فى الشهور القليلة الماضية جن جنون الأسعار، لدرجة أفقدت متوسط الدخل السيطرة على ميزانية نفقاته الشهرية، وإذا كان هذا هو حال معظم موظفى الدولة والعاملين بالقطاع الخاص ممن تتوافر لهم دخول معقولة، فما بالك بمعدومى الدخل أو حتى أصحاب الحد الأدنى للأجور الذى تتصور الدولة أنه مناسب لحياة أسرة. نار الغلاء التهمت الجيوب فى ظل سياسات تدفع المواطن دفعا إلى الدوران فى دوامة تدبير نفقات أسرته، ومع ارتفاع أسعار الدولار مقارنة بالجنيه، ارتفعت بالتبعية كل الأسعار، دون سياسات حكومية تحد من هذا الاشتعال المتزايد فى الأسعار والدولار، وإذا كان هناك بعض السلع التى تتأثر بارتفاع أسعار الدولار، كالتى تستورد موادها الخام من الخارج، أو تلك التى تستورد بالكامل مثل السيارات على سبيل المثال، فما الذى يدفع إلى غلاء أسعار اللحوم والدواجن والخضراوات وكافة السلع الأساسية الأخرى التى لم تستورد من الخارج أو تدخل فى مكوناتها مواد خام مستوردة؟! قبل عشر سنوات تقريبًا شهدنا ارتفاعًا جنونيًا فى أسعار الدولار، وقتها تندرت وسائل الإعلام على بائعة الجرجير التى رفعت سعر بضاعتها، وعندما سئلت عن السبب قالت: «الدولار غلى»، كلام السيدة يترجم حالة التناقض التى يعانيها المجتمع والتى تسوق لما هو غير منطقى، طمعًا فى أى ربح، وعلى المواطن الغلبان أن يدفع صاغرًا، طالما انه لا يجد من يحميه. فى ظل حالة تخبط السياسات الاقتصادية، أصبح المواطن «الغلبان» هو من يدفع وحده فاتورة غلاء الأسعار، فالسلع الاساسية تتزايد أسعارها شهريا بشكل ملحوظ، وحتى أولئك الذين يعتمدون على صرف المقررات التموينية، فإنهم يعانون نقصًا شديدًا فى كميات الزيت التى يحصلون عليها، بالإضافة إلى اقتراب أسعار الأرز والسكر من نظيرتها فى المحلات التجارية. أيضًا فإن ارتفاع فواتير الكهرباء والغاز والمياه، أصبحت شكوى شبه يومية، ممن لا يستطيعون دفع قيمة هذه الفواتير التى لا تتناسب مع معدلات استهلاكهم البسيطة، وإذا أضفنا إلى ذلك خدمات التعليم والصحة، التى تكاد الدولة تكون قد رفعت يدها عنهما، وتركت المواطنين فريسة لنهب الدروس الخصوصية والمستشفيات والعيادات الخاصة، فإننا بذلك نكون أمام مأزق حقيقى. مطلوب من المواطن الذى يتعلم أبناؤه فى المدارس الحكومية، ان يدفع لهم نظير مجموعات التقوية فى نفس المدرسة، بالإضافة إلى الدروس الخصوصية، أما من يلجأ إلى المدارس الخاصة، فعليه ان يدفع مصروفاتها، وان يتكبد مبالغ باهظة أخرى تذهب لجيوب حفنة من المدرسين فى المراكز التعليمية أو «السناتر» باللغة السائدة، فى حين ان هناك اعتمادات كبيرة من ميزانية الدولة تخصص لقطاع التعليم، ولكنها لسوء التخطيط تذهب سدى. المواطن المريض عليه ان يعالج نفسه، حتى يحفظ كرامته من تسول العلاج أمام المستشفيات الحكومية، وذل انتظار الطابور الطويل، بينما المرض ينهش فى جسده. إرادة التغيير تحتاج النظرة بعين العطف للبسطاء من أبناء الشعب، فهم لا يملكون رفاهية المال التى تمكنهم من الوقوف فى وجه غول الغلاء، هم ما زالوا حتى الآن صامدين، ولكن لا يجب أن نعول كثيرًا على هذا الصمود