الأخبار التي تناقلتها الصحافة العربية يوم الخميس الماضي عن إتمام المصالحة بين الفصيلين الأساسيين للمقاومة الفلسطينية 'حماس وفتح' وتسوية الخلافات بينهما تستحق أن تكون عيداً للعروبة، ولكل مواطن علي أي أرض عربية. وبنفس القدر الذي تعد فيه هذه المصالحة عيداً للعروبة، فإنها من غير شك تعتبر بمثابة قارعة للعدو الصهيوني. علي صفحات هذه الجريدة 'المصري اليوم' كتبت أكثر من مرة أناشد الفصائل الفلسطينية أن تلتقي وأن تتحاور وأن تصفي خلافاتها وأن تتوحد في مواجهة عدوها الواحد، وكنت أقول دائماً إن مرحلة التحرير لا تحتمل ترف الاختلاف، وإنه بعد أن يتم تحقيق النصر وإقامة الدولة الفلسطينية عندئذ يصبح الاختلاف أمراً مقبولاً ومسموحاً به، بل إنه يبدو أمراً طبيعياً وفقاً لاختلاف الرؤي والتوجهات، ولكن مرحلة الكفاح ضد عدو شرس لا يرحم، لا تحتمل ترف الخلاف، بل أقول: جريمة الاختلاف. ذلك أن اختلاف الفصيلين الرئيسيين في هذه المرحلة - التي هي بالضرورة مرحلة كفاح متعدد الصور وليس مقصوراً علي صورة واحدة حتي وإن كانت كلها ضرورية - مطلوبة - اختلاف الفصيلين الرئيسيين - فتح وحماس - في هذه المرحلة من الكفاح كان يبدو لي ولكثيرين أمراً غير مقبول ولا مفهوم. وكنت أضرب للإخوة الفلسطينيين الذين ألقاهم - وعلاقتي بالثورة الفلسطينية قديمة ترجع إلي أيام الانتفاضة الأولي بقيادة الصديق المرحوم ياسر عرفات، الذين عاصروا تلك الفترة يعرفون ذلك التاريخ، وإن كان من بقي منهم قليل، كنت أضرب لهؤلاء الإخوة من الفلسطينيين المثل بثورة الجزائر، وكيف أن انتصارها ارتبط بوحدة قواها. وقد استطاعت الثورة الجزائرية العظيمة أن تصل إلي غايتها وأن تحقق استقلال الجزائر بعد أن قدمت قرابة مليون شهيد، وبعد أن تحقق الاستقلال وقامت الدولة الجزائرية المستقلة، فقد كان طبيعياً أن تحدث اختلافات في الرؤي وأن تتعدد الأحزاب، بل يصل الأمر إلي حد فرض الإقامة الجبرية علي المناضل الكبير 'أحمد بن بيلا' نفسه في صحراء الجزائر، إلي أن تدخل جمال عبدالناصر وقبلت الجزائر وساطته وأطلق سراح بن بيلا الذي غادر الجزائر، لكي يقيم لفترة في ضاحية من ضواحي باريس. وقد قابلته آنذاك وقلت له تصور أن فرنسا التي حاربتها وأقلقتها سنين عددا تكون مأوي لك في هذه الظروف القاسية. وقد تذكرنا هذا الحديث عندما تقابلنا منذ بضع سنوات في الجزائر في عيدها القومي، حيث حضر المناسبة أكثر من رئيس جزائري سابق في مقدمتهم بن بيلا، وعندما عدت كتبت في 'المصري اليوم' مقالاً بعنوان 'تصوروا في الجزائر رئيس جمهورية سابق'. وكنت أقول وأكتب دائماً إن وجود 'رئيس جمهورية سابق' يسير بين الناس، ويشعر أن القانون وحده هو الذي يحميه، علامة أساسية من علامات النضج الديمقراطي الذي لم يتح للشعب العربي أن يعرفه في سائر أوطانه إلا نادراً ومن قبيل الاستثناء الذي يخرج علي قاعدته 'الجمهوريات الملكية' وهو التعبير الذي أعتقد أنني أول من نحته ولكن ما أكثر ما ينسي الناس.. ولا حول ولا قوة إلا بالله. أعود بعد هذا الاستطراد إلي الثورة الفلسطينية العظيمة التي كانت وستعود مفخرة للشعب العربي كله بعد أن توحد الفصيلان الرئيسيان لها. وأسمح لنفسي بحكم انتمائي للتيار القومي العربي منذ بدأت العمل العام في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي - أسمح لنفسي بحكم هذا الانتماء وبحكم علاقتي التاريخية بالثورة الفلسطينية - رحم الله أبا عمار، وأحمد صدقي الدجاني ورفاقهما الذين رحلوا عن عالمنا - بحكم هذا الانتماء وبحكم هذه العلاقة التاريخية أسمح لنفسي بأن أتوجه إلي الإخوة الفلسطينيين لا ناصحاً وإنما محذر. قوي كثيرة وأنظمة عديدة سيزعجها توحدكم، وستحاول الوقيعة بينكم، فكونوا علي حذر. وأهم من ذلك وقبله تأكدوا أن عدوكم الصهيوني لن يستكين ولن يتقبل توحدكم وتصالحكم ولمّ شملكم، لأنه يدرك جيداً أن هذا التوحد هو بداية النهاية للمشروع الصهيوني العنصري. حاذروا وتوقعوا أن أيادي كثيرة وراءها في الأساس إسرائيل ستحاول بكل ما أوتيت من قوة ومن وسائل ومن أجهزة إعلام في العالم كله أن تُوقِع بينكم وأن تفرق شملكم، فردوا عليهم كيدهم وحافظوا علي ودتكم فهي سلاحكم وهي وسيلتكم وهي طريقكم لتحقيق النصر وإقامة دولتكم الفلسطينية وعاصمتها القدس. ومن يدري قد تكون ثورتكم الظافرة هي البداية لوحدة صف عربي قوي، يقول للعالم إننا أدركنا انتماءنا العربي وإننا عدنا صفاً متراصاً، وإننا - ببركة الثورات الديمقراطية في أرجاء الوطن العربي - سنقول للعالم إننا لسنا أقل من شعوب أوروبا التي مزقتها الحروب سنين طويلة، والتي لا يجمع بينها ما يجمعنا من وحدة تاريخ ولغة ومصير، وقد حققت ما حققته في الاتحاد الأوروبي. يا ثوار فلسطين نصركم الله ونصر بكم العرب. عضوا علي وحدتكم بالنواجذ فهي وسيلتكم إلي النصر بإذن الله.