جرت محاولات كثيرة للربط بين الإخوان والحركة الصهيونية.. وقد بلغت هذه المحاولات حدَّ التأكيد علي أن مؤسس الجماعة حسن الساعاتي 'البنا' من يهود المغرب أصلاً وأساسًا.. وقد هاجر أهله من هناك ليستقروا في مدينة المحمودية بالبحيرة.. ويمارسوا مهنتهم وهي إصلاح الساعات.. ولم يقم بهذه المحاولات خصوم الإخوان والبنا.. ومن هم علي شاكلتهم باختلاف آرائهم وتوجهاتهم.. ولكن هذه المحاولات جذبت مفكرين وأدباء كبارًا.. وما كتبه العقاد عن ذلك مازال في الذاكرة لم يبرحها بعد.. وتتزاحم الأسئلة الموحية مع كل خطوة يخطوها الباحثون في تاريخ الإخوان.. وسيرة مؤسس الجماعة.. وما يتكشف تباعًا من وقائع مذهلة.. وأحداث تثير الدهشة، وتدفع لإعادة طرح الأسئلة الملتبسة.. والالحاح علي ذلك لعل الوقائع ودراسات الباحثين.. تجيب عنها.. أو عن بعضها.. ولعل أول هذه الأسئلة يدور حول الشيخ حسن البنا.. وهل كان علي علم بتاريخ الحركة الصهيونية، ومخططاتها، ومحاولاتها إيجاد وطن 'قومي' لليهود.. ومراوغاتها، ومفاوضاتها مع أطراف نافذة لتحقيق ذلك الهدف. ومنها السلطان عبد الحميد خليفة المسلمين وقتها.. ثم السلطتان الانجليزية الفرنسية اللتان اقتسمتا دول المنطقة بينهما في عهود الاستعمار.. وأيضًا الولاياتالمتحدة.. وغيرها.. حيث تم التغاضي عن ايجاد وطن لليهود في افريقيا، واستقرار الرأي علي فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني وقتها.. وقد دعم ذلك الاتجاه وعد بلفور.. وما ترتب علي كل ذلك مما يطول شرحه.. ثم سؤال آخر حول معرفة البنا لسعي الحركة الصهيونية لدخول الحرب العالمية الثانية إلي جانب الحلفاء، للمجاملة، وتأكيد الصداقة، ووحدة المصير والهدف.. ثم للتدريب، وتشكيل جيش يهودي.. والعودة بالسلاح كنواة لجيش الدولة القادمة.. وسؤال ثالث عن علاقة البنا بالفكر اليساري، وأسلوبه في تجنيد الأنصار، والاعتماد علي الطبقة العاملة باعتبارها صاحبة المصلحة الحقيقية.. وأسئلة أخري كثيرة، وكلها تدور حول بدايات الإخوان، ومراوغات البنا، وغموض دعوته، والتباس تصريحاته.. ويمكن لدارس تاريخ الإخوان أن يكتشف استبعادهم لكافة الأسئلة المطروحة وقربها منهم.. حيث كانت قضيتهم الأولي أيضًا البحث عن وطن 'قومي' للإخوان.. وطن لا ينافسهم فيه أحد.. وكيف فكروا أن يكون 'اليمن' هو ذلك الوطن.. يشي بذلك المحاولات المبكرة والدءوبة للارتباط بقيادات يمنية شابة.. وعناصر في الأسرة الحاكمة.. وعلاقة مؤكدة بالانقلاب الذي جري هناك عام 1948 وأدي لمقتل الامام يحيي.. والقبض علي عبد الحكيم عابدين وكيل الإخوان وصهر البنا كمتهم.. وبذور الشك التي تولدت لدي الأسرة الحاكمة في السعودية بخصوص سلوك الإخوان التآمري. ولم يكن 'اليمن' وحده هو المرشح كما يبدو لنا كوطن 'قومي' للإخوان بل كان هناك في الوقت نفسه وطن آخر.. وهو فلسطين التي كانت محل صراع بين العرب والعصابات الصهيونية التي تسعي بمعاونة الغرب لسرقة البلد من أهله.. لقد سعي الإخوان للالتحاق بالحرب الدائرة من خلال متطوعين من شبابها، وبعض ضباط الجيش القريبين منهم.. ليتسني لهم التدريب، وجمع السلاح.. وإعداد تشكيلات عسكرية تنفعها في قابل الأيام.. والثابت أن الإخوان تلقوا دعمًا ماديًا غير محدود.. وفتحت أمامهم كل الأبواب لشراء الأسلحة وتخزينها.. ناهيك عن الحصول علي أسلحة الجيش المصري.. ولعل في ذلك ما يفسر محاولات ورثة البنا اقتطاع سيناء من الجسد المصري وتسليمها لفرع الإخوان في غزة كوطن 'قومي' أو امارة اسلامية.. ونواة لإمارات مماثلة.. ولعلنا نصل إلي السؤال الثالث.. حول علاقة البنا بالفكر اليساري الذي كان شائعًا وقتها.. ولم يزل فتيا.. وصيحات اليسار 'ياعمال العالم اتحدوا'.. ويعجب المتابع عندما يكتشف أن حسن البنا كان يوصي أنصاره القائمين علي تجنيد الاتباع بقوله: 'أكثروا من أصحاب الأيدي الخشنة.. فإنهم خير من يستعان بهم وقت الشدة' وتأكيده علي أن جماعة الإخوان قامت علي أكتاف ستة من العمال وقفوا إلي جانبه.. وآزروه.. وأيدوه.. وأعلنوا عن استعدادهم للموت فداء للجماعة ومؤسسها: فهل كان حسن البنا علي دراية بكل ما تقدم.. وحاول الاستفادة من تجارب الآخرين.. صهاينة أو غير صهاينة.. وكلها تكتيكات سياسية بالاساس لا علاقة لها بالدين.. ولا شيء يربطها بالاسلام. وهنا يتولد اعتقاد آخر يفرض نفسه.. حول مسلك العنف والإرهاب.. وهل تم استخلاصه، والتمسك به، واتخاذه وسيلة لتحقيق الأهداف.. كما فعلت الحركة الصهيونية التي ضربت الأمثلة في بشاعة العنف.. والقسوة.. وقتل البشر شيوخًا ونساء وأطفالاً بدم بارد.. وهو نفسه مع الأسف ما تمارسه الجماعات الإرهابية التي خرجت من عباءة الإخوان.. ومازالت ترتبط معها بحبل سري لا ينفصم.. والمؤسف حقيقة أن يتم ذلك تحت بيارق الإسلام.. التي أعتاد نشرها الإخوان لإخفاء أبشع الجرائم.. وأحط السلوكيات.