عناصر القوات الخاصة.. تساعد فى مهام الكشف والاستطلاع ومحاربة الغواصات المعادية، التى تنفذها الدوريات التابعة للقوات البحرية.. الإجلاء الطبى.. إيصال المساعدات الإنسانية...(، اعتمادا على تجهيزاتها المتقدمة، وقدرتها على الطيران فى أصعب الظروف. شغلنى التفكير فى أبعاد المهمة المهنية، التى فرضت علينا )إعلاميين، ودبلوماسيين، وعسكريين، وأمنيين...(، قطع هذه المسافة من القاهرة إلى شرم الشيخ، للمشاركة فى اجتماعات وزراء دفاع «تجمع دول الساحل والصحراء»، والنتائج المهمة التى ستترتب على هذه الاجتماعات )عسكريا، وأمنيا(، فضلا عن أجندة اقتصادية فرضت نفسها على المشاركين فيه لاحقا، عبر بحث ومناقشة ملفات وخطط تنموية )جنبا إلى جنب مع المواجهة الأمنية والعسكرية(، كون الفقر والتهميش، هما الأب الشرعى للإرهاب، الذي راح ينشب أظافره فى أطراف وقلب بعض دول تجمع الساحل والصحراء. كانت هناك هواجس أخرى تطرح نفسها علينا، لاسيما الأطراف التى خططت لضرب الاقتصاد المصري، ودرة تاجه السياحة المصرية )ممثلة فى السياحة المصرية فى عمومها، وفى شرم الشيخ على وجه الخصوص(.. ساعة وربع الساعة من الطيران )معظمها على ارتفاع 16 ألف قدم(، قبل أن تهبط بنا الطائرة فى شرم الشيخ. للوهلة الأولى، تستشعر حقيقة وصفها ب«مدينة السلام»، حيث الهدوء، والسكينة، والجمال، الذي يوازى مدن: نيس الفرنسية، وفلورنسا الإيطالية، ومناطق أخرى يحج إليها البعض طمعا فى الراحة والتمتع بالطبيعة الخلابة، فى الطريق من المطار إلى الفندق المخصص للإقامة، تأكد لنا أن اختيار الرئيس الأسبق، حسنى مبارك، لمدينة شرم الشيخ، مقرا محببا لإقامته شبه الدائمة )خلال السنوات التى سبقت تخليه عن السلطة(، لم يأت من فراغ. كثيرة جدا عناصر الجذب المتعددة، هى التى رجحت إقامة عشرات الفعاليات السياسية والدبلوماسية الدولية، بقاعة المؤتمرات الكبرى )تابعة لمجموعة جولى فيل، المملوكة لرجل الأعمال المقيم أسبانيا، حسين سالم(، وهو الأمر نفسه فيما يتعلق باختيار مدينة شرم الشيخ مقرا لإقامة الوفود رفيعة المستوى )برئاسة زعماء، ورؤساء دول وحكومات(، نتيجة عملية الضبط والربط الأمنى المحكمة، دون مغالاة أو تكلف، على عكس الصورة النمطية التى يتم بها تأمين فعاليات مماثلة فى مناطق أخرى. فى الفندق الذى نزلنا به، التقينا الكثير من العاملين من مستويات متعددة، لكن الشاذلى )شاب جنوبي من الأقصر(، كان أكثر تعبيرا عن شريحة كبيرة من العاملين فى قطاع السياحة، الذين يتمسكون بمواجهة الأزمة )بعد حادث سقوط الطائرة الروسية، إيرباص إيه 321(، ويفكرون )مع رجال الأعمال(، فى طرق وبدائل متعددة لتنشيط الحركة السياحية. يشير «الشاذلى» لمئات المشروعات السياحية )أكثر من 200 فندق، ومنتجع، ومئات المطاعم والمقاهي والأسواق التجارية والمدن الترفيهية والملاهي الليلية والكازينوهات(، التى كانت تمارس نشاطها، ومشروعات أخرى تحت الإنشاء، كانت تخطط للدخول فى أجواء المنافسة، على المجموعات السياحية الغفيرة التى تقصد شرم الشيخ، قبل الطعنة التى تلقاها قطاع السياحة بحادث الطائرة، المثير للشكوك، على صعيد التوقيت )كانت نسبة إشغالات الفنادق فى مدينة شرم الشيخ تتجاوز ال80%(، وخبث المخططين )بهدف فك الارتباط بين مصر وروسيا، وتشويه العلاقات بين البلدين والشعبين(، وملفات أخرى استهدفتها الحملة الإعلامية الظالمة على مصر. خلال الساعات المحدودة، المستقطعة من وقت العمل والراحة، قصدنا بعض مناطق الجذب السياحى فى المدينة )السوق القديم، خليج نعمة(.. دخلنا مقاهى، وكافيهات )أشهرها: فرشة، الذى يقصده غالبية المترددين على منطقة السوق القديم(.. اختلطنا بالناس، للوقوف على أحوال السياحة المصرية )تشكل عائداتها 15% من الدخل القومى المصري(. نعم، يستشعر الجميع خطورة المؤامرة على مصر، وعلى درتها السياحية )شرم الشيخ(، لكنهم تحدثوا بشفافية عن جوانب أخرى فى الأزمة.. استشعرتها فى حديثى مع رامي )شاب، شرقاوى(، يعمل فى إحدى شركات السياحة.. عبر بحزن(، عن تواضع رؤية المسئولين فى وزارة السياحة، التى تعتمد منذ سنوات على تصور معين، دون تغيير، ما يعنى عدم الاستفادة من 25 نوعا من السياحة فى شرم الشيخ، لأنها نقطة جذب لمن يفكرون في إجازة أسبوعية أو موسمية من مختلف أنحاء العالم، ومع نصف الابتسامة التى تأخذ طريقها لوجوه العاملين فى قطاع السياحة بشرم الشيخ، لكن الجميع يستشعر أن الأزمة مؤقتة.. وأن القادم أفضل.