ولد محمد مرسي عبد اللطيف بمحافظة الشرقية في أكتوبر 1912، و توفيت والدته أثناء ولادته ولحق بها أبوه وهو لا يزال طفلاً، وتربي في أسرة فنية حيث احتضنه خاله الفنان محمد مجاهد الكحلاوي الذي كان معاصرًا للفنان صالح عبد الحي وكان ذا صيت في ذلك. كان الفتي الكحلاوي يقضي وقته بين الغناء ولعب كرة القدم التي تميز فيها حتي أصبح في وقت لاحق كابتن فريق نادي السكة الحديد، كما كان يلازم نادي الزمالك ونادي الترسانة في كل سفرياتهم. لعبت الصدفة لعبتها عندما كان يعمل كومبارس في فرقة عكاشة. تأخر مطرب الفرقة زكي عكاشة في ذلك الوقت، فطلب منظم الحفلة من الكحلاوي الغناء لتسلية الجمهور الذي تجاوب معه لدرجة أفزعته فهرب من الحفل. سافر مع فرقة عكاشة للشام دون علم خاله وكان لا يزال طفلاً وعادت الفرقة بعد شهرين وتخلف هو هناك لثماني سنوات في بلاد الشام، تنقل فيها بين بلادها ليتعلم الغناء العربي الأصيل ويتقن خلالها اللهجة البدوية وإيقاعاتها وغناء الموال والعتابة وطرح الجول، ثم عاد إلي مصر شابًّا يافعًا في العشرين من عمره، خرج من بيته بحوالي عشرين قرشًا وعاد ومعه حوالي 38 ألف جنيه وهي ثروة ضخمة وقتها. اتجه الفنان الشاب إلي الغناء البدوي الذي تعلمه جيدًا أثناء سفره فكوّن في بداية حياته ثلاثية جميلة مع بيرم التونسي بالكتابة وزكريا أحمد بالتلحين وهو بالغناء. بدأ محمد الكحلاوي التمثيل نجمًا فكان أول أفلامه من إنتاج 'أولاد لامة' وبطولة كوكا وسراج منير الذي تصدر أفيشاته رغم أنه لم يظهر سوي في مشاهد معدودة، وقد كوّن الكحلاوي ثاني شركة إنتاج في الوطن العربي وهي 'شركة إنتاج أفلام القبيلة' أراد بها صناعة سينما بدوية فتخصصت في الأفلام العربية البدوية مثل 'أحكام العرب' و'يوم في العالي' و'أسير العيون' و'بنت البادية'، وغيرها والتي شارك فيها بالتمثيل واعتبرت هذه الأفلام بداية لعملية تمصير الفيلم العربي والذي كان يعتمد من قبل علي النصوص الأجنبية المترجمة، وقد قدم في هذه التجربة نحو 40 فيلما. كانت مرحلته الأخيرة بالغناء الديني التي مثلت حوالي نصف إنتاجه الفني، فقد لحّن أكثر من 600 لحن ديني من مجمل إنتاجه الذي قارب 1200 لحن، ولم تكن الأغنية الدينية تعرف بمفهومها الحالي، إذ اقتصرت في ذلك الوقت علي التواشيح الدينية، ولكنه وضع أسسها وأصبحت الأغنية الدينية تغني بنوتة موسيقية وفرقة كاملة وقد تلون في غنائه بين الإنشاد والغناء والسير والملاحم والأوبريتات، فقد قدم 'سيرة محمد' و'سيرة السيد المسيح' و'قصة حياة إبراهيم الخليل'. ولمع الكحلاوي في الغناء الديني ولاقت أغانيه حفاوة عند جمهوره وأصبحت تذاع في كل المناسبات الدينية، ومن أشهر أغانيه لاجل النبي. رفض الكحلاوي التغني لأي مخلوق إلا لسيد الخلق أجمعين محمد، فلم يغنّ لملك ولا رئيس مثلما فعل كل المطربين، وتروي عنه واقعة رفضه الغناء للزعيم جمال عبد الناصر رغم طلبه شخصيًّا، وأنه قال: لن أمدح أحدا بعد رسول الله، ولم يكن الكحلاوي يؤمن بفكرة الفن للفن، بل كان يري أن الفن لا بد أن يساير الأحداث والمواقف الإنسانية، لذا فحين بدأت حرب 48 وهجرة اليهود وأحدقت المخاطر بفلسطين كان أول من نادي بالوحدة وأنشد العديد من الأغاني الوطنية باللهجة العربية البدوية، ومن هذه الأغاني 'علي المجد هيا يا رجال'، 'وين يا عرب'، 'خلي السيف يجول' و'كريم جواد' و'يا أمة الإسلام'. حصل الكحلاوي علي شيء من التكريم -الذي لا يتناسب مع إبداعه وإضافاته للفن- فقد حصل علي جائزة التمثيل عن دوره في فيلم 'الزلة الكبري'، وجائزة الملك محمد الخامس، وحصل في عام 1967 علي وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي، ثم حصل علي جائزة الدولة التقديرية، هذا بالإضافة إلي العديد من الأوسمة والنياشين، ويسعي ابنه الفنان أحمد الكحلاوي حاليًا لإنشاء متحف لأبيه يضم أوسمته وملابسه وصوره النادرة التي سيضمها المتحف الذي سيقام بجوار مسجده بمنطقة الإمام. وقد انتابت الكحلاوي روح ايمانية جارفة وهو الذي أدي فريضة الحج 40 مرة متواصلة فلم يقطع الحج أربعين عامًا متواصلة، حيث هجر عمارته المطلة علي النيل في حي الزمالك الراقي وبني مسجدًا يحمل اسمه وسط مدافن الإمام الشافعي وبني فوقه استراحة وسكنها وبني كذلك مدفنه فيه، وبدأت خلواته في جامعه ثم امتدت معه في أوقات قضائه للعمرة التي أدي مناسكها عشرات المرات، وقد توفاة الله في أكتوبر 1982، وهو في حياته لم يندم علي شيء سوي الفترة التي قضاها في عدم طاعة الله وكان يطلق عليها 'جاهلية محمد الكحلاوي.'.