كم نحن أحوج إلى الحكمة والعدل والحرية والمساواة.. كم نحن أحوج إلى المحبة والتسامح والإحسان والإيثار.. كم نحن أحوج إلى الهداية والعلم والبحث والمعرفة.. كم نحن أحوج إلى الأمانة والإخلاص ومكارم الأخلاق.. كم نحن أحوج إليك الآن يا سيدى يا رسول الله.. صلى الله عليك وسلم.. وفى هذه الأيام.. ونحن على إطلالة ذكرى مولدك الكريم.. أستأذنك ياسيدي.. بوقفة مع النفس فى حضرتك، لحظات تأمل، لحظات تفكر.. ولننظر فى أنفسنا..وبتجرد.. ومن ثم ننظر حولنا؛ لنراجع ما نحن فيه كل صغيرة وكبيرة فى حياتنا.. سنصحو جميعًا على حقيقة عجيبة وغريبة.. تمثل واقع الحال الذى وصلنا إليه!! والذى يتناقض تمامًا مع حكمة وجودنا على الأرض!! فأين قوله تعالى: )يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا0إن أكرمكم عند الله أتقاكم(؟! وآلية هذا التعارف تعتمد أساسًا على المحبة والسلام.. والإخاء والتعاون والحرية والاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع بعضهم البعض ومع كافة الأمم الأخرى للوصول إلى إعلاء المبادئ الإنسانية والمثل العليا التى أمر بها الله الإنسان من حيث هو إنسان صلى الله على رسله أجمعين.. فأين نحن من التعاليم والإرشادات التى وضعها الصانع وأوصانا بها مشفوعة بمنهج حياة..واضح المعالم على أيدى أنبيائه ورسله؟! واقع الحال اليوم أشبه بجاهلية ماقبل أى نبى أو رسول فى عصره!! بل زادت عليه.. أمواج متلاطمة ومستمرة من أبشع صور العنف والإرهاب تجتاح العالم وبأحدث الأختراعات والابتكارات والتقنية الحديثة.. التى يجب أن توجه لرفاهية البشر! غرقنا جميعا فى طوفان العولمة بمقاييس ومعايير مبهمة لا تفرق بين ما يجب وما لا يجب، خلط مقصود وعنصرية قميئة وازدواجية ضاع فيها الحق..وطغت السلوكيات السلبية من الكبير والصغير.. من الغنى والفقير من المتعلم والجاهل.. اللهم إلا بعض ومضات محدودة.. وقلة أجهدها الالتزام بالأصوليات والسباحة ضد التيار!! الساحة مكتظة بالعشوائيات والصراعات متخمة بالعنف والعنصرية.. وضياع صوت الحق وسط ضجيج.. تعلو فيه زمجرة البلطجى.. وأنين المظلومين وأحيانا كثيرة قطرات دماء الأبرياء.. وكل هذا مع هواء ملوث وخانق.. طال الزرع والضرع وزاد من مرضى العقول والأجساد وشعار: نفسى.. نفسى.. وأنا ومن بعدى الطوفان واضح المعالم وبكافة الألوان والكل يتنصل ويلقى بتبعاته على الآخر.. وفى الساحة منتقدون ومعارضون لا يقدمون حلولًا، ومنتقدون ومعارضون ولكل منهم ليلاه!! وهناك من يوجه إليهم النقد.. ولايكلفون أنفسهم عناء الرد مما يفسح المجال واسعا أمام الشائعات والأباطيل مما يزيد الصورة قتامة.. وفى الساحة متربصون ومع كل أزمة متربحون..ولأهدافهم محققون، ووصل الأمر نتيجة لزواج المال بالسياسة ظهور نجوم من أبراجهم العالية يحكمون دون أن يكلفوا أنفسهم عناء النزول إلى الأزقة والنجوع.. وكيف يتم دفع ثمن كل خدمة تقدمها الحكومة من جيوب البسطاء حتى مجانية التعليم..!! وفى الساحة فنادق وأندية ذات السبع نجوم طفحت بمظاهر البذخ والبهرجة المستفزة والإسراف السفيه.. فى حين أن الساحات الشعبية تعانى التجاهل والإهمال المزرى!! متخمون وجائعون فى بلد حباه الله بخيرات لا تعد ولا تحصى!! سلوكيات نتائجها نوازل وكوارث من صنع أنفسنا حوادث قطارات عبارات طائرات سيارات أتوبيسات.. تهليبات يهرب بها الكبار ويضيع فيها الصغار.. وضحايا بالآلاف.. وكلنا ضحايا هذه السلوكيات.. وأصبح اللامعقول سمة فى حياتنا.. وحتى مستقبل شبابنا وأولادنا فى التعليم والإعلام وعلى المنابر وفى الندوات..