قد تختلف الآراء والتحليلات حول تصنيف الحادث الإرهابي الذي فجعت به فرنسا واستقبلت به العام الجديد.. هل هو ارهابي ام انتقامي ام تصفية حسابات سياسية دولية؟ تكهنات واحتمالات طرحتها الاحداث التي مرت بها فرنسا وتوقعها رئيس تحرير شارلي ابدو الاسبوعية، ودفع ثمنها بقتله ضمن افراد اسرة التحرير والرسامين الكاريكاتيريين وعددهم عشرة بالاضافة الي اثنين من افراد الامن بينهم فرنسي من اصل مسلم. وبالرجوع الي اخر عدد لصحيفة 'شارلي ابدو' اليسارية الأسبوعية الساخرة، وهو الاول لعام 2015 نشر رئيس التحرير شارب رسما كاريكاتيريا صور فيه إرهابيا يحمل السلاح وملحق به تعليق يتساءل 'اليس من عمليات ارهابية بفرنسا حتي الان '...ويأتي الرد من الإرهابي' لدينا الوقت حتي نهاية يناير لنبعث لهم برسالة تهاني بالعام الجديد'.. وهو ما حدث بالفعل بعد أن شهدت فرنسا ابشع مذبحة جماعية للصحفيين. ورغم اختلاف البعض حول ما اذا كان شارب يتنبأ بالحادث، او أنه كانت لديه معلومات مؤكدة بان فرنسا ستواجه حادثا إرهابيا ضخما، يظل السؤال المطروح لماذا اختاروا 'شارلي ابدو' بالذات لتكون هدفا للهجوم؟. وفي الحقيقة فان اختيار الأربعة رسامين المشهورين وهم جورج وولينسكي، وجان كابوت 'كابو'، وبرنارد فيرلهاك 'تيجنوس'، وستيفان شاربونييه 'شارب'.. ليكونوا علي رأس قائمة الذين تم اغتيالهم يطرح تساؤلات عديدة، ويفتح الطريق لثمة افتراضات بينها ان اخر رسومات نشرتها الصحيفة في نفس العدد الأخير سخرت فيها من زعيم تنظيم داعش الارهابي أبو بكر البغدادي، ربما جعلت مجلس تحريرالصحيفة الهدف الاول لهؤلاء المتطرفين، خاصة وانها سبق ونشرت رسومات مسيئة للرسول الكريم. ولكن علي الجانب الاخر ومن اجل الانصاف لابد من الاشارة الي ان الرسامين الذين أسلفنا اسماءهم هم ومن راحوا معهم كانوا من اكثر المناضلين عن حقوق المسلمين في إطار تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الاسلام والخلط بينه وبين الجهاد، وذلك بالرغم من نشرهم رسومات مسيئة للرسول الكريم، كما كانوا من الصحفيين المفضلين لدي الفرنسيين لما لهم من رصيد ضخم من المصداقية والدفاع عن الحق ومساندة القضايا العادلة ومناهضة الفساد، والاهم من كل ذلك انهم كانوا من المناصرين للقضايا العربية والشرق أوسطية ومن اهم المدافعين عن القضية الفلسطينية!!. وبالرغم من إنقشاع الازمة مبدئيا بعد تصفية المشتبه فيهم، فإن الامر مازال يقلق الجميع سواء الحكومة أو المواطنين لان العدو لم يكن علي حدودهم، انما يعيش بينهم ويحمل جنسيتهم ويتحدث لغتهم ومن هنا تأتي الكارثة الكبري.. ذلك لان الإرهابيين من القاعدة ومايشبهها من منظمات تكفيرية من خارج فرنسا او المقيمين علي ترابها يعلمون جيدا آليات تطويع ضحاياهم، وكيفية جذبهم، فهم يلعبون علي وترين حساسين وهما جهل الشباب بحقيقة وجوهر الاسلام، وثانيا 'احتياجهم الشديد للاموال' والحديث هنا عن الشباب الذي يعيش بالضواحي المهمشة الفقيرة، ولم يكمل تعليمه، وليس امامه