بعد صدمة الاعتداء علي صحيفة شارلي إيبدو في فرنسا وبأيدي بعض من شبابها الذين تربوا وتعلموا علي أراضيها اكتشفت أوربا أن فضاءها الآن قد أصبح مستباحا أمام حركة تنقل الجهاديين من شبابها إلي مناطق التنظيمات الإرهابية ولتصبح دول أوربا وغيرها من البلدان مستهدفة لنقل العمليات الإرهابية إلي داخل دوله ولتصبح بلجيكا المقر الإداري للاتحاد الأوربي مقرًا لانطلاق عمليات الإرهابيين وبخاصة بعد زيادة عدد الشباب المتطوع والمسافر والعائد من مناطق التنظيمات الإرهابية إلي أوربا، وذلك بعد أن تمكنت التنظيمات الإرهابية كداعش في سورياوالعراق وتنظيم القاعدة في اليمن وغيرهما في مالي ونيجيريا وليبيا من استقطاب عدد كبير من شباب أوربا في السنتين الأخيرتين والقيام بتعليمهم وتدريبهم والاستفادة من خبراتهم الدراسية في بلدانهم عن طريق تجنيدهم وتوظيفهم لمحاربة الجيوش النظامية واستهداف أمنها واختراق استخباراتها بشكل غاية في التطور وهو بالفعل الأمر الذي ساعد التنظيمات الإرهابية في هذا التقدم النوعي وحسن استخدام الحرب الإلكترونية التي تعتمد علي المعلوماتية وشبكات التواصل الاجتماعي التي تمكنت من اختراق أجهزة المعلوماتية لتلك الدول وبأيدي أبنائها وهو ما يجعل الشباب الأوربي الأخطر بين صفوف التنظيمات الإرهابية وبخاصة في صفوف داعش، حدث ذلك في غياب دول أوربا التي أساءت تقدير أعداد هؤلاء المتطوعين من شبابها بسبب تفاقم الكثير من المشكلات ومنها عدم القيام بالحلول الاجتماعية والسياسية والفكرية الصحيحة لعلاج تلك الظاهرة الخطيرة والمنتشرة منذ فترة طويلة في مدن أوربا وضواحيها التي تعج بالمهاجرين من بلدان عربية وؤفريقية وإسلامية. ومثل هؤلاء يعانون البطالة والفقر والتهميش والتحقير والعنصرية وسوء معاملة الأجهزة الأمنية لهم، إضافة لامتلاء السجون بهم حتي أصبحت هي الأخري مكانا للتطرف والتجنيد لتلك التنظيمات فانضموا إليها وآمنوا بفكرها الذي أمدهم بأمل الخلاص ثم المال والوعد بالتصدي للظلم وتغيير العالم بقيام الدولة الإسلامية وتوسعها في أوربا وتطبيق الشريعة الإسلامية والأفكار التي يروجون لها ويرونها الحل الأمثل في الوقوف ضد العولمة والأنظمة المستبدة التي تقهر المظلومين والفقراء في معظم بلاد العالم. وبرغم قيام الدول الأوربية بالكثير من العمليات الحربية والطلعات الجوية الآن لدحر تلك التنظيمات إلا أن الحرب مع تلك التنظيمات ناقصة وغير كافية ولهذا ستكون تلك الحرب ممتدة بسبب تمكن تلك التنظيمات الإرهابية من تنظيم صفوفها وتحديث قدراتها الدفاعية ومواصلتها استقطاب الكثير من شباب أوربا والعالم لصفوفها برغم خسائرها مع تمكنها من اختراق المعلوماتية وأجهزة الاستخبارات للدول الأوربية، فرغم عمل أجهزة مكافحة الإرهاب في دول الاتحاد الأوربي وأمريكا ورغم تبادل المعلومات وسن القوانين الصارمة والعقابية ضد الشباب المجند ورغم التضييق علي الحدود لمنع السفر والتسلل إلا أن التنظيمات الإرهابية مازالت قوية في استقطاب الشباب وغسل أدمغته وتجنيده عبر المؤسسات الدينية كالمساجد والمؤسسات العلمية كالمدارس والجامعات والسجون التي تنتشر بكثرة في المدن الأوربية، ورغم تقدير دول أوربا لأعداد الشباب الذي نزح لتلك التنظيمات إلا أن أوربا اكتشفت مؤخرا أن الأعداد أكبر بكثير مما كانت تتصور، إضافة إلي الأعداد الكبيرة الأخري التي تحاول السفر إلي مناطق التنظيمات الإرهابية، هذا في الوقت الذي تخشي فيه دول أوربا من عودة الجهاديين إليها وإمكانية قيامهم بعمليات إرهابية متوقعة علي غرار حادثة