رحم الله أياماً خوالي، كانت فيها أفراح الأعياد تفوح، وتلوح قبلها بأشهر وشهور، فتملأ حيوات العرب، كل العرب بالسرور، والغبطة، والحبور! حتي كان أتعس الناس، وأشقاهم يهتبل هذه المناسبات السعيدة، فينعم بالرخاء، والسلام، والطمأنينة! نعم، كان الفقر حاضراً، لكن سيمفونيات البشاشة، والتكافل، والمواساة، والحب، والتواصل، كانت أكثر حضوراً، وفعّالية، ومصداقية! أجل، عاش السلام الاجتماعي مرفرفاً بين الجميع، بين المسلمين، والمسيحيين، بين الشيعة، والسنة، بين العرب، والدروز، والأكراد، والأمازيغ، والعلويين، والأقباط، والكلدان، والسريان! ففي أعياد العرب، كان المسلمون يشهدون احتفالات أشقائهم المسيحيين، ويقدمون لهم التحيات الطيبات، ويقولون لهم الحسني، كما كان المسيحيون يزورون إخوتهم المسلمين أثناء احتفائهم بأعيادهم، فيباركونهم، ويطوبونهم! نعم، كانت العرب قبل خمس سنوات، لا تفرق بين الأعياد الإسلامية، والأعياد المسيحية! كانت الرايات هي هي، فوق المساجد، والكنائس، بألوانها الزاهية، وبسمتها الوئامية، وفرحتها الإنسانية، وروحها العربية! كما كانت الطوائف العربية تمارس شعائرها بحرية، ومودة من الجميع! فماذا تغير في دنيا العرب خلال هذه السنوات الخمس العجاف؟! لقد طرأ طارئ علي واقع العرب الجديد الغريب العجيب النحيب! هذا الطارئ، كان يعيش تحت السراديب، وكانت له لغة باطنية غير معروفة، حتي وإن كان له تمثيل محدود في البرلمانات العربية، بحضور اجتماعي معهود، ونشاط اقتصادي مشهود! كان غول المتأسلمين يتلقي الضربات الأمنية الناجحة تلو الضربات، وهو في قمقم السجون، وظلام الكهوف، قابعاً بأمراضه الفكرية، وجراثيمه النفسية، وفيروساته الاجتماعية، وميكروباته العضوية، بعيداً عن إحداث أي تغيير في ديموغرافيا العرب! أجل، كان المجتمع العربي في عافية، وسلامة، من أمراض طابور المتأسلمين، بفضل القبضة الأمنية العربية المحمودة، التي حمته من أثر هذا الطاعون العصري المدمر للعروبة: وجوداً وحدوداً! لكن، بعد ظهور ما أسميه بالخريف العربي القاتل الخائن، خرج المتأسلمون من القمقم، فاحتلوا جميع المقاعد، وسيطروا علي كل المشاهد، وباتوا أقوي اللاعبين في عالم السياسة، بفضل ماكينة المال، والإعلام، والحشود، والاستعراض، والتأييد الغربي، خاصة بعد سقوط أنظمة: مبارك، وابن علي، والقذافي، وعلي صالح! نعم، احتل الإخوان، وربائبهم من المتطرفين الإرهابيين سدة الحكم في عدة عواصم عربية، فأحالوها إلي جحيم، وسعير، وسجين كبير! فرأينا تكفير المسيحيين، بل تكفير العلمانيين، بل تكفير المثقفين، بل تكفير علماء المسلمين غير المتأسلمين! ورأينا ظهور جماعات، وفرق، وميليشيات توازي، وتناطح مؤسسات الحكم العربية الرسمية! أجل، عمد المتأسلمون إلي تغيير خارطة، ودولاب الحكم العربي، فقرروا تمزيق الجيش العربي السوري، وتفتيته، لصالح جيشهم الموازي الخائن! وعاثوا فساداً