فرص لعمل كريم. ووهو ما سبق وتناولناه في أكثر من تحليل كونهم قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه المجتمع كما سبق وحدث اثناء اشتعال أزمة الضواحي الفرنسية عام 2005. والكارثة الكبري هي محاولة اجتذاب الشباب الفرنسي من اصحاب الديانات الاخري الي اعتناق هذه المعتقدات الخاطئة، ونشر الافكارالتكفيرية لديهم فاتحين لهم ابواب الجنة عن طريق الشهادة، ومن هنا يتم تطويعهم بمنتهي السهولة للسفر والقتال في سوريا والعراق.. ولابد ايضا الا نغفل ان الشباب بطبيعته يُحب التميز والاختلاف فالكثير من بينهم يجد في إطلاق اللحية وارتداء الجلباب شيئ مختلف يلفت انظار الجميع اليه، وقد يفسر ذلك نزوح نحو 1200 فرنسي-تقريبا- للقتال تحت مسمي الجهاد في سوريا. وفي حقيقة الامر فان فرنسا لديها مشكلة ضخمة وشائكة تنذر بالانفجار وهي قضية تصحيح الأفكار الإسلامية المتشددة لدي هؤلاء الشباب الذين تعلموها علي أيدي بعض الأئمة لم يكن السواد الأعظم منهم مؤهل لذلك. وبدون شك فان فرنسا التي فصلت الدين عن الدولة واعتمد قانون العلمانية منذ 1905، قد لا تستطيع القيام بهذا الدور علي أكمل وجه. الامر الذي ينذر بان الايام المقبلة تحمل المزيد من المخاوف للجاليات العربية والمسلمة في فرنسا التي باتت تخشي صدور قوانين تقيد من حريتها، مثل منع المظاهر والاشارات الدينية وان كان هناك قانون لم يحترم حتي الان فيما يخص ارتداء النقاب أو منع بناء المساجد بفرنسا. أو منع اقامة منظمات علي أساس ديني مثل 'اتحاد المنظمات الاسلامية' المعروف بانتمائه للاخوان المسلمين، وهو المنظمة التي تحتضنها فرنسا، وتسمح لها باقامة اكبر تجمع سنوي في شهر ابريل، يجذب الالاف من الاخوان المسلمين من مختلف انحاء اوروبا وفرنسا. ووضع قوانين جديدة لمنح الجنسية الفرنسية وربما سحبها من مزدوجي الجنسية او الاختيار مابين الاثنين. وأخيرا مراجعة وضع المجرمين الموجودين في السجون من مرتكبي الجرائم الجنائية الخطيرة علي المجتمع، خاصة بعد ان تزايدت التقارير التي تشير الي ان سجون فرنسا أصبحت بيئة مواتية لتجنيد المتشددين. وما من شك ان ما ستتخذه فرنسا من اجراءات لمكافحة الارهاب سيكون بالاتفاق المسبق مع دول الاتحاد الاوروبي والدول المعنية بتواجد مهاجرين مسلمين علي اراضيها، هذا علي المستوي الداخلي. اما علي الصعيد الخارجي، فالحوادث التي شهدتها فرنسا علي مدي ثلاثة ايام متتالية وراح ضحيتها 19 شخصا وأكثر من 20 جريحا، وصنفتها بعض الصحف ب 11 سبتمبر المصغر، قد تفتح المجال أمام مزيد من التحركات الغربية في بعض المناطق بالشرق الاوسط لمحاربة الارهاب والقاعدة هناك. وهو ما تؤكده الاجتماعات والمؤتمرات الدولية التي تشهدها باريس وبروكسيل في تلك الفترة فالي جانب الاجتماع الوزاري الأوروبي الأمريكي حول الإرهاب فهناك ما أعلنه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر حول اقتراح برنامج جديد لمكافحة الإرهاب سيتم عرضه علي الدول الأعضاء الأسابيع المقبلة.