الاعتداء علي جريدة شارلي إيبدو بباريس وهو الاعتداء الأكبر الذي لفت أنظار العالم إلي خطورة الإرهاب وخطورة الخلايا النائمة في المدن الأوربية ومنها ما تعرض لاحقا إلي المطاردات التي تمت في بلجيكا وألمانيا وغيرها من الخطوات الاستباقية التي تستهدف الخلايا النائمة الآن، ففي فرنسا هناك أكثر من 1500 مجاهد موجود في داعش ومعه أعداد كبيرة من كل دول أوربا يعملون بكفاءة مع التنظيمات الإرهابية وقدرة بعضهم علي السفر وتجنيد الكثير من الشباب والدليل هو أفراد الخلية الإرهابية التي اشتركت في عملية شارلي إيبدو والمتجر اليهودي بباريس، ثم قيام بعض من شباب فرنسا المنخرط مع داعش بالاشتراك في القيام بقطع رؤوس الجنود السوريين من قبل ومنهم علي سبيل المثال الشاب مايكل سانتوس ويسمي أبو عثمان من منطقة فاليمار الباريسية، ورفيقه الذي أعلن إسلامه ويسمي مكسيم أوشار وقد تم التعرف عليهما من زملائهما بفرنسا وهم يقومون بقطع الرؤوس وهم كاشفو الوجوه وهو ما تسعي إليه داعش من أجل بث رسالة التخويف لأوربا وضمان ولاء المجاهدين لها في الداخل والخارج مما يثبت نجاح داعش في استقطاب الكثير من هؤلاء علي غرار ما فعلته القاعدة في أفغانستان من قبل وما تفعله القاعدة باليمن الآن، كما تم التعرف علي الشاب البريطاني الذي كان قد قام بقطع رقبة الصحفي الأمريكي وغيرها الكثير من الجرائم التي ترتكبها داعش بأيدي الشباب الأوربي وتقوم بإجادة عرضها عبر شبكات التواصل الاجتماعي وترويجها علي غرار أفلام هوليوود وهو ما يحرج الدول الغربية ويجعلها عاجزة أمام مكافحة تلك الظاهرة والتخلص من التنظيمات الإرهابية التي تضرب بقوة في الكثير من بلاد العالم، والأخطر في ذلك أن الحرب التي تدار من قبل التنظيمات الإرهابية لم تعد حربا تقليدية بل تخطتها إلي المهارة في استخدام الحرب الالكترونية والاستفادة من نظم وتكنولوجيا المعلوماتية لإدارة تلك الحرب بالاعتماد علي شباب أوربا المتفوق في ذلك علي غيره من الجهاديين. إضافة إلي وجود الأسلحة الحربية المتطورة والقدرة علي التدريب العالي والاعتماد علي بعض الدول التي تتعامل مع تلك التنظيمات وتقيم معها علاقات مشبوهة ومصالح سياسية واقتصادية وفكرية معينة وتسهل لعناصرها سهولة التنقل والدخول والخروج ومدها بالمال والسلاح اللازم ومنها علي سبيل المثال وليس الحصر تركيا وقطر اللتين تساعدان تلك التنظيمات وتخاذلهما عن القيام بالدور المنوط لهما بمساعدة الحلف الدولي الذي يتصدي لداعش والنصرة في العراقوسوريا، وأيضا تورطهما في عدم مد الحلف والدول الأوربية بالمعلومات الاستخباراتية الصحيحة عن حركة تنقل المجاهدين وهو ما سبب اختراق أجهزة الاستخبارات في البلدان الأوربية وساعد بدوره في نجاح بعض العمليات الإرهابية علي أراضيها. وإن لم تتحرك دول الاتحاد الأوربي من الداخل لعلاج تلك الظاهرة علي المستوي الأمني والسياسي والاجتماعي وأيضا إن لم تتضافر جهود دوله مع باقي الدول العظمي والتنسيق مع الدول التي تنكوي بنار إرهاب وممارسات تلك التنظيمات التي تتواجد فيها بمسميات مختلفة وإعلان حالة التضامن القصوي للوقوف معا صفا واحدا ضد خطر الإرهاب بعيدا عن المصالح المشبوهة والضيقة فإن مدن وعواصم تلك البلدان ستكون عرضة إلي الكثير من العمليات الإرهابية الكبيرة في مدنها وبأيدي أبنائها وخلاياهم النائمة والمنتشرة في الضواحي والمدن الأوربية والذين يحلمون برفع الأعلام السوداء علي مدنها بسبب ما يحملونه من حقد وكراهية لهم مع ما يؤمنون به من أفكار ومعتقدات التنظيمات الإرهابية.