لن تنتهى مأساة السحابة السوداء، التى ترفع معدل التلوث عشرة أضعاف وتضاعف الإصابة بالربو الشعبى وأمراض السعال وضيق التنفس وتكبد الاقتصاد المصرى وفقا لبعض التقديرات نحو 74 مليار جنيه سنويا بسبب حرق قش الأرز، طالما استمر التصدى لها باطلاق التصريحات دون انتهاج وسيلة عملية تشجع المزارعين على التخلى عن حرق القش والحطب فى الحقل والكف عن ممارسة لعبة القط والفأر مع الحكومة. المشكلة تتكرر منذ عام 1999 ولم تنجح الحكومات المتعاقبة فى حلها مكتفية بتهديدات ووعود ثبت عدم جدواها، كان آخرها اعلان الرئيس التنفيذى لجهاز شئون البيئة عن تشكيل فريق عمل لتوعية المواطنين بكيفية التعامل مع السحابة السوداء، مشيرا الى بروتوكولين وقعتهما وزارته مع وزارة الزراعة لكبس 200 ألف طن قش وتحويل 90% منها الى سماد و10% الى أعلاف.فالسؤال الذى يتبادر الى الأذهان فورا هو:أى توعية تلك التى يتحدث عنها المسئول وكأن المزارعين لم يعرفوا بعد أضرار دخان حرائقهم؟ ومن من المزارعين سينفذ للقائمين بالتوعية نصائحهم اذا تعارضت مع مصالحه وكلفته ماديا؟،وكيف سيتم القضاء على المشكلة اذا كانت الوزارتان قد تعاقدتا على كبس 200 ألف فقط من أربعة ملايين طن مخلفات زراعية سنويا؟،وماذا سيفعل المزارع بالقش والحطب طالما لم يعد لديه سطح منزل يخزنه عليه كما كان يفعل أجداده، ولم يعد بحاجة اليه فى الطهو والخبيز لأنه يستخدم البوتاجاز حاليا؟..هل يتركه فى الأرض ولا يزرعها بمحصول جديد أم يلجأ الى الحل الأسهل وهو إشعال النار ليتخلص منه ويسمد بترابه الأرض طالما أن نقله سيكلفه ماديا؟. «اذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع»،حكمة بليغة يتجاهلها أصحاب المناصب القابعون داخل مكاتبهم المكيفة، حيث لم ينزلوا الى أرض الواقع بحثا عن حل عملى يحقق فائدة للمزارع وينقذ حياة مئات الآلاف من مرضى الربو والحساسية وضيق التنفس الذين يرون شبح الموت مرارا كلما اقتحمت الأدخنة بيوتهم خاصة فى أثناء الليل.ما ذنب هؤلاء المساكين الذين يتعذبون بسبب عجز الحكومة عن إيجاد حل لا يرهق الفلاح،ان لم يحقق له مكسبا،ويعفى ميزانية الدولة من إنفاق ملايين الجنيهات على العلاج وتعويضات حوادث الطرق الناجمة عن عدم وضوح الرؤية على طرق المناطق التى يعبق جوها دخان الحرائق؟. الحلول الأمنية ثبت فشلها ولدى المزارع أكثر من طريقة للتحايل على قرارات الحكومة،أبسطها إشعال الحرائق ليلا،والبينة على من ادعى.كما أن شيوع الرشى ومراعاة المصالح الخاصة والمعارف وحسابات الانتخابات عادة ما تحبط أى محاولة جادة لحل المشكلة فيخرج المتهم منها مثل الشعرة من العجين،هذا اذا أحيل الى المحاكمة من الأساس.ولكى نكون عمليين لا بد أن ننظر فى مقترحات لحل المشكلة ونطبق ولوبعضها حسب ظروف كل واحدة من مناطق زراعة الأرز.أولا: شراء القش والحطب من المزارع بالطن بمبلغ مشجع من الحقل أودفع ثمن النقل له مع هامش ربح اذا نقله الى أقرب نقطة تجميع،عندئذ سيجد أنه كسبان فى الحالتين وسيحرص على عدم حرقه فى الحقل.ويمكن دفع حوافز مالية مجزية لسائقى النقل والنقل الخفيف عن كل طن يبادرون بنقله من الحقول الى المصنع أوالمكبس،ولأنهم لا يجدون عملا بالقدر المطلوب سيرحبون بمصدر الرزق الجديد.ثانيا: توفير مكابس القش وإرسالها الى الحقول لتحويله الى بالات يتم نقلها الى مصانع الأسمدة والأعلاف وإقامة مصنع على الأقل فى كل واحدة من المحافظات المنتجة للأرز وهى الدقهلية والشرقية والقليوبية والغربية حتى يسهل نقل القش المكبوس اليها وتصنيعه علفا أوسمادا.ثالثا:اذا استحكم الأمر فلا مفر من الاستعانة بجهاز الخدمة المدنية بالقوات المسلحة لمدة شهر لنقل القش والحطب من الحقول الى المصانع والمكابس ولو بسعر التكلفة لإنقاذ المواطنين الأبرياء من المعاناة. وهذه أمثلة لأفكار بسيطة وجريئة يمكن أن تنهى مشاكل عويصة،ففى لبنان عانوا كثيرا من حرق إطارات الكاوتشوك القديمة حتى ابتكر شابان لها حلا بانشاء مصنع لهرس الكاوتشوك وتحويله الى بلاطات مطاطية لتغطية طرقات الملاعب والحدائق والمدارس ودور الحضانة بعد شرائه ممن يحوزه، حتى أنه لم يعد هناك أحد يحرق اطارا واحدا.وفى القاهرة عندما توافرت الارادة تم ايجاد حل لمشكلة الباعة الجائلين بتوفير أماكن لهم وعدم الاكتفاء بمطاردتهم فى الشوارع.ولما أرادت الحكومة توفير التمويل اللازم لقناة السويس الجديدة أتاحت للمواطنين شهادات استثمار بأعلى عائد مادى فأقبلوا بكثافة وتحقق الهدف فى أقل من أسبوعين.فلماذا لا نكرر ذلك فى بناء مصانع وشراء سيارات لنقل وتصنيع قش الأرز والحطب وتسديد فوائد الشهادات وقيمتها من عائدات انتاج المشروع؟. أما وزارة البيئة،التى يمكن أن يقوم بعملها وبشكل أفضل مجرد ادارة تابعة لوزارة الداخلية أوالحكم المحلى،فيبدو أننا لن نسمع لها صوتا، وستبقى معاناة الناس ليس فقط من السحابة السوداء وانما أيضا من المسابك والورش ومصانع الأسمنت والطوب وأعلاف الدواجن التى تقتل المقيمين حولها ببطء بإطلاق أدخنتها وأبخرتها الكريهه فى الهواء ،ولدينا أسماء بعضها اذا كان سيهتم أحد بصحة المواطنين المساكين!. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى