النظام الاقليمي العربي، هوانماط من التفاعلات السياسيةوالاقتصادية والاجتماعية والثقافيةوالانسانية والامنية، بين دول عربية جمعتها عناصر وروابط مشتركة، وهوية قومية، وتاريخ ومصالح وطموحات مشتركة. تنوعت في إطار النظام الاقليمي العربي أنماط التفاعات البينية، من تعاون وتنافس وصراعات ونزاعات، وتبلورت في صيغة مؤسسية، قبل نحو سبعين عاما هي جامعة الدول العربية، والتي التزال وتتعثر حينا قائمة حتي اآلن. تنشط حينا آخر، لكنها لم تتطور أو تتكيف مع متغيرات وتحوالت إقليمية ودولية، ومع لالصطفاف العربي، ذلك ظلت رمزا ً'للشرعية' العربية الرسمية ورمزا الجمعية، حتي في حاالت لم يتحقق فيها التضامن المطلوب، والتكامل المنتظر. ًأوال: التغري يف بيئة النظام العربي لقد تغيرت بيئة النظام اإلقليمي العربي في السنوات األخيرة، بشكل دراماتيكي، بفعل عوامل ذاتية وداخلية وإقليمية، وتحوالت في أوزان وتوازنات وأدوار للقوة والدول، وظهور قوي جديدة من جسيما غير الدول، وإن كانت تمثل خطرا للدول، ومن ثم لمجمل النظام. وأضحت بل بيئة النظام أكثر ضبابية والتباسا وقتامة. بيئة أصابها وهن القوة والهيبة 'قلة االحترام'. لقد فقدت واإللهام وأحيانا بيئة النظام العربي الكثير من معناها وعناصرها وإمكانياتها، فقد انهارت دول وتهشمت أخري، وانزوت بعضها علي نفسها تداوي همومها، وتواجه أزماتها. 'وكبرت' دول صغري، وتراجعت مكانة وأدوار دول كبري تقليدية. لقد 'تكسرت' حدود النظام اإلقليمي العربي، وتحلل بعض أعضائه من التزاماته تجاهه، وسقطت حدود متعارف عليها، وارتفع منسوب ومساحات مخاطر الحروب األهلية، وتآكلت دول في النظام اإلقليمي ووصلت إلي وضعية الدولة الفاشلة العاجزة عن إدارة نزاعاتها الداخلية وتنمية مجتمعاتها. وجاءت هجمة الجماعات الجهادية اإلسامية والمذهبية العنيفة لتكسر حدود النظام. هجمات شنها جهاديون أتوا من الشيشان وأفغانستان بل ومن أستراليا وفرنسا وإيران وأفريقيا وغيرها من الاماكن، رافعين شعارات ومشاريع خالفة وإمارات إسامية. وأمام هذه الهجمات تبخرت كلمة 'عربية' من سمة هذه التفاعات الصراعية، وبات الحديث عن دول الطوائف واألعراق والقبائل. وغرقت الدول العربية في والنزوح واإلبادة، وغابت المظلة ٍ مآس وأزمات حادة في الهوية والوالء، المدنية الجامعة، وحضر واتسع المجال المغناطيسي للصراع السني- الشيعي، وتحول االنتماء المذهبي إلي 'ميليشيا' وأيديولوجيا تنافس الدولة الوطنية سياسيا، وعابر للحدود أيضا وعسكريا السلوك الخارجي في تغير أيضا النظام اإلقليمي العربي، بما فيه مؤسسته الرسمية. وصار يندر أن ال تشجع دولة عربية 'إال من رحم ربك'، ونخب وتنظيمات سياسية عربية، الدول األجنبية والكبري علي التدخل في شؤون الدولة الوطنية، علي الرغم من كل شعارات الاستقلال والسيادة الوطنية. صارت الساحات العربية متاحة لمن يريد أن يتدخل في شؤون غيره. وجاءت قوي إقليمية غير عربية تطالب 'بحقها' في التدخل في الشؤون العربية، أسوة بالدول الكبري التي تدخلت. خالصة المشهد إذن: حالة من الانهيار، والخوف من المستقبل، أو علي األقل حالة من السيولة المرعبة، يعيشها النظام اإلقليمي العربي. حتي لو سلمنا ببقاء 'الفتة الجامعة العربية'، وعلمها علي مبناها في ميدان التحرير بالقاهرة. وتحضرني هنا، الفتة وعلم مرفوعان علي مبني كبير يحمل اسم 'منظمة الدول األميركية' في واشنطن دي سي منذ عام 1948، وعدد أعضاء هذه المنظمة نحو 35 دولة، وتهدف إلي إقامة عالقات سلمية بين دولها، تجتمع بين حين وآخر، لكن با نفع والطعم واللون، فقد تجاوزت التفاعات الواقعية في األميركيتين هذا الكيان، وبقي الشكل والمبني واألمين العام والذكري. : هل ميكن للنظام الإقليمي العربي ثانيا الاستمرار؟ لكي يستمر النظام اإلقليمي العربي، يجب التفكير في تحقيق عدد من المتطلبات بداية. منها: - أن تتوفر اإلرادة والفرصة للتفكير في إعادة الحياة والعافية والتماسك للدولة الوطنية، وامتالكها القدرة والكفاءة للتعامل مع أسئلة التنمية، وبناء دولة المواطنة والقانون، وتأسيس مشروع وطني يواجه الغلو والتطرف العنيف. - إعادة صياغة النظام اإلقليمي العربي، من حيث الهيكل والنظام والعقيدة التكاملية، وأنساقه وتفاعالته. - امتاك الجرأة في وضع سياسات متماسكة تجاه دول الجوار الجغرافي. - إن المحافظة علي 'شرعية' وفعالية مؤسسة النظام اإلقليمي العربي ممكنة وضرورية، بشرط أن تتطور إلي أشكال مؤسسية فيدرالية عليا فوق قطرية، ذات سيادة في مجاالت التكامل والعمل المشترك، وهو أمر ليس بالسهل أو اليسير وفي ضوء تغير أوزان وأدوار دول كثيرة. ً: هل هناك بديل؟ ثالثا ما البديل عن هذا النظام اإلقليمي العربي؟ وعن هذه الرابطة القومية الحضارية؟ وهل نجت منظومة مجلس التعاون'وهي نظام فرعي من النظام اإلقليمي العربي' من هذا المأزق؟ لنعترف أن التفاعات الحقيقية ألعضاء المنظومة الخليجية هي أوسع من المجلس، وتتجاوز حدوده، وهذا يعني أن إعادة صياغة هذا النظام، خاصة في ضوء الفرعي مطلوبة أيضا تداعيات األوضاع في اليمن، وموقعه المستقبلي في هذه المنظومة، إضافة إلي نوعية واتجاه تطور العالقات األميركية والغربية مع إيران. وإذا سلمنا بتعذر استدراك إعادة صياغة النظام اإلقليمي العربي، فإن، كثر الحديث عنه، هنا سيناريو بديا وفي الخارج، مرشح لملء الفراغ، وما أكثر المتشوقين والحالمين بهذا السيناريو، خاصة إذا تطورت األحداث في سورياوالعراق إلي األسوأ، قوي دول وانخرطت فيها رسميا مجاورة، بما فيها 'إسرائيل'. ملامح هذا السيناريو واضحة، نظام إقليمي جديد ومغاير يعتمد الجغرافيا واالقتصاد والمصالح، نظام يفرض نفسه بالتدريج، ينسف القديم ويشبك شراكات وتحالفات أن جديدة، ويفرض تسويات. ليس مهما يكون اسمه 'شرق أوسط جديد أو كبير ' أو إسامي'، لكنه بالقطع ليس 'عربيا، فلتركياوإيران نصيب كبير فيه. بحتا فهما دولتان موجدتان منذ سنوات بفعالية في العراقوسوريا، بفعل أنظمة تسلطية وسياسات خاطئة وخائبة. كما توجد في ساحات أخري آخرها اليمن، أيضا عن تأثيرهما في استراتيجيات فضا جماعات وتنظيمات إسامية متنوعة. علي سبيل المثال، لم نعط انتباها في السنوات الماضية، لظاهرة تقديم دراسية في جامعاتها آلالف تركيا منحا من الطلبة اليمنيين من أعضاء حزب تجمع اإلصاح 'الاخوان المسلمين'، وهنا أتساءل كم عدد المنح الدراسية التي أعطيناها لطلبة يمنيين في جامعاتنا الخليجية؟ المشهد الراهن يشي بأن لا أحد يستطيع أن يناقش الامن والسلام في الاقليم بدون التحدث مع تركياوإيران، وإلي حد ما مع أثيوبيا والتي طورت، وسياسيا دورها اإلقليمي عسكريا فنشرت قوات إثيوبية في الصومال وعلي الحدود بين دولتي السودان، ونجحت بتشييد سد النهضة علي نهر النيل.. الخ. والملفت للانتباه أن استراتيجيات هذا النظام المرتقب ال تغلق حدوده الجغرافية، وتتركها مفتوحة، وفيها يمكن إعادة رسم الخرائط السياسية، في ضوء مقاييس رسم عرقية وطائفية وتقاسم نفوذ. هكذا هوت حصون الدفاع عن حدود النظام اإلقليمي العربي، في وقت يالحظ فيه انسحابات ملموسة لدول كبري في العالم، من مسؤولية التدخل المباشر، وعلي غير 'العادة القديمة'، مما مهد الطريق أمام دول إقليمية غير عربية للتدخل المباشر في اإلقليم، وصارت الساحة مفتوحة لمن يمتلك الامكانيات والطموح للتدخل في شؤون الغير. خاتمة هذه أزمنة تحول جوهري، في منطقة الشرق األوسط، وفي تسويات لقضاياه، وفي طبيعة التفاعات بين دوله. ويخشي أن تكون من متطلبات والدة 'الجديد' حرب إقليمية مؤلمة. بقيت نقطة محورية، في هذا الاطار لابد من اإلشارة إليها، وهي االتفاق الامريكي الغربي مع إيران حول الملف النوويالايراني، وما بعده. فمن المؤكد أن هذا الاتفاق سيفسح المجال لايران لأخذ مقعدها في النظام 'الجديد'، وتعتقد الولاياتالمتحدة أن ذلك سيضبط سلوك إيران، ويحفظ توازن النظام في الشرق من جهة، وفي األرض الافغانية بين قوي الهند وباكستان والصين وإيران من جهة أخري. وفي وسط هذا كله، يتحسس النظام الاقليمي العربي نفسه، لايعثر عليها، وربما يسأل نبيل العربي نفسه، هل سأكون آخر أمناء 'غرناطة'؟