تداعيات الاتفاق النووي الإيراني من المنظور النووي العسكري تنذر بسباق تسلح نووى بالمنطقة فطبقًا لبنود هذه الاتفاقية ومن 10 إلى 15 عامًا من التوقيع على بنودها ستمتلك طهران تكنولوجيا نووية أكثر تطورًا وقدرة أكبر على التخصيب وبتكنولوجيا أعلى خاصةً مع تدفق المليارات على الخزانة الإيرانية بعد رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وأيضًا تحديث الترسانة العسكرية التقليدية. وبعد رفع الحظر على الأسلحة التقليدية وقطع غيار الصواريخ الباليستية، ستسعى إيران إلى تخصيب اليورانيوم بمعدلات عسكرية ومن ثم صناعة رؤوس نووية وإنتاج صواريخ عابرة للقارات قادرة على حملها. إذ لا يوجد في هذه الاتفاقية أي قيود على برامج إيران للأبحاث وتطوير القدرات الصاروخية لها، ونشير في هذا الصدد إلى تقرير صادر عن المجلس الأمريكي للسياسة الخارجية بأن الاتفاق النووي لن يقفل كل الأبواب أمام إيران للتسلح النووي بل سيبقي الباب مشرعًا على مسار سري انتفع من برنامج كوريا الشمالية، واللتين ترتبطان بمساعي تطوير صواريخ مشتركة منذ عام 1985 لإنتاج صواريخ سكود- ب التي يبلغ مداها 300 كم. ويمضي التقرير بالقول: إن ترسانة كوريا الشمالية الصاروخية والنووية تشكل إلهاما لكل النشاطات الإيرانية في مجال الصواريخ الباليستية التي أنتجت بفضلها صواريخ شهاب 3 و4 التي دخلت الخدمة الميدانية ونماذجها المتطورة الأخرى من الجيلين الخامس والسادس قيد التجربة. ويعتقد التقرير أن البلدين يتجهان بسعيهما المشترك لإنتاج صاروخ عابر للقارات يحمل رؤوسا نووية متفجرة. هذا التقرير إذا ما صحت رؤيته، فبالتأكيد ستسعى دول الخليج لامتلاك وسائل ردع وقدرات دفاعية تواجه قدرات إيران الصاروخية، وربما تُجبر دول الخليج على الانضمام للمظلة النووية الأمريكية. فبعد إبرام الاتفاق النووي الإيراني لم تتوقف تقارير مراكز الفكر الأمريكية عن الترويج للقوة النووية الإيرانية، والتشديد على نيّات إيران المستقبلية في امتلاك رؤوس نووية محملة على صواريخ باليستية عابرة للقارات، ومن ناحية أخرى تصدر تقارير مضادة تحث دول الخليج بطريقة غير مباشرة على امتلاك قدرات نووية في مواجهة النووي الإيراني. فمثلًا صدر تقرير بحثي حذرت فيه مؤسسة هاريتاج فاونديشن صناع القرار الأمريكي بأن الحلفاء في السعودية وتركيا لن يقفوا مكتوفي اليدين وما هي إلا مسألة وقت حتى يتم تطوير قدرات نووية ذاتية لكل منهما، مما سيفاقم التوترات الإقليمية إلى أبعد مدى، حسب وصف المركز. الُلعبة مستنسخة من نموذج كوريا الشمالية والتي تمخض عنها نشر الدرع الصاروخية النووية الدفاعية على مساحات واسعة من أوربا وتريد الولاياتالمتحدة تمديد الدرع لتصل إلى عمق الشرق الأوسط عبر دول الخليج باستخدام الفزاعة الإيرانية، وبالفعل وجدت دول المنطقة في التقارب الإيراني – الأمريكي والتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن برنامج إيران النووي تهديدا لمصالحها لا سيما مع التوقعات بأن يُؤدي الاتفاق النووي إلى تعزيز نفوذ إيران الإقليمي. عندما بدأ الرئيس باراك أوباما يروّج للاتفاق الذي من شأنه تأخير قدرة إيران على بناء سلاح نووي كانت أولى حجة قدمها هي أن امتلاك إيران لأسلحة نووية سيفتح الطريق أمام سباق تسلح نووي في العالم العربي وقال أوباما عام 2012 إنه من شبه المؤكد أن اللاعبين الآخرين في المنطقة سيشعرون بحاجة ماسة لبناء أسلحة نووية خاصة بهم. ومع إبرام الاتفاق النووي الإيراني ورغم المباركة الدبلوماسية على استحياء من قبل قادة الخليج فإن المملكة العربية السعودية تعهدت بمضاهاة قدرات التخصيب النووي التي سيُسمح لإيران بالاحتفاظ بها. وقال مسئولون سعوديون ومحللون