لأجل النبي لأجل النبي لأجل النبي .. تقبل صلاتي على النبي لأجل النبي أغاني دينية ارتبطت في وجدان الجيل بذكرى المولد النبوي الشريف، وارتبط معها مشهد منشهدها الوقور وهو يقف في ساحة أحد المساجد الكوبرى يرتدي عبائته الفضفاضة ويمسك بمسبحته ويُردد بصوت شجي وحب غامر للنبي صلوات الله عليه، حب الرسول يابا دوبني دوب.. عن المعاصي يابا خلاني أتوب إنه محمد الكحلاوي مدّاح الرسول، الذي ولد في مدينة منيا القمح بمحافظة الشرقية في الأول من أكتوبر عام 1912، يتيمًا يرعاه خاله الفنان محمد مجاهد الكحلاوي، الذي ورث عنه حب الفن، لقد كان خاله معاصرًا للفنان صالح عبدالحي، ذائع الصيت مثله، فتعلم منه محمد الغناء وأصول الأداء وأخذ منه لقبه أيضًا. الصدفة خطفته من عالم الكرة لعالم الفن لا يعرف الكثير منا أن المطرب محمد الكحلاوي، بدأ حياته لاعبًا للكرة، متميزًا فيها حتى أصبح كابتن نادي السكة الحديد، الذي كان يعمل موظفًا بها، فلقد كان مهووسًا بلعبها، متابعًا لكل مباريات فريقي الأهلي والزمالك، ومرافقًا لهما في رحلاتهما المختلفة، لكن حب الغناء الذي برع فيه منذ طفولته قد خطفه من لعب الكرة واحترافها، فنظرًا لعشقه للغناء والتمثيل، التحق الكحلاوي الصغير بفرقة عكاشة، التي اشتهرت وقتها بتقديم الأعمال الفنية المختلفة، لكن كفرد من أفراد الكومبارس. ولعبت الصدفة لعبتها معه عندما تأخر مطرب الفرقة زكي عكاشة، ليطلب منظم الحفل ليلتها من محمد الكحلاوي الصعود إلى المسرح والغناء لتسلية الجمهور لحين وصول زكي، ليتجاوب معه الجمهور بشكل أدهش صاحب الفرقة والكحلاوي نفسه، ليُقرر بعدها الكحلاوي ترك وظيفته بالسكة الحديد والالتحاق بشكل رسمي بفرقة عكاشة. رحلة شامية تخلق شخصية الكحلاوي الفنية سافر محمد الكحلاوي وهو لا يزال صبيًا يافعًا يبدأ حياته الفنية مع فرقة عكاشة في رحلة فنية إلى بلاد الشام دون علم خاله، ليقدم عروضًا غنائية مع الفرقة هناك استمرت لمدة شهرين، لتعود الفرقة دون الكحلاوي. فقرر الكحلاوي، الاستقرار هناك ليجوب بلاد الشام على اختلافها متعلمًا أصول الغناء العربي الأصيل، ومتقنًا للهجة البدوية وغناء مواويلها المختلفة، رحلة استمرت ثمان سنوات، عاد بعدها إلى مصر شابًا يافعًا، يمتلك ثروة بلغت 38 ألف جنيه وهو المبلغ الذي كان يُعد ثروة ضخمه في ذلك الوقت. وحجز محمد الكحلاوي مكانًا متميزًا في الحياة الفنية في تلك الفترة بوجه عام، والسينمائية بوجه خاص، حيث أسس شركة إنتاج أطلق عليها اسم، أفلام القبيلة، التي كانت ثان شركة إنتاج سينمائي في العالم العربي، وهي الشركة التي قدمت عدد لا بأس به من الأفلام العربية وصل إلى 40 فيلمًا، والتي شكلت بداية الأفلام المصرية الخالصة بعد أن كانت أغلب الأفلام تعتمد على النصوص الأجنبية. وقدّم الكحلاوي، من خلال شركته عدة أفلام عكست الحياة العربية البدوية على وجه الخصوص كان منها أحكام العرب، و أسير العيون وبنت البادية، وهي الأفلام التي شارك الكحلاوي فيها بالتمثيل والغناء، حيث كون الكحلاوي في بداياته الفنية ثلاثي مع الشاعر بيرم التونسي والموسيقار زكريا أحمد ليُقدموا معًا مجموعة من الأغنيات التي أصبحت جزء مهمًا من التراث الفني العربي مع الوقت. شعبية وجوائز اكتسب الكحلاوي مع الوقت شعبية كبيرة في الوسط الفني أهلته ليكون نقيبًا للموسيقين في عام 1945، لكنه تنازل عنها للموسيقار محمد عبدالوهاب اعترافًا منه بأهميته، كما حصل على جائزة التمثيل عن دوره في فيلم الذلة الكبرى، وجائزة الملك محمد الخامس وحصل في عام 1967 على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى. فصل الخطاب يأتيه في المنام بعد مشوار طويل مع الشهرة والنجومية والثراء، شاهد محمد الكحلاوي، النبي عليه الصلاة والسلام في رؤيا خلال منامه، وهي الرؤية التي غيرت حياته، وجعلته يترك السكن في عمارته الأنيقة بحي الزمالك ليؤسس مسجدًا وسط المدافن بمنطقة الإمام الشافعي، ويبني لنفسه فوقه استراحه يسكنها هو وعائلته، ويؤسس مدفنه فيه أيضا، ويحج أربعين مرة على مدار أربعين عامًا بشكل متواصل، ويُجري عشرات العمرات أيضًا. ويبدأ الفنان الشهير رحلته مع النبي عليه الصلاة والسلام، حيث أسس للأغنية الدينية، فأصبح بسببه هناك أغاني دينية معترف بها بعدما كان الأمر مقتصرًا على التواشيح والأناشيد فقط، فغني الكحلاوي أغاني لازالت محفوظة باسمه شكلت حوالي نصف إنتاجه الفني. ولحّن أكثر من 600 لحن ديني من مجمل إنتاجه الذي قارب 1200 لحن، 600 لحن ديني شكلوا أسس الأغنية الدينية العربية، فأصبحت الأغنية الدينية تمتلك نوته موسيقية خاصة، تنوعت بين السير والأغنيات والملامحم والأوبرتيات، فقد قدم سيرة محمد، وسيرة السيد المسيح، وقصة حياة إبراهيم الخليل، بالإضافة إلى أغنيات عديدة شهيرة منها لأجل النبي، حب الرسول، عليك سلام الله، خليك مع الله، يا إمام المؤمنين. الكحلاوي لا يغني إلا لرسول الله بعد تحوله مسيرته الفنية، أقسم الكحلاوي ألا يغني لأحد سوى رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، وألا يمدح شخصًا سواه، وهذا ما جلعه يرفض الغناء للرئيس عبدالناصر أكثر من مرة، بعدما طلب ناصر ذلك بنفسه، إلا إنه لم يتنازل عن قسمه أبدًا تحت أي ضغط، حتى رحل عن عالمنا في الخامس من أكتوبر من عام 1982 تاركًا إرثا غنائيًا دينيًا لم يُقدمه مطربًا آخر.