شكلت أوروبا ساحة واسعة للخلايا الجهادية والشخصيات المتطرفة، منذ منتصف السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضى، وتوسعت هذه الخلايا واستقطبت المزيد من الأجانب والعرب والأفارقة المهاجرين، باستغلال عدة عناصر، منها العنصرية والبطالة وانخفاض مستوى المعيشة للمهاجرين، وتعد دول «فرنسا وإسبانيا وألمانيا وكندا وإنجلترا وأستراليا»، أبرز الدول التى تشهد وجوداً لهذه الخلايا الإرهابية النائمة. وتنشط هذه الخلايا النائمة فى أوروبا، فى الأحياء الفقيرة، وبين الأوساط الشبابية، التى تتراوح أعمارها بين 18 و29 عاماً، ويتلقى كثيرون منهم دعماً مباشراً من تنظيمى «القاعدة» و«داعش»، إذ إن ميزانية الأخير وصلت إلى 2 مليار دولار، بفائض 250 مليون دولار، وفقاً لصحيفة «نيوزويك» الأمريكية. وهناك 700 مقاتل من فرنسا يقاتلون فى صفوف «داعش»، و500 من بريطانيا، و400 من ألمانيا، و300 من بلجيكا، و100 من إسبانيا، و100 من الدنمارك، و60 من النمسا، وقالت مراكز بحثية أوروبية، من بينها «سوفان» «وكويليام»، أشهر المراكز البحثية الأوروبية، فى مراقبة الحركات المتطرفة، إن 20% من الجهاديين الأجانب، الذين سافروا لسوريا، عادوا لبلدانهم ويعملون على تشكيل خلايا نائمة، تستقطب المزيد من الأجانب، والقيام بعمليات إرهابية. وتعمل هذه الخلايا على تكوين «الذئاب المنفردة»، وهم العناصر التى تعمل بشكل منفرد ومن دون تنسيق مع قيادات التنظيمات، لتنفيذ عمليات إرهابية واستهداف مواطنين أو منشآت، ويعد أنور العولقى، مؤسس مجلة «إنسباير» التابعة ل«القاعدة»، مؤسس هذه الفكرة المسماة «خلايا الذئاب المنفردة». المخطط بدأ فى التسعينات بقيادة «القاعدة».. و«فرنسا وإسبانيا وألمانيا وإنجلترا» أبرز الدول المستهدفة وفى ألمانيا، كشفت التحقيقات الفيدرالية عن أن السلطات على علم بوجود خلايا جهادية فى أماكن متفرقة من ألمانيا تقوم بتجنيد الشباب المسلم لصالح شبكاتها المعقدة فى أوروبا، واستقطاب شباب ألمانى غير مسلم، بعد عمليات «غسل مخ»، لإقناعهم بالدخول إلى الإسلام أولاً، والانضمام للتنظيم بعد ذلك، لإلحاقهم بالجبهات فى سوريا والعراق. وتقول التقارير إن هذه الخلايا تحظى بدعم مالى ولوجيستى كبير من قبل أطراف لا تزال مجهولة، فيما تقدَّم دروس فى التطرف والعنف تقوم بها عناصر مُدربة نظرياً وعملياً فى التجنيد لصالح الجماعات الإسلامية المسلحة فى أماكن عديدة من العالم. وتعد خلية «بوتشومون» فى فرنسا، أبرز الخلايا التى ظهرت مؤخراً، مع الهجوم على صحيفة «شارلى إيبدو» الفرنسية، قبل أيام، وبعدها احتجاز رهائن فى المطعم اليهودى، ما أدى لمقتل 16 مواطناً فرنسياً، كحصيلة للهجومين. وطلبت الحكومة الفرنسية مساعدة خبراء جزائريين فى مكافحة «الإرهاب» فى تعقب الخلايا النائمة للتنظيمات الجهادية على الأراضى الفرنسية، وفقاً للصحف الفرنسية نفسها، فى ظل انتشار الخلايا النائمة فى باريس وضواحيها. وكان تنظيم القاعدة، أول التنظيمات الجهادية التى أعلنت عن استراتيجية «محاربة العدو البعيد»، أى الدول الأوروبية، وخططت لنشر عناصرها فى تلك الدول، واستغلت الأجانب الذين يقاتلون فى صفوفها، ضد الاتحاد السوفيتى ومن بعده أمريكا، فى إعادتهم لبلدانهم ومن ثم بدأوا يعملون على تشكيل «الخلايا النائمة»، ونشر الفكر المتطرف فى أوساط المجرمين فى السجون، التى كان يتصادف وجود جهاديين ومجرمين فيها فى الوقت نفسه، كما حدث مع أميدى كوليبالى، الذى بدأ تجنيده فى السجن، حينما التقى جمال بغال، الذى كان محكوماً عليه ب10 سنوات بعد إدانته بالتخطيط للاعتداء على السفارة الأمريكيةبباريس. وأعلن تنظيما «القاعدة» و«داعش»، أن لهما خلايا نائمة وكامنة منذ فترة، تعمل فى أوروبا وبالتحديد فى بريطانياوفرنساوألمانياوالنمسا، تعمل على تجنيد العرب والأفارقة وتخطط لعمليات إرهابية جديدة، تستهدف المنشآت والمصالح الخدمية، وخطوط السكك الحديد وغيرها، حتى وصلت التهديدات مؤخراً إلى الرئيس الفرنسى فرنسوا أولاند. ومعظم الخلايا النائمة فى أوروبا وأمريكا، لها علاقة بالقاعدة، وقليل منها له علاقة بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، إذ إن استراتيجية «داعش» تسير وخطوات مؤسسها الأول أبومصعب الزرقاوى، وهى محاربة العدو القريب، أى الدول العربية، والعمل على التمدد فى المنطقة أولاً، ثم الانتقال إلى العدو البعيد، الدول الأوروبية، ما أكد عليه التنظيم فى العدد الثانى من مجلة «دابق» التابعة له، إلاّ أنها عدلت من استراتيجيتها مؤخراً لتشمل العدوان القريب والبعيد، بعد اتخاذ الولاياتالمتحدة قراراً ببدء الهجمات على «داعش»، وتشكيل تحالف دولى، عقب اجتياح التنظيم للموصل، مايو الماضى. وعلى الرغم من قلق الغرب من صعود «الدولة الإسلامية»، فإنه لا يزال يخشى بصورة أكبر من تنظيم القاعدة، وزعيمه أيمن الظواهرى، ووضعت واشنطن 25 مليون دولار كمكافأة لمن يساعد فى القبض على «الظواهرى»، فى حين وضعت 10 ملايين دولار لمن يساعد فى القبض على أبوبكر البغدادى، زعيم داعش. وبدأت الخلايا النائمة تنشط فى أوروبا مع بداية التسعينات، ففى 26 فبراير 1993 تم تفجير سيارة مفخخة فى مركز التجارة العالمى فى نيويورك، ما أسفر عن مقتل 6 وإصابة أكثر من 1000 شخص بجروح، ونفذ العميلة، وفقاً لوكالة المخابرات الأمريكية، الكويتى رمزى يوسف، الذى كان من أصول باكستانية ودخل الولاياتالمتحدة بجواز سفر عراقى، وهو قريب النسب ب«خالد شيخ محمد»، أحد قياديى القاعدة، وأحد المخططين لأحداث 11 سبتمبر الإرهابية.