لوسائل الإعلام الغربية آنذاك إن مثل هذا التهديد الإقليمي قد يدفع الرياض باتجاه إعادة إحياء برنامجها النووي المجمد، وذلك من أجل مواجهة طهران. فعلى المدى القريب يمكن أن تقبل المملكة بالخطوات التي ستتخذها الولاياتالمتحدة لتكثيف جهود مساعدة دول الخليج التي تعهد بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أمام مجلس التعاون الخليجي في سبتمبر 2015, ومنها تدريب القوات الخاصة وزيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالوكلاء الإيرانيين الذين يتسللون بغرض إثارة الفتن والاضطرابات، ومساعدة دول الخليج على تحسين دفاعاتها الصاروخية وزيادة التدريبات العسكرية المشتركة ومساعدة القوات البحرية لتلك البلدان على تحسين قدرتها على اعتراض محاولات إيران لتهريب الأسلحة والأشخاص. لكن على المدى المتوسط والبعيد فقد تلجأ المملكة إلى إطلاق برنامج نووي عسكري وفق استراتيجية كبرى إذ تبقى كل الخيارات مفتوحة أمام المملكة التي أفصحت عن توجهاتها النووية السلمية عام 2006 بالإعلان عن برنامج نووي عملاق بتكلفة 100 مليار دولار، ووقعت على قائمة من الاتفاقيات للتعاون النووي مع الكثير من الدول من بينها روسيا والأرجنتين والصين وكوريا الجنوبية وفرنسا، فتطوير برنامج نووي يتماشى مع ميثاق منع انتشار الأسلحة النووية يُمكن المملكة من أن تلعب نفس اللعبة الإيرانية. كما أن باكستان إحدى الدول النووية الهامة التي يمكن أن ترتكز عليها المملكة في سلاح ردع نووي قادم إما بمساعدة باكستانية على إقامة موقع لتخصيب اليورانيوم على أرض المملكة، أو أن تضع باكستان رؤوسا حربية نووية تحت تصرف المملكة على أراضيها إذا ما واجهت أي تهديد نووي إيراني على المدى القريب، خاصة أن المملكة تدين البرنامج النووي الباكستاني بالأموال التي تدفقت عبر الرياض منذ سنوات مضت وربما قد يحين الوقت لسداد الفاتورة. وخاصة بعد ما صرح به المفكر الفرنسي تييرى ميسان فى مقال له قائلاً: «قامت القوة العربية المشتركة تحت القيادة الإسرائيلية، في مايو 2015، بإلقاء قنابل نيوترونية على اليمن.. صحيح أن القنابل النيوترونية أسلحة تكتيكية وليست استراتيجية، لكنها لا تقلُ شأنا عن غيرها في الحظر، وفق معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية». ويستطرد ميسان: «لم يكن أحد على دراية في ذلك الوقت، فيما إذا كان السعوديون هم الذين ألقوا هذه القنابل، أم حلفاؤهم الإسرائيليون. ومع ذلك، لم تصدر ردة فعل واحدة عن أي قوة عظمى. وفي 16 يوليو 2015، كشف «دوان كلاريج» عميل سابق تحول إلى الاستخبارات الخاصة، على قناة فوكس بيزنس، أن السعودية اشترت قنبلة من باكستان. وفي 15 فبراير من العام الحالي، جاء دور أحد المقربين من الأمير محمد بن سلمان، يدعى «دحام العنزي» ليعلن على قناة روسيا اليوم، أن بلاده صارت تمتلك القنبلة، وأنها تعتزم استخدامها «للدفاع عن العرب»، وهو يقصد بذلك إسقاط الجمهورية العربية السورية». وينهي ميسان حديثه قائلاً : من غير المعروف في الوقت الحالي، فيما إذا كانت الرياض قد اشترت فقط قنبلة نيوترونية -والتي يعتبر حفظها وصيانتها أمرا معقدا وباهظ التكاليف- أم أنها حصلت على قنابل استراتيجية من صنف «آي أو اتش». إذن الأبعاد النووية الإيرانية واحتمالية أن تغدو إيران على حافة الدول النووية يمثل خطرًا حادقًا وسط العديد من التحديات التي تواجهه المملكة العربية السعودية في خضم الحرب بالوكالة مع إيران على الأراضي السورية والعراقية، وتغير قواعد اللعبة في اليمن، ومع إصرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي السير علي خطى أجدادهم الصفويين، يظل الخطر على عروش آل سعود قائمًا. كاتب جيوسياسي