لم تنسني السنوات.. كم أتعبناكي ياأمي.. وكم أرهقنا 'قلبك'المنهك بحبنا.. فقد كنتي.. ولاتزالين.. 'الملاك'الذي غرس في قلوبنا'ينابيع الحب'.. وملأ عقولنا بمعاني'الكبرياء'.. فسطور حياتك'تضحيات' لم تتوقف يوما عن'العطاء'.. وفي سجلك الفياض 'صفحات ' من النور.. تشرق علي وجوهنا.. وتربط بين قلوبنا'إخوة'متحابون.. غرستي في نفوسهم، منذ الصغر.. ألاتفرقهم'عوائد الزمن'مهما جارت. أوتذكرين ياأمي.. هذا اليوم البعيد في قلب الزمن.. فجر الحادي والعشرين من يناير من العام 1977.. يوم جاء'زوار الفجر'.. بجندهم، وضباطهم.. يقتحمون باب منزلنا'البسيط'في قريتنا'المعني'بقنا.. ويقتادون من بيننا شقيقي'مصطفي'لأنه تجرأ.. وقاد مظاهرات18و19يناير في 'قنا'إحتجاجا علي زيادة الأسعار، في زمن'السادات'.. يومها.. تحول منزلنا إلي'مستودع للأحزان'ورفضتي علي مدار 'أربعة عشر يوما'تناول الطعام'حزنا، وقلقا علي 'إبنك'.. الذي غيبه'الظلم'ثلاثة أشهر خلف أسوار'سجن قنا الغربي'. وهل تذكرين ليلة'الخامس من سبتمبر'للعام 1981.. يوم داهمت قوة كبري من 'البوليس'منزلنا مساء.. جاءوا.. ليلقوا القبض مجددا علي'مصطفي'تنفيذا لقرارات 'السادات'فيما عرف ب'ثورة سبتمبر'لاعتقال كل المعارضين لسياساته.. وحين فشلوا في القبض عليه.. صمموا علي اعتقالي، وشقيقي'أحمد'.. ووالدنا'الراحل العظيم'.. واقتيادنا إلي'مباحث أمن الدولة'.. أتذكر وكأن ماحدث، كان'البارحة'.. حين تصديتي ياأمي للضباط، واشتبكتي معهم، تحاولين بحنان الأم، وقلبها المعلق بأولادها، أن تمنعي إعتقالنا.. مهما كان الثمن.. كنا مكبلين.. غير قادرين علي الحركة.. يومها دخلت في اشتباك لفظي مع الضابطين'أحمد شعلان'و'محمد يوسف'الذين قادا عملية الاعتقال.. ورحت أنظر اليكي في'إشفاق'وأدعو الله أن يثبتك في تلك اللحظات الصعبة. لم تمض غير أسابيع قليلة.. وكنتي علي موعد جديد.. مع'صدمة'جديدة.. حين جئتي بصحبة شقيقي'عبد الحميد'إلي الشقة التي كان يقيم فيها'مصطفي'بحي المعادي بالقاهرة.. وكنت أنا بصحبته.. بعد أن أطلقوا سراحي.. حين هاجمت قوة ضخمة من 'قوات الأمن'الشقة عند الرابعة من عصر يوم السادس عشر من أكتوبر من العام 1981.. واقتادتنا هذه المرة'كلانا'.. 'مصطفي وأنا'.. مكبلين بالأغلال.. أمام عينيكي.. يومها نظرت اليكي، ونحن علي باب'الفراق'وأدركت كل معاني'الحزن'و''الخوف'التي أفقدتك القدرة علي الكلام.. خاصة حين تعاملوا معنا، وكإننا'إرهابيين'ولسنا مجرد'معارضين'لسياسات النظام في هذا الوقت.'.. وهل تذكرين ياأمي.. يوم أخفينا عنك خبر إجراء شقيقنا'أحمد' لعملية'زرع الكلي' في إحدي مستشفيات القاهرة.. يومها حدثتينا في الهاتف.. وقلتي.. بقلبك'النقي'ونفسك'الطاهرة.. وبينما كان شقيقي يرقد في 'غرفة العمليات'قلتي.. أنكي حلمتي في الليلة السابقة ب'أحمد'وهو ممدد علي سرير'أبيض'ومن حوله'إثني عشر'طبيبا.. كان حلمك'الشفاف'هو'الحقيقة'التي أخفيناها عنك'خوفا عليكي'.. ولكن'قلب الأم'يدرك الحقائق، ولوعلي بعد مئات الكيلومترات. تماما.. كما حدث فجر يوم الأول من يونية، في العام2003.. فحين قبض علينا مجددا'مصطفي وأنا'فجر هذا اليوم من منازلنا في القاهرة لتنفيذ حكم في قضية'نشر'ضد 'رموز الفساد'.. وبينما كنا نحاول طمأنتك هاتفيا من قسم شرطة'حدائق القبة'قبل ترحيلنا لسجن'مزرعة طرة'.. يومها رويتي'حلما شبيها'بماحدث لنا.. وقلتي أن قلبك'مقبوض'لأننا في'ضيقة'شديدة.. حسب تعبيرك. صفحاتك المشرقة.. وتضحياتك من أجلنا.. هي سجل'أبيض'ياأمي.. تحفظه ذاكرتنا، مدي العمر.. وندرسه لأولادنا.. ونتغني به.. فرغم الألم.. وسنوات العذاب.. والمطاردة.. التي دفعتي ثمنها معنا.. لدفاعنا عن 'بلدنا'لكنكي.. كنتي.. وفي ذروة المحن'السند'الذي يزين لنا'الحياة'ويرسم الابتسامة علي وجوهنا.. كلما أطل وجهك'المشرق'ليمسح كل الآلام.. ويمنح قلوبنا 'زادا'و'زوادا'نتسلح به علي'عوائد الزمن'ومجرياته.. فأنتي'البلسم الشافي'لكل جروحنا.. والقلب النقي، الذي يسع العالم بمشاعره، وعواطفه التي لاتهدأ. منذ أسابيع.. إخترت أن أقضي أسبوعا كاملا معك.. إلي جوارك.. في منزلنا الكائن هناك، في أقصي جنوب الصعيد.. وبرغم مرضك ياأمي.. غير أنني كنت أشعر أنني'ملكت الدنيا ومافيها'لأنني أجالسك.. وأقبل يديكي.. وأرتمي في حضنك الدافيء.. فقلبك لايزال يحمل في داخله 'طاقة'لاتخمد من المشاعر.. وروحك'البازغة'تملأ علينا'حياتنا'وتضيء لنا الطريق.. ولم لا.. وقد منحتينا 'شقيقتان'هن'صورة منكي'في التضحية، والعطاء.. يسيران علي دربك.. لأنهن، نهلن مثلنا من'نبعك الأصيل'. 'عيدك'هو'حياتنا'ياأمي.. وماغرستيه.. أنتي ووالدنا'الراحل العظيم'من قيم.. في نفوسنا.. هي'أنبل الرسالات'التي نعيش بها.. ونتزود منها.. كلما صادفتنا الصعاب.. وأسعد مانريده، ونتمناه 'ياأمي'.. وأنتي في تلك اللحظات من حياتك.. أن'ترضي'عني.. وعن 'أشقائي'و'شقيقاتي'.. فبدونك.. لاتساوي حياتنا'شيء'.. ولم لا.. 'أليست الجنة تحت قدميك ياأمي'.. بارك الله لنا فيكي.. ومتعك بالصحة والعافية..