وإفساداً داخل ليبيا، فمزقوها إلي عدة دويلات، تحت نيران رايات الإخوان، وداعش، والقاعدة! حتي صار النفط الليبي تحت قبضة الإرهابيين، بلا رقيب، ولا حسيب! وفي اليمن، خرج الحوثيون إلي العلن، فكشفوا عن عمالتهم الواضحة لإيران ضد اليمن، والعرب، فمزقوا اليمن السعيد، إلي دويلات اليمن الفاشل الطريد! وفي لبنان، ما زال حزب الله يمارس الوصاية علي الدولة اللبنانية، وعلي جيشها، ومؤسساتها، فأدخل لبنان في مزالق ومزالق! وفي العراق، بدأت دولة الشيعة تمارس التصفيات التامة ضد عرب السنة، بإيعاز من طهران! وفي مصر، نري همجية الإخوان، وإرهابهم الفاجر يضرب الناس الوادعين، لأنهم لم ينتخبوا الإخوان، وفضلوا عليهم من شعروا معه بالأمن والأمان، ونعمة السلام! وخلال هذه السنوات الخمس، كانت أعياد العرب تجللها الدماء أنهاراً، وتزينها الحروب الداخلية بحاراً، وتباركها التفخيخات، والتفجيرات، والتصفيات، والإحراقات، والعمالات، والخيانات! أجل، لقد ابتكر المتأسلمون العرب'شيعة، وسنة' من الجرائم في الأعياد العربية، ما يندي له جبين الإنسانية، والحيوانية، والنباتية، والجمادية! لقد فجّروا المساجد، باسم إسلامهم المزعوم! وفجّروا الكنائس، وحصدوا الأرواح البريئة، وقتلوا الشيوخ، والنساء، والأجنة! أجل، لقد صارت الأعياد العربية، بفضل المتأسلمين ذكري متجددة للقتل، والنسف! فلم تعد الأعياد فرصة للفرحة، بل للترح، والحزن، والسواد المقيم، والجنائز، والعزاءات، والتهجيرات! حتي أضحي بين العرب اليوم أكبر تجمعات للاجئين، والمهجرين، والهاربين علي مستوي العالم، بفضل هؤلاء المتأسلمين الفوضويين اللا إنسانيين! أجل، لقد فرض علينا المتأسلمون أعيادهم الخاصة السوداء، الكالحة، الطافحة بالكراهية، والحقد، والضغينة، لكل ما هو عربي! فكم من الأعياد التعيسة تحل علينا؟! وكم من المصائب، التي تداهمنا، علي كتائب المتأسلمين، وميليشيات المتطرفين، وجيوش مرتزقة الإسلاميين الغادرين؟! أجل، صارت فرحتهم في الأعياد، لا تتم إلا بمنظر الدماء العربية، وهي تسيل في كل مكان! فكأن الإكثار من القتل صار دليلاً علي شدة التدين بينهم! فقد أخذوا رخصة القتل، وفتوي الدم من شيوخ الدم، وإعلام الدم! إذن، فقمة النشوة المتأسلمة في الأعياد، والمناسبات الإسلامية، لا تتحقق إلا بعد شرب أنخاب الأرواح العربية، وإزهاق الأنفس العربية، واجتثاث الأجساد العربية، التي تزهق بلا جريرة، ولا ذنب سوي أنها عربية غير متأسلمة! فرحمة الله علي الأعياد العربية القديمة الجميلة! ونضّر الله ذكراها الوئامية، التكافلية، التواصلية! ووقانا الله شر أعياد المتأسلمين القبيحة الذميمة الدميمة! بل نجانا الله منهم، ومن نسلهم، وأفكارهم، وكهنوتهم البغيض البغيض! وحفظ الله العروبة، ترجمان الإسلام، ولسان القرآن، ورحمة الإنسان، وفخار العربان، وموئل الوئام، ويوتوبيا الأديان، ومسقط الإحسان، ومقام القربان!