للكتاب العرب والمسلمين أفانين وتخيلات واتجاهات تتخطي عادة السائد والمألوف.. في معالجتهم للأمور التي تعن لهم.. ولمجتمعاتهم خاصة ما كان منها يحاول التمسح بالدين والاحتماء بقدسيته.. ولأنه لم يكن ممكنًا أن يتغاضي الكتاب والمفكرون عن الآثار التي صاحبت نشأة الإخوان.. وتخلفت عنها.. واستمرت تنمو معها وتتفرع.. وفي كل يوم تكشف عن وجه من وجوهها.. وعلاقاتها وأساليبها ومناهجها في التعامل مع البشر والأفكار، والواقع المعاش.. خصوصًا بعد أن تمكنت من خوض العديد من التجارب التي شرقت بها وغربت.. وارتفعت وسقطت.. ومن جملة ما تناوله الكتاب والمفكرون بالبحث في أمور الإخوان.. هو 'الشعار' الذي اتخذه الإخوان دلالة عليهم.. ورمزًا لهم.. وخلفية لما يمثل قناعتهم وقيمهم ومعتقداتهم.. وقال الكتاب والمفكرون إن أول ما يلفت الانتباه في تنظيم الإخوان هو شعاره الذي يتكون من سيفين حادين لامعين متقاطعين في دائرة خضراء تتوسط مقبضيها من الأسفل عبارة 'وأعدوا'.. وتحيط بها كلمة الإخوان يمينًا.. وكلمة المسلمون يسارًا.. وتتصدر حديهما من الأعلي صورة المصحف الشريف.. وهو ما يعني في جملته أن الإخوان يتبنون أيديولوجيا نشر الإسلام بالسيف.. والجهاد.. والعمل العسكري المسلح.. ولا يستطيع الباحث -أي باحث- أن يطرد من ذهنه رمزية صورة السيف والمصحف مجتمعين معًا القادمة من 'صفين' ومن حادثة التحكيم المغشوشة التي تعد أول عملية استيلاء علي السلطة بالخديعة والمكر والحيلة في التاريخ الإسلامي.. كما تذكرنا برفع جيش الأمويين للمصاحف علي أسنة الرماح والسيوف في معركة 'صفين' نفسها حين شعر معاوية بالهزيمة.. فصورة السيف والمصحف معًا شعار الإخوان تعني الإصرار علي ممارسة السياسة باسم الدين.. وإدراج الدين في الصراع الدنيوي علي السلطة.. أما عبارة 'وأعدوا' فهي تحايل علي الآية الكريمة 'وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم.. وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم.. وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون' وهي آية -كما هو واضح- تحض علي القتال والجهاد المسلح.. وقد اتفق المفسرون علي أن الآية موجهة إلي الكفار والمشركين والأعداء والذين بينهم وبين المسلمين عهد نقضوه.. يقول الطبري في تفسير الآية: 'القول في تأويل قوله تعالي: 'وأعدوا لهم'.. يقول تعالي ذكره: وأعدوا لهؤلاء الذين كفروا بربهم الذين بينكم وبينهم عهدًا، إذا خفتم خيانتهم وغدرهم أيها المؤمنون بالله ورسوله، ما استطعتم من قوة.. يقول: ما طقتم أن تعدوه لهم من الحالات التي تكون قوة لكم عليهم من السلاح والخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم.. يقول: تخيفون بإعدادكم ذلك عدو الله وعدوكم من المشركين.. ومن ثم فتوظيف الآية في شعار الإخوان غريب لاسيما إذا ربطناه بالسياق التاريخي للإخوان.. فهم ظهروا في أرض مسلمة وبين مسلمين، لا في أرض كفرة مشركين.. ولكن حين نصل هذا التوظيف بآراء المؤسسين منهم في مجتمعاتهم التي نشأوا فيها لاسيما حسن البنا 'المؤسس' وبعده سيد قطب في مصر.. وفتحي يكن في لبنان، وراشد الغنوشي في تونس.. نفهم خلفية ذلك التوظيف بوضوح.. فهم يعتقدون أن هذه المجتمعات الإسلامية تغربت واغتربت عن نفسها.. وجازت فيها الدعوة والجهاد.. كما يحمل الشعار الإيحاء بمشروع دولة الخلافة الذي يحلم به الإخوان.. والذي لن يتحقق في نظرهم إلا عبر الجهاد المسلح.. وهو ما يفسر وجود السيفين القاطعين المتقاطعين اللامعين في الشعار.. ودولة الخلافة -كما يتصورون- ستغمر الكرة الأرضية.. وهو ما يوحي به الشكل الدائري الذي يحتوي الشعار.. وهو ما يشي برغبة الإخوان في السيطرة علي العالم من جديد ايديولوجيا الجهاد المسلح في سبيل الله.. والمعروف أن اللون الطبيعي للسيف هو الأبيض الفضي.. واختيار اللون الأصفر لونًا لسيفي شعار الإخوان قد يكون له تأويلان: الأول أن الأصفر هو لون الموت.. فكأن حامل هذا الشعار يحمل الموت لأعدائه وخصومه.. والثاني أن الأصفر هو لون الذهب وهو ما يشير إلي فكرة الغنائم الحربية لمن يشارك في الجهاد.. أما لون الإطار الدائري لشعار الإخوان فهو الأخضر وهو يوحي بالازدهار والرخاء إذا عادت دولة الخلافة.. والأمر كله يجد تفسيراته في أفكار مؤسس الإخوان حسن البنا عندما انتقل إلي القاهرة قال: وجدت من مظاهر التحلل والبعد عن الأخلاق الإسلامية في كثير من الأماكن.. ناهيك عما كان ينشر في بعض الجرائد من أمور تتنافي مع التعاليم الإسلامية.. كان كل ذلك إلي جانب ما لمسته من جهل العامة بأحكام الدين.. ما أكد لي أن المساجد وحدها لم تعد تكفي.. أما سيد قطب فكان يعتبر المجتمعات المعاصرة مجتمعات جاهلة جاز فتحها.. وبعدها بدأنا نسمع مصطلحات الغزو والفتح والخلافة.. وبدأت تتردد مصطلحات التكفير ومعاجمه.. وسيد قطب يقول: 'لقد استدار الزمان كهيئة يوم جاد هذا الدين بلا لا إله إلا الله' فقد ارتدت البشرية إلي عبادة العباد، وإلي جور الأديان.. ونكصت عن لا إله إلا الله'..