خلصنا في الأسبوع الماضي إلي أنه بحب العطاء يبذل المحب ما لديه من نعم أنعمها الله عليه في صحة، أو في مال، أو في علم وفكر، أو فهم لموضوع معين تدل به من لا يحسن التصرف، فإن لك بهذا العطاء ما سوف يشعرك بالسعادة في الدنيا والهناء في الآخرة. إن الأنانية لها بريقها ولمعانها في النفس البشرية وهذا صحيح. ولقد خلق الله البشر هكذا بإرادته وحكمته سبحانه وتعالي لكنه وبما أنه يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، فقد خاطبهم بكتب كثيرة يقرأونها كالزبور والتوراة والإنجيل والقرآن وغيرها من الصحف مع بعض أنبيائه ورسله لكي يدلهم علي ذاته وصفاته العالية، ثم يرشدهم إلي كيفية عبادته، وإلي سلوك قويم، إذا حافظوا عليه كانوا من السعداء في الدنيا والآخرة. الدنيا التي أصبحنا جميعا فيها شعوبا وحكومات علي مستوي العالم من التعساء. لماذا لأننا عندما نخترع- نحن- قوانين ودساتير من بنات أفكارنا فحتما سوف تكون هذه القوانين والدساتير علي هوي من يصوغونها وهذا سوف يؤدي بطريقة أو بأخري الي نوع ما من الظلم. خصوصا وأن لكل منا هوي في نفسه، وسوف تكون الأنا مسيطرة علي واضعي هذه القوانين. ولكن إذا كان واضعها قريبا في قوله وفعله من الدساتير الإلهية كلما كانت الأنا في أضيق الحدود وسوف تحكمها روح العطاء وروح الجماعة التي هي عماد نجاح كل الأعمال اجتماعية كانت أو سياسية أو اقتصادية إلخ.. ونحن في مصر أحوج ما نكون الى هذه الروح اليوم وليس غدا. حتي نستطيع ان نخرج من هذه الكبوة التي أصابتنا جميعا إلا ما رحم ربي. لماذا كل هذه القسوة تجاه بعضنا البعض؟ الكل يسعي سعيا حثيثا إلي الأنا التي سوف تقوده الي عدم الإحساس بالسعادة. كلنا في مصر بعد ثورة يناير العظيمة التي فجرها الله وحده وأحاطها برعايته. هذه الثورة التي ثارت علي الأنانية وحب الذات لدرجة العبادة. ولكن ما الذي حدث بعد ذلك؟ سقطت جميع الأقنعة وبما أن كل إناء ينضح بما فيه فظهر المعدن الحقيقي لكل منا. ظننا جميعا أن الثورة هي أن نقول ونفعل ما نشاء بغض النظر عما اذا كان هذا صحيحا أم لا. وتعال معي لكي نلقي نظرة علي بعض سلوكياتنا، فتري في الشارع إذا تجاست ونزلت إليه لأي ظروف كان مدي الاستعجال والتسابق واللامبالاة التي تنهك أعصابك وترفع ضغطك من تصرفات الذين يتعاملون مع الشارع علي انه مشاع يفعل به كل منا ما يحلو له. نحن مثلا نعيش مشكلة عضالا وهي الزحمة الفظيعة في الشوارع فإذا تأملت هذه المشكلة فسوف تكتشف اننا صانعوها بأيدينا بعدم احترامنا لحرمات الطريق التي لم نتعلمها ولم نرب عليها أنفسنا وأولادنا، فتري هذا يقف في عرض الطريق وذاك يصف سيارته في صف ثان أو ثالث أو رابع.. مع عدم الاكتراث بباقي الناس المهم أنا وفقط؟ في الأسبوع الماضي اضطرتني الظروف الي الذهاب الي دكتور في شارع فيصل بالهرم وكنت قد تحركت من مصر الجديدة الساعة السادسة مساء وبعد معاناة لا تخفي علي الجميع وصلت الي العيادة الساعة الحادية عشرة.. لماذا كل هذا الوقت ؟ لم أر مشكلة في الشارع تستدعي كل هذا الوقت في مسافة لا تستغرق سوي ساعة علي الأكثر. وقلت في نفسي لو ان إنسانا يركب سيارة الإسعاف ويجب إسعافه في أقصر مدة من الوقت حتي نحافظ علي حياته فوجدت انه لن تستطيع السيارة إسعافه. أو آخر ارتبط بموعد لن يستطيع الوفاء به، وقس أنت علي هذا في كل ما يتعلق بمصالح الناس. وهذا بائع استحل حرمة الطريق ووقف يعرض بضاعته وهكذا...؟ يقول رسولنا الكريم في حديثه الشريف: «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذي عن الطريق». صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم، وإماطة الأذي أي إزاحته عن الطريق. ونحن نخسر كثيرا من هذا الزحام. ولقد قرأت ذات مرة ان الزحام هذا يكلفنا وحده مليارات الجنيهات في السنة ونحن في أشد الحاجة الآن الي كل هذه الأموال التي تهدر ومعها وقتنا وصحتنا؟ ولنا في الحديث بقية إن كان هناك أجل. بقلم- عماد الدين الأسود