دون تقليل من قدر جهود الحكومات المتعاقبة لحل مشكلات المواطنين، يتعين طرح تساؤلات على المسئولين حول سبب تكرار أساليب الحل التى ثبت فشلها، أو على الأكثر خفَّفت من حدة الأزمات ولم تقض عليها تماماً، الأمر الذى يتطلب إعادة النظر فيها والاستفادة من تجاربنا وتجارب الآخرين فى البحث عن وسائل أنجع للحل أوعلى الأقل معالجة سلبيات التنفيذ،وكفانا محاربةً لطواحين الهواء. إذا بدأنا بمشكلة الدروس الخصوصية وتسبُّبها فى غياب الطلاب والمدرسين عن المدارس نجد أن محاولاتنا للقضاء عليها فشلت فى السنوات السابقة لأسباب عديدة، ومع ذلك نعود لمكافحتها بالأساليب نفسها مثل إغلاق مراكز الدروس الخصوصية(السناتر).فإذا أغلقنا مركزا هنا اليوم فما يمنعه من فتح أبوابه فى مكان آخرغداً؟، وعلى فرض أننا نجحنا فى إغلاقها جميعا ألن تتحول إلى البيوت الخاصة فيتفاقم إرهاق ميزانية الأسرة لأن مقابل الحصة سيرتفع إلى أكثر من 100 جنيه للطالب الواحد بدلاً من 35 جنيهاً فى السنتر؟،فلم يعُد أحد يستغنى عن الدرس الخصوصى لاستيعاب ما عجز عن فهمه فى الفصل لكثافة العدد وقِصَر زمن الحصة وعُقم الكتب المدرسية وصراع المجاميع فى الثانوية العامة. وإذا كان من الصعب فى المدى القصير تقليل عدد طلاب الفصل فيمكن الحد من المشكلة بمنع فتح السناتر فى وقت عمل المدارس من 8 صباحا إلى 2 ظهرا، وتغريم أصحابها غرامات موجعة وفورية عند مخالفتهم وفرض ضريبة مناسبة على نشاطهم حتى يحسبوها جيداً بالمكسب والخسارة وتوقيع عقوبات شديدة على المدرس الذى يتغيب ومجازاة مدير المدرسة إذا لم يتخذ إجراءً حازماً ضده. ومشكلة الغلاء التى تعصف بحياتنا أثبتت كل التجارب أن حلها ليس بتوفير السلع بسعرين، وأن التجار والسماسرة والدَّلالات استولوا على جزء كبير منها بالتواطؤ مع موظفين فى منافذ التوزيع وتربَّحوا ببيعها لأصحاب المطاعم والجزارين،وباستثناء منافذ القوات المسلحة لم يتمكن المواطن البسيط من الحصول على ما يحتاج من اللحوم مثلا، لأن أصحاب المطاعم وعربات الكفتة والحواوشى يسارعون للاستحواذ عليها،هذا إذا لم يبادر عاملون بمنافذ وزارة التموين بتسريبها لمحال الجزارة والمطاعم وموردى اللحوم للفنادق. يشجع على ذلك الفارق الكبير فى السعر بين كيلو اللحم بالمنافذ(50 جنيها) وفى محال الجزارة أو المحال الكبرى (90 جنيها فأكثر). وإذا كانت إمكانيات الدولة لا تسمح حاليا بتوفير الكميات التى تكفى حاجة كل المستهلكين فلماذا لا نخصص كيلو لحم أواثنين فى الشهر لكل صاحب بطاقة تموين يصرفه أو يستبدله مثل الخبز بسلع أخرى لضمان حقه، وذلك بعد حصر المستحقين فعلا؟. أما أزمة السحابة السوداء التى تُطبق على أنفاسنا فى موعد معلوم سنويا نتيجة حرق قش الأرز وحطب القطن والذرة فلا حل لها بتحرير المحاضر أوالحملات الأمنية، لأن الفلاح لديه أكثر من حيلة للتنصل من المسئولية بالحرق ليلا وفى أيام العطلات، وإنما بحل عملى يتخلص به صاحب الأرض من الحطب والقش دون اشعال النار فيه. فهو لا يستطيع تركه فى أرضه لكى يُعدِّها للزرعة الجديدة ولم يعُد يحتاجه كوقود فى المنزل بعد انتشار أفران البوتاجاز ولضيق المساكن. فلماذا لا يتم مثلاً شراؤه منه بثمن رمزى ونقله مجانا بشركات متخصصة لمصانع السماد والعلف أو حتى تشوينه بالصحراء حتى الحاجة إليه؟. وفى شتاء كل عام تحدث أزمة بوتاجاز لزيادة الاستهلاك بسبب البرد وتدفئة مزارع الدواجن، ولا أدرى ما إذا كان المخزون سيكفى هذا العام وأن توزيع الأنابيب بالبطاقة سيحول دون تكرارها بعد شهرين قبل أن يقف المواطن الذى ليس له معارف بالساعات أمام المستودع ثم يعود خاوى الوفاض؟. وأخيرا أزمة بقاء الغلابة من الخريجين بمن فيهم المتفوقون بلا عمل عالة على أُسرهم لسنوات، بينما يلتحق أصحاب الوسايط بأرفع الوظائف بتقديرات متدنية. فهذه خريجة اقتصاد وعلوم سياسية بتقدير عام جيد جدا وتقدير ممتاز فى مشروع التخرج قال لها على حد قولها موظف بمركز شكاوى مجلس الوزراء عندما سألته عن مصير شكواها إنه لا توجد لها فرصة عمل، ونصحها بالعودة إلى مدينتها (الإسكندرية) وشراء صنارة تصطاد بها السمك على البحر!. أليست هذه الفتاة المكافحة أحق من هذا الموظف بوظيفته التى لم يُحسن أداءها؟. إن تشغيل المتفوقين مهم حتى يكونوا قدوةً لمن يتبعهم، ولنقضى بذلك على روح اليأس والإحباط التى تقتل الإبداع والولاء للوطن. فلماذا لا نحاول مثلاً حصر فرص العمل فى المناطق النائية والأعمال التى ليس عليها إقبال ونشغِّل فيها مَن يرغب من غلابى الخريجين بدلا من أن يبقوا عرضة للتطرف والجريمة واستقطاب مثيرى القلاقل؟. ليتنا نرشِّد الإنفاق الحكومى أكثر، فما الداعى مثلا لسفر وزيرة الهجرة إلى الأردن لمجرد العودة بجثامين ضحايا حادث، ولمصلحة مَن تسافر إلى السعودية والإمارات لحشد الناخبين بينما المفروض أن الحكومة محايدة ليس لها حزب فى الانتخابات البرلمانية؟، أليس العاطلون أولى بالدولارات التى تنفقها ووفدها، وأجدر بها أن تركز على حث العاملين بالخارج على تحويل مدخراتهم أوجزء منها للادخار والاستثمار داخل مصر لتوظيفها فى إيجاد فرص عمل ووقف انهيار قيمة الجنيه ؟. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى