من يراقب الأحداث، والوقائع التى تمر بمصر فى مرحلتها الراهنة عن كثب فى المجالات المختلفة ثقافية وسياسية، واجتماعية.. يشعر بأن معظم الناس لم يكن جميعهم.. صاروا يعانون داء «التطرف» فى الحكم على الأشياء، حيث الرعونة الشديدة، والسرعة والحدة فى إطلاق الأحكام المطلقة.. ومن ثم السلوك العدوانى الأحوج تجاه كل ما هو مخالف.. وكأنه «القنص».. ليس هناك تأنٍ فى الفعل، أو تؤده فى السلوك.. وكأن الجميع صار على حافة الموسى.. وفى شرنقة محكمة للانتقام!! أينما وليت نظرك ستجد مشاهد حية تؤكد هذا المعنى وتفيض! فإذا خطوت باتجاه «اتحاد الكتاب المصريين» سترى المعارك منصوبة بين الفرقاء.. تختلط فيها الحناجر، وتنشب فيها الأظافر.. والاتهامات يتقاذفونها كالحجارة المسنونة المجمعة من على قارعة الطريق.. ملوثة، وفاسدة، وقبيحة، من الطعن فى الذمم وحتى تشويه الأفكار.. وللأسف يصبح هذا المشهد عنوان الثقافة المصرية أو ليس هؤلاء من يمثلون النخبة الثقافية المصرية؟! أليس هؤلاء هم من يحملون شعلة التنوير؟! وللأسف إننا نرى «تبويرًا» للعقل لا تنويرًا له.. وإذا سألت عن الأسباب الكامنة وراء هذا المشهد الريائى العابث.. فإنك ستدخل فى دوامة من الاتهامات المتبادلة.. لتصرخ فى النهاية أنت تردد قول د. طه حسين الأثير: من الحمق أن تتحامق على حمقى!!! أما إذا رصدنا بعضًا مما قذف به الإعلام المرئى، وأثناء زيارة الرئيس السيسى الهامة لثلاث دول آسيوية اليابان وكوريا الجنوبية وكازاخستان.. فنلاحظ أن سياسة الغمز.. غمز العقول بمهازل لا طائل لها.. من الاعتداء على الممثلة الشابة، ثم حكايات الأمناء، وصورة حاتم التى تتصدر المشهد الاجتماعى حىّ «الدرب الأحمر».. والتى نحتها فيلم «هى فوضى» ليوسف شاهين عن انحراف أمين الشرطة.. بل الشرطة ذاتها فى أيام المخلوع!! ثم حكاية توفيق عكاشة التى تذكرنا فى مساراتها بحكايات «جحا» فى المخزون الشعبى.. بهزله وحمقه، ولا أقول غباءه، وتهوره، وخيانته للعهود!! إنها وقائع تؤكد داء التطرف الذى أصابنا فى مقتل.. فصرنا معه نقتفى أثر الحماقات، والهزليات، ونعطيها أكثر من حجمها.. فى حين نترك الأساسيات، والأشياء الهامة التى تدفع فى شرايين حياتنا المتكلسة بعضًا من الأكسجين النقي.. بعد أن سدت صدورنا بثاني أكسيد الكربون، مخلفاته العديد الكربونية السامة.. والذي صار يهددنا بتدمير المخ وتراجع العقل إلي منطقة الجهل والجهالة وربما الانتقام وإطلاق الشائعات والفتن التي صارت تزاحم بعضها البعض، وتموج بها الساحة الآن. علي تلك الخلفية الاجتماعية والسياسية المرتبكة.. جاء ترشيح مصر لأمين عام جديد لجامعة الدول العربية.. بعد أن أعلن أمينها «د.نبيل العربي» عدم رغبته للترشح لدورة تالية.. ونجح المرشح المصري «أحمد أبو الغيط» بعد أن تحفظت كل من دويلة قطر ودولة السودان علي اسمه بالأساس .. ليس علي هويته المصرية.. ما علينا.. المهم أن بيت العرب أو جامعة الدول العربية سيرأسها من جديد «مصري».. وهو أمر يؤشر علي أن معظم العرب يرغبون فى أن تستعيد مصر دورها القومي الفاعل.. بعد أن هجرته وانكفأت علي نفسها طويلاً في ظل نظام المخلوع حسني مبارك. لكن ما يمثل الدهشة والرعب بل والتطرف في اطلاق الأحكام.. أن يخرج من الجامعة في هذا الوقت الحرج لا لمصر وحدها، ولكن لكافة الدول العربية التى يهددها الإرهاب من جانب والتمزق من جانب آخر.. يخرج قرار يسير علي هدي ما أطلقه مجلس التعاون الخليجي منذ أسبوع مضي.. بأن حزب الله منظمة إرهابية.. فتنطلق في اثره الآهات.. هل بداية القصيدة .. كفر؟! وسرعان ما تلقفته إسرائيل بالفرح والنشوة وقد عبرت عن ذلك وزيرة خارجيتها السابقة «تسيفي ليفني» مرحبة ومشيدة بما حدث.. بل وتنتظر المزيد وبأن الخطوة القادمة هي منع «حزب الله» من الانتخابات في لبنان.. رغم أنه مكون أساسى.. بل يشكل 40٪ من سكان لبنان.. أو ليس هذا تدخلاً سافرًا في شئون لبنان.. بل والنية الإسرائيلية صارت واضحة بالانقضاض علي «حزب الله» وهو حزب المقاومة الوحيد الذى يقف ضدها بالمرصاد بعد أن أخذت البحرين الجرين لاين أو الضوء الأخضر من بيت العرب!! هل ننتظر بعد ذلك تطرفَا في الأحكام.. أكثر من ذلك واطلاق ألسنة الانتقام أشد فتكًا مما نشاهده في الحقيقة؟ نحن ننتقم من بعضنا البعض.. ويأكل بعضًا البعض.. قبل أن يأكلنا عدونا.. لقد تجاوزنا الحكاية القديمة: لقد أكلت يوم أكل الثور الأسود.. لأننا صرنا نتعارك، ونتطاحن.. ونتضائل.. يقودنا التطرف والانتقام، وتمزقنا الأهواء، قبل أن يمزقنا العدو الإسرائيلي!!