والصراع على نجومية الفضائيات..حتى الدين لم يسلم من لا معقولية السلوك.. وأصبح المال والعنف والبلطجة والتزوير والتحايل بالشعارات الدينية طريقًا للوصول إلى القمم حتى التجربة الحزبية انهارت بسبب سلوكيات من تطوعوا لإنشاء أكثر من عشرين حزبا..وبعد أن كنا نأمل منهم خطوة تثرى الديمقراطية وتنطلق بنا إلى الأمام.. كان نتاج الممارسات الحزبية على مدى ثلاثين عامًا تخللها صراع زعامات رؤساء الأحزاب وحرب مستمرة بكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة.. حتى آخر لحظة من أجل الكرسى.. متناسين تشدقهم بالديمقراطية.. وأن ألف باء الديمقراطية هو التداول والتعددية.. وبدلا من الحصول على كوادر شابة مدربة ومتمرسة ومسئولة.. كانت النتيجة حصول الشيوخ على الأستاذية فى البلطجة السياسية!! وهناك من استغل كل هذا ليوقع بين إخوة عاشوا فى ربوع هذا الوطن لأكثر من 1400 سنة فى محبة وسلام ووئام.. وفى رأيى أن السبب الرئيس لكل مانحن فيه من تدهور وتخلف وجرأة الآخرين علينا إلى السلوكيات المعكوسة..!! أرأيت يا سيدى سبب الحاجة إلى هذه الوقفة مع النفس ليراجع كل منا سلوكه وفى حضرتك.. لتكون شاهدا علينا.. ولتكون سيرتك وحكمتك ومواقفك العظيمة وأخلاقك الكريمة قدوة لنا جميعًا.. ومن أحكم ممن نزل عليه الوحى: «اقرأ باسم ربك الذى خلق..خلق الإنسان من علق.. اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم.. علم الإنسان مالم يعلم». ومن أقدر على الثبات فى الحق والدفاع عن حقوق الإنسان.. ومن أعدل ممن قال: )الناس سواسية كأسنان المشط، ولا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى( واستشهد هنا بالفيلسوف الإنجليزى «توماس كارليل» فى كتاب الأبطال: )قوم يضربون فى الصحراء عدة قرون لايؤبه لهم، فلما جاءهم النبى العربى أصبحوا قبلة الأنظار فى العلوم والعرفان، وكثروا بعد قلة، وعزوا بعد ذلة، ولم يمض قرن حتى استضاءت أطراف الأرض بعقولهم وعلومهم(. وبالكاتب والمؤرخ الفرنسى «لإمارتين» الذى أنصف محمدًا فقال: )كان محمد حكيمًا بليغًا وفيلسوف خطيبًا ورسولًا مشرعًا ومحاربًا شجاعًا ومفكرًا عظيمًا، مصيبًا فى أفكاره وتشريعاته. أسس امبراطورية روحية ومتحدة قوية0 وإذا أردنا أن نبحث عن إنسان عظيم تتحقق فيه جميع صفات العظمة الإنسانية فلن نجد أمامنا سوى محمد الكامل(. والسير «ويليام موير» فى كتابه «حياة محمد»، وجونسون فى «أديان الشرق»، والسير «فيليب جيبس» فى «عظمة الرسول»، واللورد هدلى وليونارد وبرنارد شو.. وغيرهم كثيرون.. ومن لا يتمنى من بنى الإنسان أن يكون مدافعًا عن الحرية الدينية ومتمسكا بالصدق.. ومخلصًا وأمينًا فى العمل ووفيًا بالعهد ومحبًا للنظام ونصيرًا للضعيف ورحيمًا بالأعداء ومدافعًا عن الوطن وعطوفا على الفقراء والمساكين.. صفات حميدة وسياسات حكيمة لا حصر لها تصنع النجاح لكل إنسان حاول الاقتداء بها.. تعالوا جميعًا نقف ونتعاهد سويا وفى حضرة سيدى رسول الله على أن نستنير جميعًا ونعمل جاهدين على سلوك هذا النهج العظيم.. والتحلى بصفات المصطفى صلوات الله عليه وعلى آله وسلم.. فهو القدوة المخرج والملاذ والحل لكل مشاكلنا ومشاكل البشر.. هدانا الله أجمعين. Mashaly[email protected]